هناك حرب جديدة، تشتعل بين الدول الكبري، هى حروب المعادن النادرة التى تشكل أساساً قوياً وكبيراً لتحقيق التقدم والتفوق الاقتصادى والتكنولوجي، وامتلاك القوة والقدرة خاصة أن هذه المعادن تدخل فى صناعة الأسلحة المتقدمة والفتاكة مثل المقاتلات الشبحية والرادارات والصواريخ، وفى مجال الصناعات المدنية والتكنولوجية مثل أجهزة الاتصالات الحديثة، وفى معدات إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة، لذلك فان أهميتها تشعل صراعاً محموماً بين الدول الكبرى مثل الصين، والولايات المتحدة، وروسيا، ولعل ما يقوم به الرئيس الأمريكى فى محاولات للسيطرة على بعض المناطق، هو من أجل الاستحواذ على هذه المعادن النادرة التى تمثل أهمية قصوى للحفاظ على التفوق والأمن القومى الأمريكى فى ظل امتلاك الصين لحوالى 75 ٪ أو أكثر ربما تصل إلى 90 ٪ من هذه المعادن النادرة.
ومصطلح المعادن النادرة، يستخدم لغوياً على مستوى الأشخاص والعلاقات الإنسانية، فهناك أشخاص معادنهم نفيسة يتمتعون بالوفاء والأصل والشهامة والرجولة، ويحفظون للناس أقدارهم وجميلهم، ولا يعضون اليد التى تمد إليهم بالخير.. لذلك هناك قول مأثور يقول.. شكراً للمحن والشدائد، تكشف معادن الناس، فهناك قليل الأصل، وهذا يطلقون عليه صاحب المعدن الرديء، أو «الفالصو» وهو الشخص الذى يتنكر ويجحد كل معروف وكل يد قدمت له الخير والمساعدة والدعم، وشغله الشاغل الانتهازية ويفتقد لأدنى مقومات الوفاء، وهناك مسئولون كثر تركوا مناصبهم، فأدركوا معادن الناس، توقف النفاق والتملق، بل وسكت التليفون عن الرنين، فهؤلاء من أصحاب المعادن «الفالصو» أو الرديئة ذات القيمة المتواضعة، يبحثون فقط عن مصالحهم، ويجدونها فى النفاق، وعلى الجانب الآخر هناك الصديق الوفي، والإنسان الأصيل الذى يطلقون عليه صاحب المعدن النفيس، والأصل الطيب أو بالبلدى «متربي» لا يمكن أن يدير إليك ظهره.. علاقته بالناس لا تعرف المصلحة أو المنفعة أو الانتهازية.. يصدقك دائماً القول، يتوهج أكثر فى المحن والشدائد، وعندما تنتهى علاقة العمل يكون دائم السؤال والاتصال والود، وهؤلاء فى هذا الزمن قلة، لكن هناك مبدأ عام أصبح سائداً هو عدم المبالاة أو التوقف أمام هذه السلوكيات الرخيصة أو أصحاب المعادن «الفالصو»، فهؤلاء يسيئون إلى أنفسهم ويكشفون حقيقة أصلهم وتربيتهم، وطالما أنك فعلت الصواب من أجل العمل، لا تتوقف ولا تندم على معروف حتى ولو لم يكن صادف أهله، ولا تتوقف عند سلوكيات وتدنى مثل هذه الشخصيات، لأنهم سوف يبحثون عن فريسة أخرى يجدون ويمارسون معها نفس السلوكيات الرخيصة.
حرب المعادن النادرة، تشهد صراعاً ومنافسة شرسة بين القوى الكبري.. فالولايات المتحدة بعد وصول ترامب استشعرت الخطر، خاصة أن الصين تسيطر على سوق المعادن النادرة، وكانت أمريكا تعتمد على استيرادها من بكين إلا أن الصين فرضت حظراً فى ديسمبر الماضى على تصدير المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة، وهو خطر داهم على واشنطن خاصة فى ظل الحرب التجارية بين البلدين، وهناك تحليلات تشير إلى أن الحرب الروسية – الأوكرانية من أحد وأهم أسبابها المعادن النادرة، وباتت روسيا بعد أكثر من 3 سنوات من اندلاع الحرب تسيطر على 20٪ من المعادن الأوكرانية حسب تصريحات الرئيس الأوكرانى فلودومير زيلنسكى بالمناطق التى سيطرت عليها روسيا.
الرئيس ترامب منذ دخوله البيت الأبيض فى نهاية يناير الماضي، ويخوض حرباً شرسة من أجل تأمين احتياجات أمريكا من المعادن النادرة مثل التيتانيوم والليثيوم والجرفيت وسليكات النيكل، لذلك ربما يعتقد البعض أن تصريحاته بشراء جزيرة جرين لاند الدنماركية أو تهديد أوكرانيا نوع من أنواع العبث، فأوكرانيا لديها 22 معدناً نادراً من بين 34 معدناً نادراً فى قائمة الاتحاد الأوروبي.. لذلك لا تأتى جهود واشنطن فى إنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية حباً فى موسكو أو كييف أو على نشر السلام بل تلك هى المصالح والصراعات والحروب الاقتصادية والتجارية.. لذلك ضغط ترامب على زيلنسكى لاقتسام المعادن النادرة فى أوكرانيا بين واشنطن وكييف ولعب بورقة الدعم الأمريكى الذى قدمته إدارة الرئيس السابق چو بايدن بـ 350 مليار دولار، وترامب يريد استرداد هذا المبلغ من أوكرانيا أو الحصول على نسبة الـ 50٪ من المعادن الأوكرانية.. كما يسعى ترامب إلى إجراء محادثات مع الكونغو الديمقراطية والتى تمتلك احتياطات هائلة من اليورانيوم والكوبالتا والنحاس، وتقدمت إدارة ترامب بمقترح يقضى بالحصول على حق التنقيب للولايات المتحدة مقابل دعم حكومة الرئيس فيلكس تشيسكيدى حسب ما نقلت وكالات الأنباء فى استغلال واضح للتوترات التى تحدث فى الكونغو، ويكون الدعم مقابل المعادن النادرة وإنهاء الحرب.
نعيش فى عالم تحكمه لغة المصالح والمنافع، وتسوده الحروب الاقتصادية بحثاً عن المغانم والمكاسب، أو فى العلاقات القوية بين الدول والسلام تحكمه المصالح وتبادل المنافع بين الأقوياء، لذلك ربما لا تفهم أحياناً أسباب التوترات والتصعيد، لكن بالتفتيش عن هذه الأسباب تكتشف أنها المصالح والمكاسب والحروب الاقتصادية والتجارية.. لذلك اتجه ترامب إلى أوكرانيا، وجرين لاند، والساحل الأفريقى بحثاً عن غنيمته وأهدافه فى ضمان تدفقات من المعادن النادرة التى تدخل فى الصناعات التكنولوجية والعسكرية والصناعية الكبري، وربما يريد من خلال جهوده لإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية إلى تحييد موسكو عن الصين، رغم طمأنة الروس للصين إلا أن المصالح الروسية، قد تأتى على حساب العلاقات مع الصين أو تنال جزءا منها، فالهدف الرئيسى للأمريكان هو إيقاف سرعة صعود التنين الصيني.. حتى فى الشرق الأوسط، تسعى واشنطن إلى احتواء التمدد الاقتصادى للصين، من هنا فإن حرب المعادن النادرة هى قضية قد تشعل حروباً شرسة أو أزمات عنيفة، أو تؤدى إلى السلام فى إطار اقتسام وتوزيع المصالح والمغانم وتأمين النمو والتقدم والهيمنة.