الأحداث القاسية التى نعيشها صباح مساء، تثبت –دون أدنى ريب– أن الإنسانية لم تكن فى عصر من عصورها بحاجة إلى هدى القرآن الكريم، وهدى أمثاله، من الكتب المنزلة– بمثل ما هى عليه اليوم، فقد أصبح واضحًا أن عالمنا المعاصر فَقَد القيادة الرشيدة الحكيمة، وراح يخبط خبط عشواء، بلا عقل ولا حكمة ولا قانون دولي، وبات يندفع نحو هاوية لا يعرف التاريخ لها مثيلا من قبل، وسرعان ما تحول هذا الوضع البائس إلى علاقات صراع مسلح تطور أخيرًا إلى صورة بالغة الغرابة والشذوذ فى تاريخ الحروب والصراعات المسلحة، وأبطال هذه الصورة قادة سياسيون وعسكريون، من ذوى القلوب الغليظة التى نزع الله الرحمة من جميع أقطارها، يقودون جيشًا مدججًا بأحدث ما تقذف به مصانع أوروبا وأمريكا من أسلحة القتل والدمار الشامل، ويواجهون به شعبًا مدنيًّا أعزل، لا يدرى ما القتل ولا القتال، وليس له عهد من قبل بسفك الدماء، ولا بمرأى جثث الأطفال والنساء والرجال والمرضي، وهى ملقاة على قوارع الطرقات أو مغيبة تحت أنقاض ومبان مهدمة فى الأزقة والحواري.
كل ما يعرفه شعب غزة البريء البسيط، هو أن أقداره شاءت أن يلقى ربه شهيدا، وشاهدا على جرائم الإبادة والمحرقة الجماعية، من طغاة القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد، والذى بشرونا بأنه: قرن العلم والتقدم والرقي، وقرن الأخلاق الإنسانية والحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وغير ذلك من الأكاذيب والأباطيل التى انطلت على كثيرين منا، وحسبوها حقائق ثابتة من حقائق الأذهان والأعيان؛ فإذا هى اليوم، وكما يقول القرآن الكريم: كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا.