شهد العام الحادى والعشرون من حكم رمسيس الثانى حدثاً تاريخياً فى تاريخ الشرق والعالم كله على المستوى السياسى والقانونى.. ففى ذلك العام أحاطت بالحيثيين هزات داخلية وخارجية عنيفة، ومات حاكمهم «موتاللى» عدو رمسيس الثانى اللدود وتنازع ولى عهده مع عمه من أجل العرش.
وفى النهاية تغلب العم «خاتوسيل» على ابن أخيه واستلم الحكم فى نفس الوقت كانت دولة «آشور» قد بدأت عصر القوة مهددة ملك الحيثيين وساعية إلى نيل نصيب من عالم الشرق وسياسته.. وبدت المنطقة فى حاجة إلى الإمساك بتوازن القوى فيها.
فى هذا الوقت بادر ملك الحيثيين «خاتوسيل» بإرسال بعض من الأمراء ورجال البلاط وضباط الجيش ليكونوا رسله فى التفاوض مع الجانب المصرى حول شروط الصلح وتدوينها فى معاهدة رسمية أرسلت إلى رمسيس الثانى على لوح من الفضة مكتوب باللغة «المسمارية» فقبله رمسيس الثانى وعدله تعديلاً طفيفاً وكتبه على لوح آخر من الفضة باللغة المصرية القديمة.. وبعد اتصالات أخرى وقع الملكان على المعاهدة فى عام 1270 قبل الميلاد.. وتذكر النصوص أن الملكة «نفرتارى» زوجة رمسيس الثانى والملكة «تودوجنبا» زوجة «خاتوسيل» قد وقعتا المعاهدة أيضاً.. وقد دونت هذه المعاهدة فى لوحات فضية وبرديات، كما نقشت نصوصها على جدران المعابد، كما دونت نسخ منها لتكون لغة أجنبية.. وقد تم العثور على هذه النسخ البابلية فى أطلال مدينة «بوغازكوى» التى كانت عاصمة الحيثيين فى ذلك العهد.
يقول «وليم ماك كويتى» فى كتابه «رمسيس الأكبر سيد العالم» والذى عرضه الراحل مختار السويفى «إن الإنسان ليقف مذهولاً أمام الدقة المتناهية التى صيغت بها بنود المعاهدة واللغة الدبلوماسية الرفيعة التى عبرت عن الشروط، والتنظيم المحكم من ناحية الشكل والمضمون.. هناك مقدمة وديباجة لافتتاح نص المعاهدة مع الإشارة إلى معاهدات سابقة أبرمت بين الدولتين فى سنوات سابقة لحكم «رمسيس الأكبر» وحكم «خاتوسيل»، كما ذكرت البيانات الخاصة بالطرفين (فرعون مصر وملك الحيثيين) من حيث المكانة والنسب والألقاب.. ثم تأتى بعد ذلك بنود المعاهدة تحت أرقام مسلسلة. وهذا الشكل الذى أفرغت فيه هذه المعاهدة الدولية المبرمة منذ حوالى 3200 سنة، لا يختلف كثيراً عن شكل المعاهدات الدولية فى عالم اليوم».
وتتضمن المعاهدة بنوداً وشروطاً لإقرار السلام بين الدولتين، وإقرار مبدأ الدفاع المشترك بين كل من الدولتين فى حالة وقوع اعتداء على أى منهما – وعلى حسب رغبة فرعون مصر فى هذا الشأن – كما تضمنت المعاهدة أيضاً بنوداً خاصة بالإجراءات الواجب اتخاذها ضد الرعايا الثائرين دعاة الفتن والقلاقل، وقواعد تسليم المذنبين والمجرمين، وقواعد العفو عن بعض المذنبين الهاربين.. إلخ..
وللحديث بقية