دراما «المتحدة» تصنع الوعى بـ«احترافية»..
وتكشف دهاليز الجماعات «السرية»
بمهارة واحترافية فائقة، تمكنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من صناعة التاريخ بمسلسل تاريخي، يكشف أسرار الجماعات السرية، وكيف تتحرك على خريطة الأوطان؛ لتدميرها بالإرهاب والفتنة ونشر الكراهية، من أجل تحقيق مصالحها الشيطانية. .مسلسل «الحشاشين» ليس مجرد عمل فنى «مهم»، وإنما هو ـ بالإضافة إلى ذلك ـ عمل «توثيقي» على أعلى درجات الأهمية، فالحكمة تقول: لا يقتل «الفكرة» إلا «الفكرة». لذلك، تحرك صُنَّاع الدراما فى هذا العمل بوعى شديد، ومهارة أشد؛ لتشكيل الوعى العام من جديد على قواعد صحيحة من «الحقائق.. والمنطق.. والحق»، وليس «الأكاذيب.. والخيانة.. الضلال» كما تصنع الجماعات السرية، بدءًا من «الحشاشين» وحتى «الإخوان المتأسلمين»، «الجمهورية» فى هذا الملف، تغوص فى أعماق التاريخ والدراما والتحليل؛ لرسم صورة «متكاملة» أمام المواطن المصري؛ ليتعرف عن قرب على هذه الجماعات من حيث النشأة، وأبرز أفكار الضلال، وكيف تكون المواجهة، فمع نشر الوعى بما حدث ويحدث وسيحدث، نستطيع ـ كوطن ومواطن ـ أن نكتب بأيدينا النهاية «الحتمية» لحشاشى هذا العصر.
المؤرخ القضائى د. محمد عبدالوهاب خفاجى..
يكشف فى دراسة مهمة أوجه التشابه بين الجماعتين:الصـــباح والبنـــــــا .. وجهان لـ«إرهاب واحد»
٦ أقنعة تكشف الثنائى «حسن» الصباح والبنا.. من «اللعب بالدين» إلى «القتل بدم بارد»
المصلحة تحكم: بث «الفتنة» بين الجميع.. وزراعة «الجهل» فى العقول.. وليذهب الوطن إلى الجحيم
تلعب المسلسلات التلفزيونية التاريخية دوراً ثقافياً مهماً فى حياة المواطنين، خاصة إذا وجدت المهارة الفنية التى تتشارك فيها عناصر عديدة، بدءًا بالقصة والسيناريو، إلى التمثيل والعناصر المُكملة الأخرى من أزياء وديكور وصوت وموسيقى وإضاءة، ومن بين هذه المسلسلات «الحشاشين» الذى يؤرخ للجذور الأولى لفكرة التنظيمات السرية الإرهابية،والتى تستغل الدين لخداع الشعوب، خاصة أن هناك ترابطًا وثيقًا بين الدراما والتاريخ والواقع.. وفى سبيل إيقاظ «الوعى العام»؛ لمواجهة خطر التنظيمات السرية للإرهابالتى تهدد الاستقرار السياسى والاقتصادى والاجتماعي، أعدالمفكر والمؤرخ القضائى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، دراسة مهمة بعنوان «القواسم المشتركة للتنظيمات السرية الإرهابية بين الحشاشين والإخوان ـ أكذوبة المتاجرة بالدين لتخدير الشعوب وعلاقتها بالسلطة» . .تتناول دراسة الفقيه المصري، فى الجزء الأول منها، إرث التنظيم السرى الإرهابى «الحشاشين»، والذى لا يزال حيًا فى العالم باستنساخه مرة أخرى من جانب جماعة»الإخوان»، فالثنائي»حسن» ـ الصباح والبنا ـ يمثلان الجذر الرئيسى للإرهاب قديمًا وحديثًا، عن طريق استغلال الدين وتخدير الشعوب، الأمر الذى يؤكد عليه مسلسل «الحشاشين»، والذ يُعد من الأعمال العابرة للحدود؛ لكشف أصل الإرهاب على إمتداد العصور.
أولاً: وحدة الناس ضد عدو مشترك
اسم «الحشاشين» مرادف للقتل منذ عدة قرون، على يد زعيم أول تنظيم سرى إرهابى يتخذ من الدين ستاراً، وهو»حسن الصباح» المولود لعائلة شيعية فى بلاد فارس ـ إيران حاليًا ـ والذى سافر كثيرًا عبر دول الشرق الأوسط، وكان صديقاً لوزير تركى ثرى وقوى يدعى «نظام الملك»، إلا أن زعيم الحشاشين خان صديقه وتآمر عليه، وعلى الأتراك السلاجقة الحاكمين.
اضطر «الصباح» إلى الفرار إلى مصر هربًا من غضب الوزير، وظل هارباً لسنوات، يبشر بمعتقداته الشيعية للمتحولين إلى الإسلام فى المناطق البرية، حيث لم يتمكن نظام من الوصول إليها.
كثير من الشعوب العربية لا تعرف الحقيقة الكاملة لأول تنظيم سرى إرهابي. إذ اُعتبرالحشاشون لفترات طويلة طائفة من القتلة المتوحشين المهووسين بالمخدرات، و لم تفرق خناجرهم بين المسيحيين والمسلمين، حيث كانوا يقتلون بذات الشراسة، على الرغم من تدمير إمبراطوريتهم فى القرن الثالث عشر، وقد ارتكبوا عدة جرائم قتل روعت الشرق الأوسط لعدة قرون.
ومع مضى الزمان، انتقل إرث الحشاشين إلى تنظيم «الإخوان» الإرهابى الذى ورث عن الحشاشين نفس أساليبهم الملتوية، وكذلك المتاجرة بالدين؛ لتحقيق أهداف ومكاسب وسلطات على حساب الشرع والدين، كما وثت الجماعة والتنظيمات الإرهابية المتفرعة المتطرفة ذات الأهداف والغايات مع اختلاف أساليب التنفيذ.
اعتمد الحشاشون على المتطرفين المتحمسين الذين اعتقدوا أن الموت فى المعركة يؤدى إلى الجنة فى الحياة الآخرة، كما استقبل زعيم الحشاشين – كما وصفه الرحالة الشهير «ماركو بولو» فى كتابه «أسفار ماركو بولو» ـ عددًا من الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين اثنى عشر عامًا وعشرين عامًا، لأنه من الأسهل السيطرة عليهم فكرياً ودينياً، حيث تم اختيارهم من سكان الجبال المحيطة، الذين أظهروا استعدادًا للتدريبات القتالية، وكان القتلة مشابهين للمفجرين الانتحاريين المعاصرين، وتم تدريبهم على التخفى والتنكر للاقتراب من أعدائهم، ويضربون القادة السياسيين والعسكريين بكفاءة مميتة.
ثانيًا: الثنائى حسن.. الصباح والبنا
حسن الصباح «تنظيم الحشاشين» وحسن البنا «تنظيم الإخوان» هما المصدر الجذرى للإرهاب قديماً وحديثاً باستغلال الدين وتخدير الشعوب للسيطرة على الكوكب بأكمله، والفرق بينهما عدة قرون، فتنظيم الحشاشين كان فى أواخر القرن الخامس الهجرى الحادى عشر الميلادى تحديدا سنة 1090م، بزعامة حسن الصباح فى القلعة الجبلية بإيران، والتى كات مقر دعوته، واعتمد على القتل والإرهاب باعتباره صاحب الأمر و النهي، وبعد موته حكم سبع شيوخ، واتسع نطاق نشاطهم الإرهابى فشمل الشام أيضًا. وفى سنة 1256 ميلادية هاجم المغول بقيادة «هولاكو» قلعتهم فى ألموت وقضوا عليهم، ثم أجهض عليهم الظاهر بيبرس فى الشام سنة 1273م، وظلت منهم جماعات متفرقه بسوريا وإيران والهند حتى اختفوا عام 1275.
أما تنظيم الأخوان، فقد تـأسس عام 1928 فى مصر على يد حسن آخر هو حسن البنا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، وقام تنظيم الإخوان باستنساخ منهج تنظيم الحشاشين على العنف والاختطاف والقتل. وحديثًا، جماعة الإخوان المسلمين هى المصدر الأساسى للإرهاب القائم على استغلال الإسلام، وتقوم أيدولوجية التنظيم الإخوانى على فرض منهجه على جميع الأمم، باستغلال الدين و»تخدير» الشعوب؛ للسيطرة على الكوكب بأكمله، وينظمون صفوفهم داخليا على جميع المستويات الاجتماعية والمدارس والجامعات والمساجد والسياسة والمهن المختلفة وينتشرون خارجيا فى عدة دول عربية وأجنبية ولهم فروع فى 70 دولة ومنطقة للسيطرة عليها.
كان حسن البنا، مؤسس تنظيم الإخوان، من أشد المعجبين بـ»أدولف هتلر» والنظام النازى خلال ثلاثينيات القرن الماضي، وطورت الجماعة جهازًا يمكن من خلاله توفير التدريب العسكرى لأتباعها والانخراط فى الإرهاب السياسى ضد المسيحيين الأقباط المصريين وكبار المسئولين والقضاة.
ثالثًا: تنظيم عابر للحدود الوطنية
يجب الاحتفال بالمسلسلات التليفزيونية التى تساهم فى كشف حقيقة التنظيمات السرية الإرهابية عبر التاريخ؛ لأنها تؤدى إلى خير المجتمع، وإحداث نوع من التغيير الاجتماعي، وعلى قمتها مسلسل الحشاشين الذى أبدع إنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً فضلا عما يتصل بالعمل الفنى من التصوير، والمونتاج، والجرافيك، والديكور، والموسيقى التصويرية، وذلك بفهم ووعى وصل إلى قمة الجودة وذكرنا بالأعمال التاريخية الخالدة.
المسلسل يربط بشكل بديع بين الدراما والتاريخ والواقع، من خلال عرض الجذور الأولى لفكرة التنظيم السرى الإرهابى منذ عدة قرون، والترابط الدقيق بين التنظيمات الإرهابية السرية قديماً وحديثاً، ومثل تلك المسلسلات تعد عابرة للحدود الوطنية لما لها من تأثير ثقافى وقانونى وسياسى تستحق الإشادة والتحليل الدقيق لهدف المسلسل الذى نجح بامتياز .
أيضًا مسلسل الحشاشين يُعد إيذانا بميلاد جديد للكتابة الدرامية المصرية والعربية التى تفضح «الأباطيل»، وتبين القتلة باسم الدين الذين ذرعوا البذور الأولى للعنف والتطرف والإرهاب الذى يواجه الشعوب. إن الإرهاب وسيلة لإرسال رسالة إلى القادة السياسيين والحكومة من خلال خلق الخوف وتثبيت النفوذ لخلق القوة على أمل الاستيلاء عليها من الأسفل وتمارسها الدولة من الأعلى والإرهاب هو أعنف أشكال الحرب النفسية، والتأثير النفسى للإرهاب أكبر من آثاره الجسدية، لذا يرون حديثاً من خلال توسيع نطاق الإرهاب، يزداد الجمهور فقد اكتسب الإرهابيون الوصول إلى عدد أكبر من النشء من خلال التوزيع واسع النطاق للوسائط الإعلامية فى العصر الحديث.
رابعًا: الهوية الوطنية.. وتجار الدين
مسلسل الحشاشين أعاد مفاهيم الهوية الوطنية والوحدة، حيث يوجد فهم مشترك بأن استغلال الدين بالعنف والإرهاب تدفع الناس إلى الوقوف متحدين ضد عدو مشترك، مع الأخذ بعين الاعتبار أجواء الخوف وعدم اليقين التى تعيشها الشعوب من جراء المتاجرة بالدين وخداع الشعوب باسم الدين واستخدام العنف طريقاً للسلطة، وهو ما عايشه الشعب المصرى بعد عام من حكم الجماعة الإرهابية، لذا فإن الأعمال الفنية تخلق الوعى العام وتجعل المواطنين يجدون الراحة فى بعضهم البعض للتغلب على خلافاتهم ليهيمن الولاء القائم على السمات الوطنية المشتركة بهدف إلهام الناس للوقوف متحدين مرة أخرى .
الحشاشون أول تنظيم إرهابى سرى يعتمد على الإرهاب بالقتل والدمار باسم الدين، ويتساءل المرء بعد انتهاء المسلسل والربط بين دراما الأحدث التى شاهدها فى المسلسل، ثم يجوب بخاطره بطريقة عفوية أنه بعد عدة قرون وبنفس روح الإرهاب يظهر تنظيم الإخوان الإرهابية ينتهج ذات روح الحشاشين فى صدمة للجميع من هول المفارقة التاريخية , والصدمة توحد الناس.
خامسًا: منهج القتل والإرهاب
حسن الصباح المؤسس الأول والزعيم لتنظيم القتلة الحشاشين ، اعتمد على استراتيجيتين، استعارها منه تنظيم الإخوان وكافة التنظيمات الإرهابية الحديثة: الأولى تقوم على خلق بيئة أيدولوجية وتوفير المال الضخم وإمدادات ثابتة للمتطوعين الذين يكونون على استعداد للتضحية بحياتهم، بينما تقوم الاستراتيجية الثانية على توقيت قتل الضحايا علناً فى الأماكن والأوقات المزدحمة مثل صلاة الجمعة للرعب بين الناس أو أماكن تجمعات البشر للترفيه لجعل قادة الشعوب يشعرون بعدم الأمان. والرأى عندى أن هاتين الاستراتيجيتين نسخة طبق الأصل فى تنظيم الإخوان والجماعات الإرهابية الحديثة.
سادسًا: السينما فى خدمة «الوطنية»
مسلسل الحشاشين سبق السينما المصرية التى تأخرت حديثاً فى العبور للحدود الوطنية، فلقد تأخرنا كثيرا فى مجال السينما العابرة للحدود الوطنية وهذه ليست بدعة من القول، وإنما سبقتنا فيها الدول الأوروبية التى تركز على دور السينما الوطنية على سبيل المثال، Tragedia all›italiana لآلان أوليري: السينما الإيطالية والإرهاب الإيطالى 1970-2010، أو أحداث تاريخية محددة مثل المختارات إعادة صياغة 11 سبتمبر بأمريكا : فيلم الثقافة الشعبية والحرب على الإرهاب جيف بيركنشتاين وآنا فرولا وكارين راندل , لبيان التأثيرات المتبادلة لجذور الإرهاب والسياسة والسينما والرأى العام؛ وهل كان صراع الحضارات؟ أم كان ذلك عملاً عاطفيًا ؟ أم هوالانتقام المتجذر فى التدخل المستمر للولايات المتحدة ؟ أم هو ضعف الأمن والهوية
الناقدة الفنية الكبيرة «ماجدة موريس».. تكتب عن «تفاصيل» المسلسل العبقرى:
الدراما .. تحاصر الإرهاب
«المتحدة» تقتحم حاجز «الميزانية الضخمة».. وتُقدم عملاً فى منتهى الجودة والاحترافية
هو أخطر عدو لى لأن عنده الحجة والفكر، وسنه مش كبير، وسيكون هو الفكرة الكبيرة التى تهدد وجود حسن الصباح». هكذا قال حسن الصباح، زعيم طائفة «الحشاشين»، قبل أن يرسل واحداً من أتباعه لقتل الإمام أبو حامد الغزالي، وظل ينتظر خبر موته.
يستحق أن يكون فى مقدمة الأعمال الدرامية لهذا العام، ومقدمة مهرجان الدراما المصرية المفتوح لعام ٤٢٠٢ لاسباب كثيرة، أولها العودة الى البحث عن التاريخ، وما أضافه لنا فى مراحل عديدة مهمة عرفتها مصر ذات التاريخ الطويل والمتنوع، حيث كانت الدراما التاريخية جزءاً مهماً من الحصاد الدرامى السنوى للتليفزيون المصرى منذ الستينيات حتى توقفت منذ اكثر من عقد،وكان السبب الأكثر وضوحا لتوقف انتاج الدراما التاريخية هو الميزانية المطلوبة لانتاجها والتى اصبحت مشكلة حقيقية ،خاصة مع وجود مشكلات إنتاجية اخرى ليس هذا وقتها،لكن التاريخ عاد دراميا الان، ونحن نرى «الحشاشين» بإنتاج على أعلى مستوى بواسطة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
وأهمية هذا الانتاج أنه يعبر عن «روح» و»تضاريس» العمل التاريخيّ فيأخذ المشاهد الى المكان والزمان الذى يقدمه كما نرى الآن، من خلاله بلاد أخرى دارت فيها الاحداث، وجبال ومرتفعات وممرات وقلعة حقيقية، وممرات مغلقة، وسهول تستقبل جيوش المحاربين من السلاجقة، وانصار الدولة الفاطمية، والعباسية، والفرنسيين، الى أنصار حسن الصباح.
ومن الاماكن الى الملابس والأسلحة وأماكن اللجوء والراحة، فقد ذهب بنا المسلسل الى كل مكان خرج منه «الصباح»، والى دول اخرى تمتلك هذه الملامح الجغرافية الان حقيقة، ولو لم يفعلها المسلسل لفقد جزءًا كبيرا من مصداقيته، ولهذا فإن المكان هنا هو جزء مهم من انتباهنا وشغفنا بمتابعة العمل وكذلك كل العناصر الفنية المعبرة عنه من ملابس وديكورات واكسسوارات وحتى أسلوب التعبير من خلال حركة الممثل وأدائه،امتزجت مع المكان والحوار وما يغلفه من معان قد تكون غير مكتوبة، لكننا ندركها كمشاهدين ، وبرغم اتساع الاماكن وتعددها،إلا ان السيناريو الذى وضعه الكاتب عبدالرحيم كمال، لم يفته تقديم اسباب ظهور «الحشاشين» فى البداية بعد تدهور الأوضاع برحيل الأنبياء، وظهور مجموعة سمت نفسها «حراس الحكمة»، وبعدها كثرت الفرق والمذاهب التى ادعت كل منها الخلافة، ومن بينها الباطنية.
ولقد استطاع فريق العمل الكبير فى المسلسل، بقيادة المخرج «بيتر ميمي»، التعبير عن الصورة العامة للمجتمعات فى هذا الزمن البعيد «القرن الحادى عشر»، وهو ما احتاج جهدا خارقا، ربما جار على بعض الشخصيات التى قدمها العمل،خاصة الشخصيات النسائية،ولكننا هنا امام عمل ملحمى عن رحلة الصعود لشاب التقط بعض المفاهيم ممن حوله وهو صغير،واولهم أمه،وتمتع بذكاء حاد، وحب لنفسه يفوق حب العالم كله.
«الصباح» وخطة الصعود
هل من الممكن أن يصبح «حسن الصباح» بطلا بعد هذا المسلسل ؟خاصة مع قيام الممثل النجم «الوسيم» كريم عبد العزيز بالبطولة؟ الاجابة تأتينا من خلال العمل وحلقاته التى لم تنته،لكنها قدمت لنا شخصية مغامرة الى درجة الهوس بالموت.. موت الاتباع وليس موتها هي؛ لأنها لا تحب إلا نفسها ،وهو ما رأيناه عبر علاقته بالاتباع وإغرائهم بالجنة،وادعائه بأنه حامل لمفتاحها. .وعلى مستوى آخر، فقد قتل «الصباح»، بواسطة احد اتباعه، اصدقاء عديدين، بينهم الوزير نظام الملك «فتحى عبد الوهاب» الذى وفر له فرصة عمل كبيرة فى ديوان السلطان ملك شاه «إسلام جمال» ملك السلاجقة،ومع ذلك فلم يتورع عن قتله حين اصبح له أنصار ودخل فى صراع مع نفس الدولة التى عمل فيها، ومن خلال المسلسل الذى أدار تصويره ببراعة كبيرة المصور حسين عسر، تأخذنا الحلقة الاولى الى طفولة وبدايات شباب الصباح فى مدينة «أصفهان» قبل أن يتركها مع عائلته، ويأتى إلى مصر التى كانت تعانى وقتها من أزمة مجاعة كبرى سميت «الشدة المستنصرية»، وفقا للخليفة «المستنصر بالله الفاطمي»، وتشاء الصدفة ان تتحقق رغبة «الصباح» بمقابلة الخليفة الذى اتاح له البقاء فى مصر ورعايته بعد ان قام بتفسير حلم لامه، ويهرب مع العائلة بعد موت الخليفة، وعبر البحر يقوم برحلة الى «عكا»، لكنه يعود فى الحلقة الرابعة وقد اختمرت فى ذهنه فكرة الزعامة، ويقترب من قصر السلطان من جديد، ويلحقه صديقه «نظام الملك» بالعمل فى كتابة التقارير عن احوال الناس ،وتلخيص ملفات الدولة،لكنه يقصيه حين يجد اهتمام السلطان به.
أولادك.. اولادي
«اولادك أولادى لحد ما كلنا نتقابل فى الجنة» كلمات بدأ بها «الصباح» مسيرته فى القتل والاغتيال للآخرين، بعد أن فكر فى اغتيال الخليفة الجديد اثناء مرور موكبه، وهو ما نراه فى الحلقة السادسة. ونرى أيضاً تحريضه لشاب ليقوم بالاغتيال، قائلاً له: «أنت شاب ذكى وطيب ومرقوم بعمل مهم بالنسبة لدعوتي.. اولادك أولادي.. الخ». .وبعدها نرى نتائج الاغتيال.. هروبه بواسطة اتباعه. وبعد ان استمال بعض حراسه،وهروب عائلته،والتلاقى وسط الوديان والجبال لنرى لاول مرة أتباعه وهم سعداء بتوزيع الأموال عليهم، ووعدهم بالجنة فى خطبة النجاح له: «أهلا بالأحباب.. أبشركم.. أنا صاحب مفتاح الجنة».
وبعدها، يتجهون الى قلعة «الموت»،ويستولون عليها بعد خداع ملكها، ويعيد حسن الصباح ترتيبها وفقا لما يراه،ويحولها الى ديوان للحكم يصمد امام حصارها بواسطة جيش «السلاجقة» برغم صغر عدد أنصاره، وبعد معارك عديدة «نكتشف خلالها متغيرات مهمة فى تقديم المعارك على الشاشة، وإدارتها باحتراف، وهو ما يعنى استعداد خاص وفريق عمل متخصص استعان به المخرج» استغرقت اكثر اوقات الحلقة رقم ١١ضد السلاجقة،وبعدها يتحول الصباح إلي»أسطورة» لدى اتباعه، يأمر بالاغتيال او القتل فينفذ التابع.
ولادراكه ان «نظام الملك» وراء كل هجوم للسلاجقة عليه، يرسل من يغتاله، ومن يضع السم للسلطان، ومن يقتل الامام الغزالي؛ لإيمانه بأنه الخصم الأهم لدعوته الى الإيمان بالله وحده. ويمضى وراء حلمه حتى لو ضحى بابنه الأكبر «الحسين»،فى الحلقة رقم ٥١ حين يعرف انه اعتدى على حاكم المنطقة، بحجة انه ابن الصباح،فيحكم عليه بالقتل رافضا بداخله ما أعلنه الابن لكثيرين وهو انه سيكون خليفته،فهو لا يرى أى خليفة او احد يقترب من «حسن الصباح»، وبالتالى لا يقبل خلفاء، حتى ابنه.
ومن المؤكد ان حياة زعيم «الحشاشين» تستحق أن نعرفها لنرى من خلالها روايات مذهلة عن أحداث العالم القريب منا، ولا زال، فإليّ اى منطقة سيصل بنا هذا العمل بعد نصفه الثاني؟
ثروت الخرباوى.. المفكر السياسى الكبيـــر.. يكتب عن الشيخ «الداهية» الذى أصاب العالم فى مقتل
اخلع عقـــــلك.. قبل دخول الجماعة
«تغييب» عقول التابعين.. أول الطـــريق نحو «السيطرة» عليهـم.. وقيادتهم فى اتجاه «الضلال»
كان الصبي حسن مندفعا ناحية المعرفة، قال في شذرات من مذكراته «ظللت حتى السابعة عشر دارسا وباحثا في المعرفة» وذات يوم وعندما شب عن الطوق وأصبح شابا يافعا تقابل مع أحد علماء الدين فظن أنه «رشيد» ف»رضا» عنه وجلس عليه واتخذه استاذا له، يسمع منه تفسير القرآن ويتلقى منه ما لديه من علم، ثم التقى بمعلم آخر وضع له معالم الطريق، ومن العجيب أنه كان خطاطا بارعا حتى أنه في بدايات شبابه كان يعلم الصبيان الخط العربي، وفي الإسماعيلية حط رحاله، ويبدو أن الإسماعيلية تركت أثرا كبيرا في نفسه، ثم رسمت له بعد ذلك خريطة حياته إذ بعدها قام بتأسيس جماعته، كان يطلق على رفاقه في الجماعة «الأخوة» أخذ يعلمهم، ويربيهم، ظل يجوب البلاد لينشر دعوته، فقد كان يسمي طريقته وطريقة أتباعه بـ «الدعوة» ثم كان أن أنشأ مقرا دائما للدعوة، وأطلق على مقره هذا «مقر الدعوة»، ولكن تنظيمه كان سريا، يعمل تحت الأرض، وأعضاء تنظيمه تم تدريبهم على استخدام الأسلحة والقتل والاغتيال، ويقول من عاصروه إنه كان داهيا عظيم الدهاء، ولكن رغبته الجارفة في السيطرة سيطرت على خطوات حياته، لذلك كان تأسيس تنظيمه السري وتدريب جماعته السرية على القتل ليس إلا لبلوغ السلطة، وياحبذا لو أصبح هو الخليفة المنتظر، ولربما يكون هو المهدي المنتظر، لم لا؟ فقد كان الشيح حسن صاحب قدرة خطابية رائعة، وكان يملك قدرا كبيرا من التأثير على أتباعه، خاصة أنه كان يختار أتباعه من الشباب الصغير الذين لا يكادون يفقهون شيئا، عقولهم بيضاء، وأفهامهم سطحية، وأي خطاب مشاعري من الممكن أن يؤثر فيهم ويخلب لبهم، ثم كان أن وضع لهم أسس العمل معه، وكان الأساس الأول هو الطاعة والثقة، أليس هو الإمام الرباني الملهم من قبل الله؟ أليس هو الزاهد العابد؟ ومن خلال صورته التي رسمها في مخيلتهم أقنعهم بأن طريقه هو طريق الحق، ولذلك طوَّع آيات القرآن لتتوافق مع أفكاره، وبمنطقه العذب وحلو حديثه أقنعهم أن طاعته هي السبيل الوحيد لدخولهم الجنة، وكان من وصاياه لأتباعه أن كل واحد منهم يجب أن يترك فهمه ورأيه ويعيش مع فهم الإمام، فالمسلمون في رأيه قد تركوا الإسلام وهو وجماعته فقط من يعرفون مراد الله وهم الذين على المحجة البيضاء..
كتب الشيخ حسن مجموعة من الرسائل، فكانت رسائله هي رسائل الإمام، وجماعته هي جماعة الأخوة، فكل فرد في الجماعة هو «أخ» ومن هنا أرسل الأخوة إلى البلاد والأمصار لينشروا دعوته، فقد كان كل همه كسب أنصار جدد، إلا أنه أدرك أن طريق الدعوة وحدها لن يساعده كثيرا، فالحق الذي يظنه لنفسه لن يحكم إلا إذا كانت هناك قوة تحميه، ثم قوة تصل به إلى الحكم، لذلك أنشأ نظاما خاصا كما قلت لكم، أخذ أفراد هذا النظام يتدربون بجدية على القتال حتى أصبحوا ماهرين فيه، وجعل مقرهم جميعا في مكان أُطلق عليه في زمن سابق «النسر المُعَلَّم» أي النسر الذي علمه الله، وبالفارسية «آلوهموت» فالأخ من أفراد النظام الخاص عنده يجب أن تكون له عينٌ كعين النسر، تستطيع أن ترقب فريستها من بعد كبير ثم تنقض عليها فلا تجعل لها فكاكا.
ثم تحركت كتيبة الاغتيالات هذه فقتلت عددا كبيرا من الأفراد والمسئولين والوزراء، وكان من قتلاهم رئيسا للوزراء، وقتلوا إماما لأحد المساجد خافوا أن يفشي سرهم، وسيق أحد القتلة ويدعى طاهر إلى السجن ثم إلى ساحة الإعدام حيث تم القصاص منه، ولا ننسى أنهم حاولوا اغتيال رأس الدولة أكثر من مرة ولكن الله كشف سرهم وأبطل محاولتهم، وقد استطاع الشيخ حسن بوسائل عديدة تغييب عقل أتباع جماعته، فاعتبروه إماما ملهما لا يقترب الخطأ منه أبدا، وعندما مات بكوا عليه وأسرفوا في البكاء، ولأن تنظيمهم كان قد أصبح دوليا، حيث جند الشيخ حسن وخلفاؤه لتنظيمهم العديد من الشباب في دول مختلفة، وقد عاش هؤلاء الأتباع مهوسون بالشيخ حسن، يروي من عاصره لهم عنه الروايات والقصص التي تجعله وكأنه النبي الأخير، فكانوا يقولون نحن نسير على نهج دعوة الشيخ حسن، وكأن لنبينا عليه الصلاة والسلام دعوة، ولحسنهم هذا دعوة؟!! ويحهم كيف كانوا يفكرون، لدرجة أنهم قالوا عنه إنه هو الإمام الرباني، والإمام الرباني هنا ليست من باب أنه قام بتربيتهم، ولكنهم يظنون أن الله ربنا يُجري الحق على لسانه!! وكانوا يقولون :»نحن جماعة، ولأن يد الله مع الجماعة فلا يمكن أن يكون قرار جماعتنا غير صحيح، لأن وجود الله معنا يصححه»!! وعندما كانوا يسمعون إسمه يتردد بين الأفواه كانوا يقولون :»رضي الله عنه» وبصفة عامة جعلوا من حسنهم هذا إماما ووليا ومرشدا، يسيرون على نهجه ويتبعون أفكاره، وكتبوا عنه ما لم يكتبوه عن نبينا محمد صلوات الله عليه، ثم رووا عنه الأساطير والخرفات التي تجعله شخصا خارقا، تأتي إليه الملائكة في المنام لترشده وتحدد مساره، وتحاكوا عن قوة ذاكرته التي لا تحاكيها ذاكرة، ومن بعد موته استمروا في سياسة الاغتيالات فتعقبهم الحكام ووقفوا ضدهم.
والغريب أن الشيخ حسن حينما مات توالى على قيادة جماعته من بعده سبع أمراء أو قل مرشدين، أو قل حكام، فقد أصبحوا قوة لا يستهان بها، قوة ليست في دولة واحدة ولكن في العديد من الدول، واحسب معي برواية عدد هؤلاء الحكام أو المرشدين الذين حكموا تلك الجماعة المارقة، وكل واحد منهم استمر فترة من الزمن إلى أن توفاه الله، ثم تعاقبت عليهم أنظمة حكم مختلفة، إلى أن جاء قائد عسكري ـ خذ بالك معي ـ قائد عسكري في عهد أميرهم الثامن ، الذي كان السابع من الخلفاء، فكان أن قضى عليهم، وفتت شملهم، وفرقهم في البلاد يتيهون فيها، حتى أنهم لم يجدوا لأنفسهم مأوى دائماً في أي بلد، فكان لابد أن يقضي قائدنا العسكري على هذا التنظيم الدولي، ذلك القائد الذي خلَّده التاريخ لم يقض على تنظيمهم في دولة المقر فقط ، ولكنه قضى أيضا على تنظيمهم الدولي، إذ لم تمر سنوات إلا وقد دخل هذا التنظيم في خلافات ومشاكل وصراعات حول من يحكمهم، ومن يدير أموالهم وهكذا حتى انهار هذا التنظيم الدولي.
ولكن فلننتظر، فالمقال لم ينته بعد ذلك أن الشخص الذي كنت أتحدث عنه في هذه السطور ليس هو حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان فقط، ولكنني كانت أتحدث معكم أيضا عن حسن آخر، هو حسن الصبَّاح، ومن عجب أن التاريخ جمع هذا وذاك في إناءٍ واحد، وكأن كل أصحاب التنظيمات السرية المتطرفة يتشابهون حد التطابق، أو كأنهم توائم في أزمنة مختلفة، أما حسن الصبَّاح فهو ذلك الذي تشاهدون مسلسله التلفزيوني حاليا، أقصد مسلسل «الحشاشين» الذي يقوم ببطولته نجمنا المتميز ـ الأعلى في جيله ـ كريم عبد العزيز، وقد قام صديقنا كريم بتشخيص حسن الصباح فكان كأنه هو! هل استقدمه من التاريخ وحوَّله من كلمات مكتوبة إلى حياة تُشاهد؟! هذا هو خبر الفن والفنانين الذي سأحدثكم عنه، ولكن قبل ذلك يجب أن أجمع لكم هذين الشتيتين وأفك طلاسم هذا التشابه أو قل هذه التوأمة.
أما عن حسن البنا فأظن أن كلنا يعرفه ويعرف جماعته وتاريخها، لقد حفظناهم عن ظهر قلب، وقد رأينا آثار جماعته في حياتنا وكيف أنهم حولوا الإسلام من دين رحمة ودعوة إلى دين سيف وقبر، القتل والاغتيال كان وسيلتهم، والفكر الباطني كان منهجهم، واستخدامهم للتقية كان عنوان جماعتهم، فكانوا يقولون الشيء ويفعلون عكسه، وحينما حاولوا أن يتوددوا لنا مرة أخرى من بعد أن قتلوا وسفكوا الدماء قلنا لهم: كيف نأمن لكم ونحن نرى أثر فؤوسكم، وقنابلكم، واغتيالاتكم، وأكاذيبكم.
ولكن حسن الصبَّاح جاءت لنا حكايته من زمن آخر ودنيا أخرى، فالصبَّاح هو الشيعي الشهير «حسن بن علي بن محمد الصباح» وهو إسماعيلي المذهب، وقد كان منتميا في صغره كأهله للطائفة الإثنى عشرية، ثم تقابل مع شيخين كبيرين فأقنعاه بأن يحط رحاله في المذهب الإسماعيلي، فتفقه فيه ، وعمل في بداياته مدرسا للخط العربي ثم أنشأ جماعته «جماعة الدعوة» التي عُرفت تاريخيا باسم «الحشاشين» ومنها أنشأ فرقة الاغتيالات التي قامت باغتيال الكثيرين كان منهم الوزير نظام الملك السلجوقي الذي كان بمثابة كبير للوزراء وبالمعنى الحديث «رئيس وزراء».
وعلى الناحية الأخرى من التاريخ ذهب حسن البنا إلى مدينة «الإسماعيلية» ليعمل مدرسا للخط العربي ومن الإسماعيلية بدأ في تأسيس جماعته، حيث اعتمد في اختياراته على بعض الشباب من أصحاب الحرف البسيطة من الذين لم يتلقوا حظا من التعليم ليستطيع التأثير فيهم، وتعرفون من خلال مسلسل الحشاشين أن حسن الصباح كان من المذهب الإثنى عشري ثم أصبح منتميا لطائفة الإسماعيلية ومن ثم قام بتأسيس جماعته.
وكان الشيخ رشيد رضا هو أستاذ حسن البنا، في حين كان عبد الملك بن عطاش هو أستاذ حسن الصباح، وكانت طريقة الانضمام لتنظيم حسن الصباح تقوم على بيعة الإمام الصبَّاح، وفي هذه البيعة يُحل الأخ دمه وحياته وماله للجماعة إن خانها أو أفشى أسرارها، وحسن البنا فعل الشيء نفسه فكان الانضمام لتنظيمه الخاص المسلح يقوم على بيعة أطلق عليها بيعة الدم، يُحل فيها الأخ دمه للجماعة إن خانها أو أفشى سرها.
جماعة الحشاشين أطلقت على مقر جماعتهم اسم «مقر الدعوة» والإخوان أطلقوا على مقرهم إسم «مقر الدعوة» وكان «الحشاشين» يطلقون على الصباح لقب «صاحب الدعوة، وكذلك فعل الإخوان!!.
وفي جماعة الإخوان اغتالوا أحد أفرادهم واسمه سيد فايز لأنهم خافوا أن يفشي سرهم، وفي جماعة الحشاشين لحسن الصباح اغتالوا أحد أفرادهم وكان إماما لمسجد لأنهم خافوا أن يفشي سرهم.
جماعة الحشاشين تناوب على قيادتهم سبعة من الأمراء بعد وفاة مرشدهم الأول حسن الصبَّاح إلى أن قضى عليهم واستأصل ما تبقى منهم قائدٌ عسكري كبير هو سلطان مصر والشام «الظاهر بيبرس» حيث كان آخر مرشديهم هو «ركن الدين خور شاه».
وجماعة الإخوان تناوب على قيادتهم سبعة من المرشدين بعد وفاة حسن البنا، هم، حسن الهضيبي ثم عمر التلمساني، ثم حامد أبو النصر، ثم مصطفى مشهور، ثم مأمون الهضيبي، ثم مهدي عاكف والسابع والأخير هو محمد بديع، وقد قضى عليهم واستأصل شأفتهم قائدٌ عسكري كبير هو الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس مصر وكان ذلك في زمن مرشدهم الأخير محمد بديع.
هل تريد أن نستمر في هذه المقاربة المذهلة؟ يحتاج الأمر إلى كتاب كبير، فأوجه التشابه لا حصر لها، لدرجة أن حسن الصباح أطلق على الفرقة السرية التي اختارها من جماعته ودربهم على القتل والتنكر واستخدام الأسلحة، أطلق عليهم لقب «المجاهدين» وحسن البنا أطلق على فرقته المسلحة التي تتولى عمليات القتل والاغتيال والتفجير لقب المجاهدين، فكتب لهم رسالة إسمها رسالة التعاليم قال فيها إنها رسالة إلى المجاهدين من جماعته!!.
هذه مقاربة غريبة جدا وهي من عجائب التاريخ، ولكنني لست الأول في هذه المقاربة، إذ أن صاحبها هو سيد قطب!! نعم ، سيد قطب بذات نفسه، ولا تتعجب من ذلك، فللرجال أحوال، وقد كان لسيد قطب حال ثم دخل إلى الإخوان فكان له حال آخر، وقبل أن يضع قدمه في قلعة معبد الإخوان كان يكره حسن البنا، وللعلم كانا زميلين في نفس السنة الدراسية، ونفس الفصل الدراسي في مدرسة المعلمين التي كانت تمهيدية لكلية دار العلوم، وهذا أمر يحتاج إلى مقال آخر يكشف لنا ما خبأه التاريخ، المهم أن «المستشار الدمرداش العقالي» عليه رحمة الله روى عن سيد قطب في مذكراته القصة الآتية: «كان سيد قطب خال زوجتى آمنة نصير، وهو من قرية موشى التابعة لأحد مراكز محافظة أسيوط، وكان أحمد محمد موسى ابن شقيقته وشقيق زوجتى من أتباع حسن البنا وأحد المنخرطين فى صفوف الإخوان المسلمين، وكان سيد قطب إذا جاء إلى قريته والتقى مع ابن شقيقته الإخوانى ومعه عدد كبير من رفاقه أتباع حسن البنا، كان يكثر من سباب حسن البنا أمامهم، وفى بعض المرات سمعته يسأل ابن اخته هذا: «ماذا فعل بك حسن الصباح وجماعة الحشاشين»؟!
واستطرد الراوي قائلا:»كان سيد قطب كثيراً ما يعقد مقارنات بين جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة »الحشاشين« الشهيرة الذين كان يتزعمهم »حسن الصباح« والذى كان سيد قطب يرى– فى ذلك الوقت من أواسط الأربعينيات– شبهاً كبيراً بينه وبين حسن البنا زعيم الإخوان المسلمين، فكان ابن اخته حين يسمع خاله سيد قطب يقول ذلك عن جماعته وزعيمها، يدخل فى شجار عنيف معه، لم يكن ينتهى إلا بتدخلنا لإنهائه» .
هذه المقاربة تلفت الأنظار لاشك في ذلك، ولكنها توقعنا في حيرة بسبب هذا التقارب الكبير، سيقول بعضنا إن التاريخ يكرر نفسه، ولكن البعض سيقول إن التاريخ لا يكرر نفسه ولكننا نكرره في أنفسنا.
وهذا التطابق التاريخي له قصة عرفناها بجلاء من خلال مسلسل الحشاشين، ولأن القصة طويلة، والمسلسل طويل لذلك سنستمر في الحكاية ولكن من خلال المسلسل لا من خلال التاريخ، ولنا مع المسلسل قصة، فما هي؟.
أراني أكتب هذا الجزء من المقال بشق الأنفس، حتى أنني أربط حروف الكلمات بعضها البعض بصعوبة بالغة، فالذي أكتب عنه هو مسلسل «الحشاشين» وقد أبدع المخرج في إخراجه، وأبدع المصورون في تصوير مشاهده، ورأيت ديكوراته مبهرة وكأننا انتقلنا فعلا عبر الزمن إلى القرن الحادي عشر ميلاديا حيث نرى الأحداث على الهواء مباشرة، في الحقيقة هو تحفة للناظرين والمشاهدين، والأحداث تتابع أمامنا في سياق من التشويق والإثارة، وقد ارتفع المخرج بعمله إلى مصاف الأعمال العالمية ذات الشأن والقيمة، ولذلك أطلب من المخرج وفريق العمل معه ألا ينزل عن هذا المستوى أبدا في أي عمل قادم، فهو في الحقيقة انتقل في هذا العمل إلى مصاف الكبار، ولكن الصعوبة عندي تكمن في الشخصية التي دار ويدور حولها المسلسل، فحسن الصباح من الشخصيات التاريخية التي اختلف المؤرخون حولها، فمن كتب عنه من فرقته ارتفع به إلى مصاف الملائكة أو الأنبياء المرسلين، ومن كتب عنه من المؤرخين الأجانب اعتمد على سيرته الشعبية التي تناقلها الناس، والسير الشعبية يجوز لنا أن نعتمد عليها حينما نكتب عن علي الزيبق مثلا أو سيف بن زي يزن، أو عنتر بن شداد، ولكننا لا يمكن أن ننقل من السير الشعبية عندما نكتب عن الملك فاروق، أو الخديوى إسماعيل، أو محمد علي أو الإمام الشافعي، إذ يجب أن نلتزم الدقة ونتجه إلى أقرب الروايات صحة أو قربا من الحقيقة، فقد كان يُروى عن الملك فاروق أنه كانت له قوة بدنية غير عادية تجعله يحمل طرف كوبري إنشاص بيديه حتى تمر سيارته بأمان إلى قصره عندما وقع هذا الطرف على ضفة ترعة الإسماعيلية!! ولكنها قصة خرافية إلا أنها كانت منتشرة آنذاك.
ويُحسب للمؤلف أنه نقل لنا في الحشاشين دموية الصبَّاح ودموية جماعته، وكيفية تلاعبه بالعقول، وفصاحته وجديته، ورغبته المحمومة في السلطة، وفي بعض الأحيان كانت تقفز إلى أذهاننا شخصية حسن البنا فنتعجب من التاريخ وأفاعيله، وحتى نضع الكلمة الأخيرة أقول إن العمل كله كان ناجحا جدا، وقد ساعد على نجاحه فريق الفنانين الذين قاموا بأدوار المسلسل وأبرعهم كان فتحي عبد الوهاب الذي يثبت في كل عمل تفوقه وفهمه لطبيعة الشخصية التي يؤديها، وكذلك تفوق الفنان نضال الشافعي في أداء شخصية الإمام الغزالي، ولكن كل هذا كوم وقدرات الفنان كريم عبد العزيز في تقمص شخصية الصباح كوم آخر، حتى أنني نسيت كريم عبد العزيز تماما وعشت مع حسن الصباح زعيم الحشاشين توأم حسن البنا التاريخي، هذا هو الصباح الذي كان مكتوبا في التاريخ، وهذه هي جماعة الإخوان، عفوا أقصد جماعة الحشاشين .