أكد د. ربيع الغفير أستاذ علوم اللغة بجامعة الأزهر أن العربية تواجه تحديات جسيمة نتيجة تأثير العولمة وطغيان اللغات الأجنبية..مطالبا فى حواره لـ«الجمهورية» بفرض قوانين تُلزم بتعلم اللغة العربية واستعمالها.. محذرا من الإفراط فى السوشيال ميديا معتبرا أنها وسيلة ضمور فكرى وتدمير للهوية المجتمعية.
> ما أبرز التحديات التى تواجه اللغة العربية فى العصرالحديث؟
أبرز تحديات اللغة العربية هو جهل كثير من أبنائها فضلها وقدرها، والذوبان الحضارى والنظرة الدونية إلى اللغة العربية باعتبارها ليست لغة رقي، إضافة إلى طغيان اللغات الأجنبية على العربية فى مجالات الدعاية، وطغيان العامية، وأرى أنه من ضمن هذه التحديات عدم وجود قوانين رادعة تفرض ضرورة تعلم اللغة العربية واستعمالها.
> هل ترى أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يسهم فى تطوير الدراسات اللغوية؟
الذكاء الاصطناعى سلاح ذو حدين يمكن أن يستخدم فى تطوير اللغة العلم ويمكن استخدامه فى غير ذلك، لكن لا شك يمكن الاستعانة به فى النهوض باللغة العربية والدراسات اللغوية وتوثيق النصوص واستحضار المعلومات الكافية للحديث عن موضوع من الموضوعات.
> كيف أثرت وسائل التواصل الاجتماعى على اللغة العربية خاصة بين الشباب؟
معظم وسائل التواصل الاجتماعى أدوات هدم وتخريب وليس رقى ونهوض لأنها من ناحية تدمر وقت الشباب وطاقاتهم وعقولهم، وهى لصوص للوقت والشباب والعمر والطاقات والإمكانات، غير أن لها دخلاً كبيراً فى إعاقة الملكات وضمور مواهب الشباب، ولا شك أن تلك الوسائل ضررها أكثر من نفعها، يكفى أنها وسيلة تدمير للفكر الإنسانى من خلال انتشرت مفاهيم السخرية والتنمر والدعوة للقطيعة الاجتماعية، إضافة إلى كونها سلاح لاضطراب المفاهيم الدينية حيث تمنح الفرصة لحدثاء الفقه وأنصاف المتعلمين ليحدثوا الناس بأنهم خبراء فى مجالات الحذر فيها من الضلال واجب، لأنها تتعلق بالهوية والعقيدة، وهذا ليس دعوة لهجرة «السوشيال ميديا» التى أصبحت واقعا مفروضا، لكنها مطالبة ومناشدة للقائمين على العمية التعليمية والتربوية بأن يعيدوا منهجية الفكر الشبابى فى التعامل مع «غول» غير مستأنس يطلقون عليه مسمي» السوشيال ميديا» رغم انه ليس له من اسمه نصيب، فهى وسائل تقاطع مع الآداب والفكر واللغة، ولا أبالغ بأنها أبرز وسائل تدمير اللغة العربية، ولا يخفى على متابع أن اللغة أصل الفكر والهوية الوطنية، وحينما تريد القضاء على نهضة شعب أو تبنى جسورا بينه وبين تاريخه وواقعه، فعليك أن تأتى إلى هويته اللغوية، لذلك فإن دول الغرب تحارب بصورة لا هوادة فيها للتمسك بلغتها دون تفريط فيها، بينما فى بلادنا ننسلخ من العربية درجة وصلت حدا مخيفا حيث أصبح البعض ينظرون لمن يتحدث الفصحى بأنه من العصور السابقة على التاريخ أو كأنه من سكان الغابات.
> هل ترى أن العاميات تهدد الفصحى أم أنها جزء طبيعى من تطور اللغة؟
نعم تهدد الفصحى وهى ليست جزءا من تطور اللغة العربية، والمتحدثون بأن العامية جزء من التطور اللغوى يغالطون أنفسهم، فلا يمكن أن نعتبر بعض الكتابات التى يحاولون إضفاء الصفة الشعرية عليها بأنها تدخل ضمن إثراء اللغة، ولولا أن اللغة العربية لغة القرآن الكريم والسنة النبوية والتراث العربى العتيق لما بقيت، ولأصابها ما أصاب غيرها من اللهجات الحية التى اندثرت مثل اللغة الإنجليزية فاللغة التى كتب بها شكسبير روائعه لايمكن أن يفهمها واحد من الذين يتكلمون بالإنجليزية الحديثة اليوم، وأيضا انجليزية أمريكا غير إنجلترا ، لكن لأن اللغة العربية لغة القرآن والسنة حفظها الله تعالى وكُتب بها تراث عتيق عريق أضاء أنحاء أوروبا إلى منتصف القرن التاسع عشر.
> وما أثر انتشار العامية على اللغة العربية والتراث الحضارى للأمة؟
لا شك أن اللغة العامية أو التحدث بها له ضرر بالغ على اللغة العربية وذلك لأنها تختلف من مكان إلى مكان، فالعامية فى مصر غير السعودية، غير المغرب، غير أى بلد عربي، حتى داخل البلد الواحد تختلف العامية من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه،فالعامية ضياع وهدم للغة العربية، وفى القرن الماضى ظهرت دعوات هدامة لنشر العامية مغلفة بغلاف التيسير على الناس، لكنها دعوة فى باطنها ضياع اللغة العربية، لأن القرآن لم ينزل بالعامية، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يتحدث بها، وتراث الأمة الحضارى لم يكتب بالعامية، فكانت هذه الدعوة هدفها الحقيقى «بتر» الصلة بيننا وبين تراثنا وهذا ماحدث للأسف الشديد وبنسبة كبيرة.
> كيف تسهم المؤسسات الدينية فى إعداد جيل جديد من العلماء القادرين على مواكبة التحديات الفكرية؟
على المؤسسات الدينية عبء كبير فى ظل التحديات المتسارعة، ويكون الإعداد بدراسة المناهج الحديثة والأفكار المعاصرة والمذاهب المتجددة ودرس هذه الأفكار والمذاهب والرؤى فى ضوء تراثنا الإسلامى العظيم والأزهر الشريف فى الحقيقة يقوم بذلك خير قيام، ولديه وحدات كاملة متخصصة لدراسة الأفكار الحديثة والمذاهب المعاصرة ومواجهة الخطأ فيها وهذا يخضع لإشراف مباشر من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر.
> كيف يمكن جذب الشباب لفهم الدين بعيدًا عن التشدد أو التفريط؟
بإعداد برامج مكثفة فى كل الهيئات المعنية بصناعة الوعى والفكر كالمؤسسات الدينية ووزارة الثقافة والتربية والتعليم والتعليم العالى والشباب والرياضة، وعلى كل الجهات والقطاعات المعنية بصناعة الفكر والوعى أن تتضافر جهودها وتتعاون فالفكرة لاتقاوم إلا بالفكرة، ولا يواجه الفكر الخطأ إلا بالفكر الصحيح، ونشر الوسطية والاعتدال هو الذى يأخذ بأيدى الشباب إلى الطريق الصحيح لأن الشطط مكروه سواء كان بالإفراط أو التفريط والشباب يجب أن تُعد لهم برامج ويُؤخذ بأيديهم إلى وسطية واعتدال المنهج.
> متى يمكن مواكبة الحداثة دون تفريط فى القيم الأساسية؟
ليس كل محدث خطأ وليس كل جديد مرفوضاً، ولكن يجب أن يكون هناك الأخذ من هذه التيارات الحداثية بحذر، فما كان منها صوابا قُبل وماكان خطأ رُفض، وتم توضيح وشرح وكشف أسباب الرفض للناس حتى لاينبهر شبابنا ببريق الحداثة لابد من عرض هذه الحداثيات على أفكارنا الإسلامية وثوابتنا وأسسنا والاستفادة من الجديد فيها
> هل تطوير مناهج الأزهر حقق الثمار المطلوبة؟
بنسبة كبيرة حقق الأهداف المطلوبة فالهدف الرئيسى لتطوير مناهج الأزهر هو تيسير التراث الإسلامى العتيق العريق الذى تربى على مناهجه أجيال طويلة، لكن كل زمن له ظروفه وله فِكْرُه وله معطياته وله أدواته، فمناهج الأزهر هدفها تيسير هذا المحتوى العظيم، وقد آتت هذه المناهج التجديدية أو التخفيفية أو التيسيرية أُكلها إلى حد كبير.
> بم تصفون دعم الأزهر للقضية الفلسطينية؟
هذا المنتظر من الأزهر باعتباره أعلى مؤسسة دينية فى العالم العربى والإسلامى والدور المنوط به والحقيقة أن البيانات التى أرسلها الأزهر متتابعة كانت قوية وحاسمة وحازمة وتعكس رأياً ليس المؤسسة الازهرية فقط بل تعكس رأى الإرادة المصرية شعبا وحكومة، فالأزهر ابن مصر ولسان مصر الناطق بما تريد، وقلب مصر النابض وقوتها الناعمة، فالأزهر دوره مُشَرِّف وسيظل يذكر التاريخ الموقف البطولى لإمام الأزهر الدكتور أحمد الطيب فى نصرة المستضعفين فى كل مكان وما قام به لدعم أبناء غزة فى ظل آلة صهيونية لا تعرف الرحمة ولا تقبل الهدنة.
> وكيف ترون موقف مصر الداعم للقضية الفلسطينية؟
موقف مصر ليس غريبا عليها وليس جديدا فمصر على طول التاريخ وعرضه قلب العروبة النابض وهى قبضته القوية وهى الأم الرءوم التى تحمل فى جوانحها آلامه وآماله وطموحاته وتطلعاته ومشاكله وقضاياه، فمصر هى درة الشرق وموقف القيادة المصرية الحكيمة فى هذا الوقت تجاه هذه القضية وصمودها رغم الضغوط الخارجية سيظل يُذكر فى سجل البطولة والكرامة والعزة والمسئولية الى يوم القيامة.
> كيف يساعد رمضان الصائم على التقرب من الله؟
رمضان فرصة عظيمة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى لأنه بداية جديدة مع الله فالصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر فهو شهر عظيم مبارك يجب على المسلم أن يستغلهفى بداية جديدة مع الله سبحانه وتعالى لنيل مغفرته ورضوانه فرمضان دورة تدريبية مكثفة يتدرب فيها المسلم على كل صنوف وألوان الفضائل الإسلامية والإنسانية ليحصل فى النهاية على شهادة عنوانها المغفرة والعتق من النار.
> ما رأيك فى المبادرات الخيرية والتكافل الاجتماعى فى رمضان؟
مبادرات طيبة تعكس الجوهر النقى والخير الكامن فى نفوس الشعب المصرى بجميع أطيافه وطبقاته ومستوياته فليس مِنّا من يبيت شبعان وجاره جائع وهو يعلم، ومن لايهتم بأمر المسلمين فليس منهم.