الحليب يستحق عن جدارة وصف أكثر الأغذية التى عرفها الإنسان إثارة للجدل والاختلاف والتناقض. فهو فى نظر السواد الأعظم من العلماء والأطباء والخبراء.. أفضل غذاء عرفه لإنسان على الإطلاق.. أو الغذاء الكامل الذى يمد الجسم بمعظم احتياجاته من العناصر الغذائية باستثناء الألياف الطبيعية التى يسهل تعويضها.. وفى نظر هذا الفريق أيضاً هو أهم مصدر للكالسيوم على الإطلاق، ولهذا فإن فوائده فى بناء الهيكل العظمى والوقاية على المدى البعيد من هشاشة العظام ومن الكثير من الأمراض الأخرى، مؤكدة ومثبتة.. وهو مفيد جداً لمرضى قرحة المعدة، ومفيد جداً جداً لكبار السن والأطفال.
أما الفريق المعارض فيرى أن الحليب هو غذاء صغار الأبقار، وما يصلح للعجول لا يناسب الإنسان.. وأنه عسر الهضم، لذلك فهو غير مناسب لمن يعانون من القولون العصبى أو المتشنج.. وقبل سنوات خرج أحد العلماء برأى بدا غريباً، وهو أن الحليب فى الصغر يساوى حساسية صدرية فى الكبر.. وهو الرأى الذى فجر الكثير من الجدل.. لأنه بالنسبة للأطفال الرضع الذين لا تستطيع أمهاتهم إرضاعهم طبيعيا لأسباب صحية لا يوجد بديل غذائى آخر. عموماً لا يزال الجدل مستمراً ولكن كل المؤشرات تصب فى صالح الحليب باعتباره الغذاء المثالى وربما الأكثر فائدة على الإطلاق.. وآخر فوائد الحليب كما أثبتتها الأبحاث العلمية هى أنه يوفر وقاية مهمة جداً من الإصابة بسرطان الأمعاء.
هذا ما أكده علماء من مستشفى جامعى لأمراض النساء بالولايات المتحدة عندما أشاروا إلى أن احتساء كوب حليب يوميا، يقلل احتمالات الإصابة بمرض سرطان الأمعاء بنسبة 12 بالمائة. وأخضع العلماء نتائج عشر دراسات سابقة للبحث والتنقيح. وشملت هذه الدراسات العشر أكثر من نصف مليون شخص بينهم خمسة آلاف مصاب بسرطان الأمعاء. وأظهرت الدراسة أن اختلاف الأنظمة الغذائية من شخص لآخر قد يفسر اختلاف معدلات الإصابة بالسرطان من بلد لآخر. وكانت دراسة سابقة قد أجريت على الحيوانات أظهرت أن الكالسيوم الذى يتوافر فى الحليب ومنتجاته بصفة عامة يقى من الإصابة بسرطان الأمعاء.
الباحثون درسوا نوعية استهلاك الأشخاص من منتجات الألبان التى تمدهم بمادة الكالسيوم المفيدة.. وانتهوا إلى أن الحليب وحده هو الذى يقلل من احتمالات الإصابة بالسرطان خاصة سرطانات القولون والمستقيم. كما خلصت الدراسة إلى أن تناول كميات أكبر من الكالسيوم، مرتبط بتراجع احتمالات الإصابة بسرطان الأمعاء. وتوصل العلماء إلى أن تناول أكثر من ألف ملليجرام من الكالسيوم يومياً قد يؤدى إلى خفض احتمالات الإصابة بسرطان الأمعاء لدى النساء بنسبة 15 ٪ ولدى الرجال بنسبة 10٪. ولم يكتشف العلماء وجود تراجع كبير فى احتمالات الإصابة بسرطان الأمعاء لدى تناول منتجات الألبان الأخرى بما فيها الجبن والزبادى.
الدكتور ريتشار سوليفان، رئيس البرامج العيادية بمركز أبحاث السرطان البريطانى، وصف نتائج البحث الأخير بأنها «مثيرة».. ولكنه يكشف لنا فى المقابل أن العالم يعانى من ظاهرة الأبحاث والأبحاث المضادة أو النتائج والنتائج المضادة.. حيث يرى أن هذا النوع من الدراسات الذى ينتهى إلى نتائج مثيرة سرعان ما يثبت أنها غير صحيحة أو سرعان ما يظهر من يشكك فيها.. واختتم العالم البريطانى تصريحاته بالقول بأنه على الرغم من هذا التضارب العلمى سيبقى للحليب مكانته الخاصة.. وسيبقى كوب حليب يومياً هو أهم ما يجب أن نزود به أطفالنا كل صباح.