بعد موازنة «مواجهة التحديات» فى 2022، و»الموازنة الاستثنائية» فى 2023، تأتى موازنة 2024/2025 ليطلق عليها الدكتور محمد معيط وزير المالية «موازنة بناء الإنسان».
المواطن المصرى فى الموازنة العامة للدولة 2024/2025 التى يجرى حاليا مناقشتها فى مجلس النواب، وسيبدأ العمل بها فى أول يوليو القادم، سيجنى فيها بعضا من ثمار الإصلاح الاقتصادي، بعد سنوات من الصبر وتحمل ظروف اقتصادية قاسية وتحديات صعبة فرضتها أزمات عالمية عنيفة، بدأت فى أواخر عام 2019 بتفشى أزمة كورنا، ثم اندلاع الأزمة الروسية- الأوكرانية فى نوفمبر 2021، وبعدها العدوان الإسرائيلى على غزة وأزمة مرور السفن التجارية فى البحر الأحمر وأثر ذلك كله على حركة السياحة والاستثمار والتجارة العالمية وتكلفة الشحن وارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأساسية.
كل هذه الظروف الدولية فرضت تحديات وضغوطاً ضخمة على الموازنة العامة للدولة خلال السنوات السابقة، وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي، ورغم ذلك لم تتأخر الدولة يوما عن تقديم المساندة للطبقات الفقيرة ومحدودى الدخل، بل وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكومة بإصدار حزم للحماية الاجتماعية وزيادة مخصصات دعم السلع الأساسية لمساندة المواطنين على تجاوز هذه الظروف الصعبة بسلام لأن عقيدة الرئيس الواضحة هى مساندة المواطن وتخفيف العبء عنه فى مواجهة التحديات الاقتصادية.
فالرئيس كما يقول دائماً حريص على ألا يترك المواطن يواجه التحدى وحده وإنما الدولة تسانده وتخفف عنه وتدعمه بكل السبل وهذا ما جسدته الموازنة الجديدة.
فى موازنة بناء الانسان هناك أولوية خاصة للصحة والتعليم والبحث العلمي، ومراعاة لما نص عليه الدستور فى هذا الشأن . وهناك أيضا حرص كبير على توفير فرص العمل، وتخفيف الآثار التضخمية التى عانى منها المواطن المصرى على مدار العامين الماضيين، وتحسين مستوى المعيشة، وتلبية الاحتياجات التنموية للمواطنين وتخفيف الأعباء عن كاهلهم.
حجم مصروفات «الحكومة العامة» فى الموازنة الجديدة يصل الى 6,6 تريليون جنيه.. والإيرادات 5.3 تريليون جنيه للعام المالى الجديد، وذلك بعد تطبيق قانون المالية العامة الموحد لأول مرة هذا العام وهذا يكشف حجم ما تسعى الحكومة لتحقيقه لصالح المواطن.
مخصصات الصحة فى الموازنة الجديدة تصل إلى 496 مليار جنيه بزيادة 99 مليار جنيه على موازنة العام المالى الحالي، من بينها دعم التأمين الصحى والأدوية وعلاج غير القادرين على نفقة الدولة بنحو 18.4 مليار جنيه مع استمرار التنفيذ التدريجى لمنظومة التأمين الصحى الشامل والتوسع فيه ليشمل عدداً أكبر من المحافظات، بالإضافة إلى الاستمرار فى دعم ومساندة المبادرات فى مجال الصحة مثل مبادرة 100 مليون صحة للقضاء على فيروس سي، ومبادرة القضاء على قوائم الانتظار ورفع كفاءة المستشفيات وتوفير الأدوية والأمصال وألبان الأطفال والمستلزمات والأجهزة الطبية، وأيضا إطلاق المبادرة الرئاسية لدعم وزيادة عدد اسرة العناية المركزة وأيضا زيادة حضانات الأطفال.
مخصصات التعليم فى الموازنة الجديدة زادت أيضا بـ267 مليار جنيه لتصل إلى 858 مليار جنيه، منها 565 مليار جنيه للتعليم قبل الجامعي، و293 مليار جنيه للتعليم العالى والجامعي، بالإضافة إلى 140.1 مليار جنيه للبحث العلمي.
ولمساندة المواطن فى مواجهة اثار الموجة التضخمية العالمية، زادت مخصصات الأجور فى الموازنة الجديدة إلى 575 مليار جنيه مقابل 494 مليار جنيه فى العام المالى الحالي، لاستيعاب الحزمة الأخيرة المقررة للعاملين بالدولة، التى تضمنت رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50٪ ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهرياً، وزيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية بحد أدنى يتراوح بين 1000 جنيه إلى 1200 جنيه، وفق الدرجة الوظيفية، حيث تم تعجيل صرف العلاوة الدورية للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية فى شهر مارس 2024 بنسبة 10٪ من الأجر الوظيفي، و15٪ من الأجر الأساسى لغير المخاطبين، وبحد أدنى 150 جنيهاً بتكلفة إجمالية 11 مليار جنيه، وصرف حافز إضافى يبدأ من 500 جنيه للدرجة السادسة ويزيد بقيمة 50 جنيهاً لكل درجة، ليصل إلى 900 جنيه للدرجة الممتازة.
وتم أيضا تخصيص 6,6 مليار جنيه لتعيين 120 ألفاً من أعضاء المهن الطبية والمعلمين والعاملين بالجهات الإدارية الأخري، وإقرار زيادة إضافية فى أجور المعلمين بالتعليم قبل الجامعي، تتراوح بين 325 جنيهاً إلى 475 جنيهاً، وزيادة إضافية أيضاً لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات والمعاهد والمراكز البحثية، وزيادة إضافية أخرى لأعضاء المهن الطبية وهيئات التمريض تتراوح من 250 إلى 300 جنيه فى بدل المخاطر للمهن الطبية، وزيادة تصل إلى 100٪ فى بدل السهر والمبيت، وزيادة حد الإعفاء الضريبى لكل العاملين بالدولة بالحكومة والقطاعين العام والخاص بنسبة 33 %، من 45 ألف جنيه إلى 60 ألف جنيه، بتكلفة إجمالية سنوية 5 مليارات جنيه.
ولم تغفل الدولة حقوق أصحاب المعاشات، حيث تم تخصيص 214.2 مليار جنيه لسداد التزامات الخزانة بالكامل لصالح الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية، ليصل إجمالى ما تم تحويله للهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية بنهاية يونيه 2025 إلى تريليون و116 مليار جنيه.
ملف الدعم الذى شغل الكثيرين فى الفترة الأخيرة كان له جانب كبير فى الموازنة الجديدة، وتم تخصيص 635.9 مليار جنيه للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية مقارنة بـ532.8 مليار جنيه تقديرات متوقعة للعام المالى 2023 / 2024بمعدل نمو 19.3٪ بما فى ذلك: تخصيص 154.5 مليار جنيه لدعم المواد البترولية مقارنة بـ119.4 مليار جنيه بموازنة السنة المالية الحالية، بزيادة 35.1 مليار جنيه بنسبة 29.4٪، و134.2 مليار جنيه للسلع التموينية و40 مليار جنيه لمعاش الضمان الاجتماعى وتكافل وكرامة، بزيادة أكثر من 9 مليارات جنيه عن موازنة العام المالى الحالي، و11.9 مليار جنيه للإسكان الاجتماعي، ودعم توصيل الغاز الطبيعى للمنازل بنحو 3.5 مليار جنيه، و18.4 مليار جنيه للتأمين الصحى والأدوية وعلاج غير القادرين على نفقة الدولة و2.4 مليار جنيه لدعم التأمين الصحى الشامل لغير القادرين، و15.4 مليار جنيه للهيئة العامة للرعاية الصحية منها 8.4 مليار جنيه ممولة من الخزانة العامة، واستمرار دعم ومساندة المبادرات الصحية، وزيادة مخصصات الأدوية والمستلزمات الطبية إلى 26.7 مليار جنيه.
هذه المخصصات كلها تخاطب المواطن مباشرة، وتستهدف دعمه وخفض الكثير من الأعباء عنه بخلاف مخصصات أخرى لتنفيذ مشروعات التنمية التى تقام فى كل محافظات مصر لتحسين مستوى المعيشة وجودة الحياة خاصة فى الصعيد والمناطق الريفية.
الموازنة الجديدة لم تهمل أيضا برامج تحفيز النشاط الاقتصادي، خاصة مساندة قطاع الصناعة والأنشطة التصديرية، وغيرها من المبادرات وخصصت لها 40.5 مليار جنيه، منها 23 مليار جنيه للاستمرار فى سرعة رد الأعباء التصديرية، واستمرار تحمل الأعباء المالية المترتبة على خفض أسعار الكهرباء لقطاع الصناعة، بتكلفة سنوية 6 مليارات جنيه، وتحمل قيمة دعم الفائدة فى مبادرة التسهيلات التمويلية للقطاعات الإنتاجية «الصناعة والزراعة» بنحو 8 مليارات جنيه، بخلاف 1.5 مليار جنيه قيمة الحوافز النقدية للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ونصف مليار جنيه لدعم استراتيجية صناعة السيارات، واستمرار تحمل الخزانة عن الصناع والمستثمرين قيمة الضرائب العقارية على المبانى المستخدمة فى ممارسة الأنشطة الصناعية بنحو 1.5 مليار جنيه، ودعم المزارعين بمبلغ 657 مليون جنيه بخلاف دعم فائدة الرى الحديث بنحو 300 مليون جنيه.
يبقى السؤال عن الإيرادات التى ستلبى كل هذه المخصصات.. وتبقى المعضلة التى تواجه الحكومة: كيف يمكن تعظيم الإيرادات وزيادتها الى 2.6 تريليون جنيه دون فرض أعباء جديدة على المواطنين؟ وكيف تنجح مصلحة الضرائب فى تحصيل 2 تريليون جنيه دون أى زيادة فى سعر الضريبة؟
وزير المالية الدكتور محمد معيط يراهن على إجراءات التطوير والتحديث والرقمنة التى تتم حاليا فى مصلحة الضرائب، والتحول إلى الإقرار الضريبى الالكترونى وتطبيق منظومتى الفاتورة والايصال الالكتروني، وكلها إجراءات من شأنها ضبط المجتمع الضريبى والحد من التهرب وإدماج الاقتصاد غير الرسمي.
يبقى أيضا أن نقول إن موازنة 2024/2025- موازنة بناء الانسان – تأتى متواكبة ومتناسقة مع انتقال الحكومة إلى العاصمة الإدارية وانطلاق الجمهورية الجديدة وفترة رئاسة جديدة لقائدها الرئيس عبدالفتاح السيسي.