من أهم مقومات نجاح مسلسل «الحشاشين» وحصوله على اهتمام كبير، ونسب مشاهدة ومتابعة عالية، هو الاختيار الذكى للغة العامية لتكون لغة الحوار فى المسلسل لتصل إلى جميع الفئات وليس الفئات النخبوية، فالبسطاء هم الأكثر عرضة للخداع وتغييب الوعى وتزييفه.
«العامية».. فى الحشاشين مصدر قوة ونجاح.. وطاقة للانتشار الواسع من أجل تحصين إستراتيجى للعقول
عندما يكون الهدف نبيلاً والرسالة سامية.. واستلهام الدروس والعبر.. وبناء الوعى الجمعى لحمايتهم.. وصون أوطانهم.. وتعريفهم بمضامين الباطل.. لابد أن تكون الرسالة بلغة سهلة وبسيطة تصل إلى جميع الناس دون استثناء.. نخب، وعامة، وبسطاء.. والبسطاء هم أكثر الناس وقوعاً فى فخ الخداع والتغرير وسلب العقول.. والإرادة والتخدير.. لذلك جاء مسلسل «الحشاشين» نموذجاً فى القدرة على الوصول إلى الناس من كافة الفئات بلغة سهلة وبسيطة.. يفهمها الجميع دون عناء.. وهو هدف رئيسى من العمل فى كشف حقيقة التنظيمات السرية.. الإرهابية التى لا يحكمها أى مبدأ أو فضيلة أو قيمة أو شريعة أو دين.. ولكن فقط مجرد إشباع غرائز الدم والخيانة والغدر.. والخداع.. والمتاجرة بالدين فى أبشع صورة.. تحت شعار «الغاية تبرر الوسيلة».
اللغة العامية التى يتحدث بها أبطال مسلسل «الحشاشين».. هذا العمل الملحمي.. والاستثنائى فى كل تفاصيله من حيث المضمون.. والمحتوى والصورة والإخراج والتصوير.. والتمثيل.. هى مصدر قوة المسلسل.. فلم تكن تفلح اللغة الفصحى فى سرعة الوصول والفهم لكثير من الناس خاصة البسطاء.. لذلك جاءت اللغة العامية أفضل الطريق للنفاذ إلى العقول.. وتنشيط الذاكرة والربط بين الماضى والحاضر.. وكشف جماعات وتنظيمات المتاجرة بالدين.. والاستحواذ واحتلال العقول والوجدان.. وسلب الإرادة والانصياع.. والولاء والسمع والطاعة دون تفكير أو إعمال للعقل.. لذلك فاللغة العامية هى ابتعاد عن مناطق التعقيد والرتابة والصعوبة.. فالمسلسل الذى استحوذ على اهتمام ومتابعة الجميع فى مصر وخارجها.. يتحدث بلغة الجميع.. فلم يكن من الصواب استخدام اللغة العربية الفصحي.. وكأنه مسلسل فئوى نخبوى لا يخاطب إلا فئة بعينها.. لذلك تجاوز المسلسل هذه النقطة.. يتحدث بلغة الناس والشارع.. فى زمن تسود فيه مفردات شعبية دارجة.. ويصعب فيها فهم بعض الكلمات والمصطلحات المعقدة بالنسبة للبسطاء.. لذلك من أهم مقومات نجاح المسلسل بالإضافة إلى مضمونه ونجومه.. استخدام العامية فى إيصال الرسالة.
حسن الصباح.. بطل قصة «الحشاشين» هو أصل الفكرة الخبيثة التى تمثل عقيدة الضلال والخداع والباطل لكافة التنظيمات السرية الإرهابية.. التى تعمل وتعبث فى الظلام للإضرار بالبلاد والعباد.. تحكمها فلسفة المتناقضات.. فلا تعرف وطناً أو أرضاً ولا تدين لحكم أو نظام.. إنما جل أهدافها هو منافعها.. وأهدافها.. وارتباطاتها الخبيثة.. فكلما حلت بمكان أو منطقة أو بلد حل الخراب والدمار والقتل والغدر والخيانة والعمالة.. فهى تتبع من يمنحها الإشباع الشيطانى لبؤرها الشيطانية.. المنتشرة فى أجساد من يقومون عليها.. تجيد الخداع والتغرير بأساليب ناعمة مثل الأفاعى التى تلدغ دون رحمة أو تراجع.. يظهرون عكس ما يبطنون.. لذلك فإن خطورتها فى سرعة الانتشار الخبيث فى قدرتها على الاستلاب والاحتلال والسيطرة على العقول.. ثم يتحول هؤلاء إلى مجرد دمى تنفذ ما يطلب منها حتى ولو كان الانتحار والموت.
السيطرة على العقول.. هو هدف رئيسى وأساسى للشيطان.. وسلوكيات وعقيدة مثل هذه التنظيمات السرية التى تسكن تحت الأرض.. أو فى الكهوف لا تختلف عن أبجديات عمل الشيطان وساوس وإغواء ثم سيطرة واحتلال.. وقدرة على التحريك والتوجيه نحو الهدف.. وظيفتهم هى الخراب والدمار.. وإفساد كل شيء.. التكويش والسيطرة والتمكين جل أهدافهم.. لا يعترفون بالصداقة أو الوفاء.. أو الارتباط بالأرض.. مثل السرطان عندما يتمكن فى الجسد.. فالموت هو أقرب طريق.
اللغة العامية.. اختيار عبقرى لمسلسل «الحشاشين» لأن الهدف العظيم هو التحصين الاستراتيجى للعقول التى عانت على مدار العقود الماضية من خداع شيطانى لم يكن وليد هذا العصر من خلال محاولات اللعب فى أوتار الدين والمتاجرة بشعاراته.. وارتداء ثوب التقوى والورع.. والتسامح والوسطية.. ومعسول الكلام الذى يجد طريقه بسهولة إلى عقول البسطاء والتآمر وتنويم وتخدير الشعوب والغدر بها.. وممالأة السلاطين من أجل التمكين من دهاليز وسراديب الحكم ثم القفز على ولى الأمر.. والتعاون مع أعداء الأوطان وترسيخ الخيانة فى ضمير وعقيدة هذه التنظيمات السرية التى لا تبحث إلا عن تنفيذ أهداف خبيثة من صنع البشر.
«الحشاشين» الذى جذب الانتباه والعقول على مدار الأيام الماضية.. ومازال يحقق انتشاراً واهتماماً واسعاً وعريضاً من الناس الذين التقطوا الفكرة والمضمون والهدف ولم يجدوا صعوبة فى فهم المغزي.. ومتابعة تطورات الأحداث والرسائل المهمة.. والربط بين الماضى والحاضر.. أو بمعنى آخر القواسم والمشتركات التى تجمع بين تنظيم الحشاشين قبل ألف عام تقريباً.. وبين تنظيم الإخوان الإرهابي.. كأشرس وأخطر تنظيم إرهابى سرى فى التاريخ الحديث.. ويتبنى مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة».. والتجارة والخداع باسم الدين.. والإيقاع بالبسطاء والشباب فى براثن التكفير والتطرف والتشدد والتخدير.. والأخطر «السمع والطاعة».. وجميع التنظيمات التى خرجت من رحم الإخوان الخبيث تتبنى وتتخذ من عقيدة المتاجرة والكذب والخداع والإغواء مثل الشيطان لذلك فإن أئمة التطرف والتكفير ممن يرتدون عباءة الإخوان الملوثة بدماء البشر.. يعملون على تجنيد الشباب والعمل على سلبهم إرادتهم أو القدرة على إعمال العقل والتفكير.. يجب أن يكون الشاب أو الإنسان البسيط مسلوب الإرادة.. لا يملك من نفسه شيئاً بفعل الإغواء والخداع والمتاجرة.. ولا أجد بين ما يدعيه حسن الصباح وأذناب حسن البنا عندما يزعمون أن القيام بعمل انتحارى «وتفجير النفس» فى مجموعة من البشر.. أو المباني.. لضرب الأوطان وإسقاط الدول وإثارة الفوضى لتحقيق أهداف التنظيم الخبيثة لـ «الصباح والبنا» فإن هذا العمل سيكون جزاؤه الجنة.. واستقبال الحور العين هو نفس المنهج.. التخدير والتغييب والإغواء والمتاجرة بالدين.. وسلب واحتلال العقول بحيث يدفع هذا الإنسان إلى الانتحار.. ربما حسن الصباح ذهب بعيداً وحسب ما يروى أنه اتبع أساليب فعلية للإغواء والتغرير والخداع بوضع الإنسان المستهدف تحت تأثير التخدير ليصل به إلى مرحلة الأوهام والأحلام.. ثم ليستعد ليجد نفسه فى «ماكيت الجنة» حسب خطة الإغواء.. وأن تنفيذه للانتحار سيكون فى مقابل البقاء والاستمرار فى هذه الجنة.. هو نفس الشيء الذى يخدع به أئمة الضلال والإرهاب والكذب من الإخوان وأذنابهم.. عندما يتمكنون من عقول الشباب وسلب تفكيرهم وإرادتهم لتنفيذ عمليات انتحارية وتفجير النفس تحت أوهام أن الجنة ستكون المكافأة وأن الحور العين فى الانتظار.
لا أدرى هل هناك علاقة بين الاتفاق على الاسم بين حسن الصباح وحسن البنا.. ولماذا الإسماعيلية الطائفة.. والمدينة هى عامل مشترك بين الإرهابيين.. ولماذا الدعوة.. أيضاً عامل مشترك.. وحتى نفس الآليات والخسة والغدر واللامبدأ واللاقيمة.. فالخيانة والغل والكراهية واللاوطن.. والتستر وراء الدين والشعارات والعمل فى الظلام وتحت الأرض.. وانتزاع غدة الشرف.. واللعب على كل الأوتار وتوجيه الطعنات والتجرد من الشرف ومحاولات إشباع غريزة القتل وسفك الدماء.. كل هذه المشتركات بين تنظيم «الحشاشين» وتنظيم «الإخوان المجرمين».. التقطها المشاهد من كافة الفئات.. بفضل بساطة وعامية اللغة.. فلا يمكن إذا كنا نريد الوصول إلى بقاع ومساحات وفئات أوسع انتشاراً أن نلجأ إلى اللغة الصعبة التى يجد المواطن والمشاهد البسيط محاولات شاقة فى الفهم.. وربما لا يستطيع مواصلته.
لم أكن أنتوى أكتب عن مسلسل «الحشاشين» فى هذا التوقيت.. إلا بعد المضى فى المشاهدة لعدد حلقات أكثر.. وأيضاً الاطلاع على بعض الكتب عن هذا التنظيم وآخرها ما كتبه الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة.. وقد طلبت منه الحصول على هذا الكتاب «أسرار الباطنية والطرق الخفية» وحركة الحشاشين.. تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية فى العالم الإسلامى وبعض خواطر أجنبية.. عن هذا التنظيم.. منقولةوليس لها وجود.. لكن مع متابعتى للعمل وجدت مستوى رفيعا.. شكلاً ومضموناً وتصويراً وإخراجاً وإبداعاً.. وهو عمل يمثل نقلة فى تاريخ الدراما والفن المصري.. تتوفر له إمكانيات غير مسبوقة لعظم الحدث والمضمون والمحتوى والرسالة المهمة.. التى تعمل على استفاقة الشعوب من غيبوبة العقود الماضية والتى دفعت بسببها بعض الدول ثمناً باهظاً من وجودها.. بسبب أمثال هذه التنظيمات السرية والإرهابية.. فالحشاشين هو إطلالة ونافذة كاشفة لكل أبعاد العمل السرى المدفون حياً تحت الأرض.. ثم تخرج أفاعى هذه التنظيمات.. لتسرف فى القتل والخراب والدمار والتقسيم والوقيعة والفتن.. فكلما حلت بواد أو قرية أو دولة أو مدينة حل عليها الخراب.. والفوضى والقتل والدماء والخداع والكذب.
مسلسل «الحشاشين».. رسالة عظيمة أراد القائمون على العمل إيصالها للجميع قبل فوات الأوان.. بالحذر من الغزو الثقافى والاحتلال الفكرى لتغييب العقول وسلب الإرادة، واختطاف القدرة على الحوار أو النقاش أو الجدال، أو حتى الاختلاف، كنت أريد تأخير الكتابة، لحين الوصول إلى مسار مختلف أضيف به جديداً أو فى ظل ما يكتب عن المسلسل من إعجاب و»تقدير» وأنه «الحشاشين» حديث الناس ومصدر اهتمام البيوت والمنازل، وأن هناك حرصا على متابعة المسلسل حلقة بحلقة لذلك عندما أقول أن اختيار اللغة العامية البسيطة سريعة الوصول إلى العقول والفهم، لذلك فإن حجم الاهتمام والمتابعة ونسب المشاهدة العالية، تؤكدان نجاح العمل كمبدأ عام ونجاح استخدام اللغة العامية البسيطة.
دعونا نؤكد أن هناك قضية ترعاها وتتبناها الدولة المصرية وهى قضية بناء الوعى الحقيقي، ايماناً منها بأنها طوق النجاه وصمام الامان للعبور والنجاه من حروب جديدة تدار عبر الخداع والتغرير والتخدير والتنويم والتجنيد، وسلب عقول وإرادة الناس بالاستخدام المفرط للتجارة بالدين لذلك انتهجت الدولة المصرية على مدار 10 سنوات وبنجاح غير مسبوق، قضية التحصين الاستراتيجى للعقل والوعى المصرى وهى حلقة من حلقات مسيرة بناء الوعى والفهم، وترسيخ، معرفه ما يدور ويحاك لتجنب، حملات ومؤامرات التغييب، والخداع، لذلك أصبحت الدراما المصرية من أهم أسلحة حماية الوطن والحفاظ على وعى ويقظة الشعب، فمن الاختيار وأجزائه المختلفة والذى عمل على ترسيخ الولاء والانتماء للوطن والتضحية فى سبيله، وأيضاً بناء الوعي، إلى «هجمة مرتدة» لمعرفة كواليس ما يدور فى غياهب ودهاليز وسراديب التنظيمات السرية التى تسمنها وترعاها وتمولها أجهزة مخابرات معادية لتكون أدواتها فى الخراب والدمار وإسقاط الدول وإشاعة الفوضى وصولاً إلى «الحشاشين» الذى يأخذنا فى رحلة عميقة داخل كهوف وفى باطن أرض هذه التنظيمات الشيطانية التى هى إحدى أدوات قوى الشر.
الحشاشين، جولة جديدة، ومعركة من الحرب الشاملة لاقتلاع جذور الإرهاب والخيانة والخراب والدمار، ضد التغييب والتخدير، وسلب الإرادة، واحتلال العقول، هو دعوة لليقظة والوعي، والتفكير، والحرية، والفهم.
الحقيقة أن الدراما المصرية على مدار السنوات الماضية، جديرة بالاحترام والتقدير، ابتعدت عن مناطق الإسفاف والابتذال، وإشاعة الفوضى وبلغة سهلة وراقية وعامية بعيداً عن التعقيد عامية وسهلة وفى ذات الوقت راقية.