كاتب له تواجد على خريطة الإبداع المصرى منذ امساكه القلم فى حرب الاستنزاف ( 1969-1970) ولد ويعمل ويعيش فى مدينته دمياط. إصراره على البقاء فى مدينته، وعدم السعى للحضور إلى القاهرة منح تجربته خصوصيتها.. يصر على أن النص الأدبى هو الفيصل.
حصل مؤخرا على جائزة «الملتقي» للقصة القصيرة العربية التى تنظمها جامعة الشرق الأوسط الأمريكية بالكويت. فاز بالدورة السادسة، وعاد ليجلس على المقهى مع مجموعة من الأدباء.. يرى فى الكتابة حياة، ومسرة، ومتعة.
الحوار معه يكشف عن جوانب من التجربة بعضها كان فى طى الكتمان.
> كيف كانت الرحلة مع الكتابة، تلك التى بدأت منذ أكثر من خمسين عاما؟
– هذه قصة طويلة، تستحق أن تروي.. دخلت المدرسة الابتدائية العام الدراسى 1957/1958، وكان معلمنا رفعت قطارية.. شاباً متحمساً يبدأ اليوم بالغناء من نافذة مطلة على الحديقة.. ونحن نردد ما يقول، يعلمنا الأبجدية بالطين الصلصال، ونقرأ فى الحديقة من كتاب المطالعة «فلفل وشرشر».. هذا الرجل علمنا الكثير.
> كتبت الشعر والقصة والرواية كما كتبت المسرح والأغنية ، أيها أكثر قدرة على التعبير عنك؟
– إنجازى الأهم كان فى القصة القصيرة حيث بدأت الكتابة منذ عام 1974، ومنذ عام 2001 بدأت إصدار أول مجموعاتى القصصية «خوذة ونورس وحيد»، فى السنة التالية فازت بجائزة المجلس الأعلى للثقافة.
> العيش فى دمياط، كيف منح تجربتك خصوصيتها؟
– أنا مقتنع بأمر واحد هو ضرورة عمل الكاتب بجدية وتمهل ورغبة فى التجويد. لا يهم هنا الجغرافية بقدر ما يكون للوعى والموهبة والإدراك الكلى لجوانب الحياة.. إذا اقتنع الكاتب بذلك فلا يهم مسقط الرأس أو مكان الإقامة. سعيد الكفراوى من المحلة الكبري، يحيى الطاهر عبدالله من قنا، محمد المخزنجى من المنصورة.. كتابتهم الأولى البديعة بدأت فى قراهم ومدنهم. ووجودى وبقائى فى مسقط رأسى مدينة دمياط لم يكن سوى اختيار، ربما صادف قبولا من الآخرين. ووفر لى حاضنة آمنة للكتابة والتجويد بعيدا عن صخب العاصمة.. والحقيقة ليست لدى أى احساس بالمظلومية.
> طقوسك قبل الكتابة، وطريقة البحث عن الأفكار والإلهام؟ وهل تختلف تبعا لنوع العمل؟
– كنت لسنوات طويلة أبحث عن موضوعاتى من البيئة الشعبية التى انتمى إليها، من أحاديث الجارات، ومن خروجى إلى العمل مبكرا فى سن الخامسة للاشتغال فى ورش الأثاث ثم فى محال بيع الأحذية بعد ذلك.
أما عن طقوس الكتابة فأنا: أكتب فى الهزيع الأخير من الليل، أجهز كوب شاى وأضعه على المكتب الصغير ثم أرشف الرشفة الأولى وهو ساخن والبخار يتصاعد منه ثم حين أمضى فى الكتابة أرقبه وقلبى مترع بالتفاؤل أن استمر فى الكتابة، بعد فترة من الوقت أقف فى بلكونة شقتي- المستأجرة- لأحدق فى السماء البعيدة، أرقب ضوء النجوم، بعدها بلحظات أراقب السائرين من بشر وقطط وماعز وحتى تلك العرس (جمع عرسة) التى تمرق فى الشوارع المظلمة بجسدها الهزيل المبطط.
فى فترة زمنية تالية وبعد جلوسى على المقهى صارت الحكايات مصدرها مباشر، يمكن رؤيتها فى الشوارع والأسواق والحدائق وربما فى محطة القطار أو عنابر المستشفيات التى تغص بالمآسى والأحزان.
> أول كاتب مصرى يفوز بجائزة الملتقى كيف ترى ذلك؟
– وصل من قبلى زملاء أعزاء إلى القائمة القصيرة ومن بينهم شريف صالح ومحمد رفيع ومنصورة عز الدين- حسب ذاكرتي- وتختار لجنة التحكيم منهم كاتبا بناء على مشاورات بينهم، وكل لجنة لها ذائقتها، وطريقتها فى الاختيار.
> ظهرت ظلال الخرافة، فى مجموعتك «دمى حزينة» .. كيف ترى تأثر البشر بالخرافات وأسباب ذلك؟
– ما زالت الخرافة تسرى فى قرى ومدن مصر، وهذا يبدو واضحا فى وجود أفكار غيبية ما زالت تحكم الشارع وتقنن سلوك أغلب الناس. فى العام 2024، ما زلنا نرى من يؤمن بالأعمال السفلية، وربط العريس، وركوب الجن أكتاف الناس خاصة البنات. الواقع أن الضغوط الواقعة على البشر تدفعهم للإيمان بالغيبيات فيذهبون للدجالين بمحض اختيارهم الحر.
> مزجت بين الواقعية والفانتازيا.. فما الذى تعالجه الفانتازيا لتستطيع الكتابة الواقعية أن تعبر عنه؟
– أعتقد أن استخدام الفانتازيا فى النسق الكتابى يحتاج إلى ترتيب وتنظيم وفهم لجماليات النص خاصة فى القصة القصيرة التى تحتاج إلى اللماحية والتكثيف والإيجاز، وهذا يعتمد على الوعى الجمالى لكل عنصر على حدة.
> للموت حضور كثيف فى مجموعة «دميحزينة» ما فلسفتك فى ذلك؟
– مات أبى وعمرى سنة ونصف تقريبا، فشعرت باليتم المبكر.. لست خائفا من الموت لكننى استغرب من موجات الحياة والموت كشقين متلاصقين يصعب الفصل بينهما.. إضافة إلى أن الكتابات التى عالجت مفهوم الموت لم تريح صدرى فقررت أن أخوض التجربة للبحث عن إجابات ممكنة.
> تعيشها كثير من النساء فى مجتمعنا معاناة حقيقية، كيف تنتقى حكايات النساء التى تصلح للكتابة؟
– المرأة عنصر فاعل فى أغلب قصصي، وهو ما لمسته فى الواقع واقتربت منه فى الحياة.. أحيانا تكون قوية، شامخة، وفى أحيان أخرى تتسم بالمكر والدهاء، وفى أحيان ثالثة تكون ضعيفة مكسورة الجناح. أهم قصصى كتبت عن نساء مثل: «مشيرة «، «نرجس «، «تمر حنة»، «فواطم»، «نجوي».. على غير الشائع المرأة عندى قوية ومتحكمة وفى أحوال معينة تقوم بضرب زوجها كما فى قصة «أم إحسان» وما كتبته مشهد منتزع من الواقع فى بيت جدى الحاج توفيق الفيل بمنزله قرب سوق الحسبة.
> كيف تنظر إلى الحياة وأنت على أبواب العام الرابع والسبعين؟
– أنا مهموم بالكتابة، التى تعالج قضايا الواقع بشكل اشراقى جميل.. افتح النافذة كل يوم وقلبى مفعم بالتفاؤل والمسرة.. كل مرة اكتب نصا جديدا أشعر أننى أضيف شيئا إلى ذاتى وربما للآخرين.. الكتابة موقف وانحياز جلى لقيم إنسانية خالدة.
أسعى إلى نشر ثلاث مجموعات جديدة فى دور نشر أكثر انتشارا.