فى عالم يتسم بالتغير السريع والتطور المستمر، تظل بعض الأشياء جامدة فى مكانها، وكأن الزمن توقف عندها. ومن بين هذه الأشكال الجامدة نجد برامج «المقالب»، التى أصبحت عنصرًا أساسيًا فى مختلف المحطات التلفزيونية وعلى الرغم من مرور سنوات طويلة على ظهور هذا النوع من البرامج، إلا أن الفكرة الأساسية لم تتغير، بل ظلت تدور فى نفس الحلقة المفرغة: استضافة شخصية ما، واستفزازها أو إرباكها، فى محاولة لإضحاك الجمهور. ولكن السؤال الذى يطرح نفسه هنا: هل الضحك بأسلوب الفزع هو الطريق الوحيد لإسعاد الناس؟ وهل يعقل أن نستمر لعقود فى تقديم نفس النمط دون أى تطور أو تجديد؟ هل يمكن اعتبار الخوف والرعب مصدرًا للضحك؟ منذ متى أصبح ترويع الآخرين هدفًا لإسعاد الناس؟ من المؤسف أن تعتمد صياغة هذه البرامج على إثارة الرعب، ومن المؤسف أن يقتنع أبناؤنا أن ترهيب الآخرين مبرر إذا كان الهدف منهما المرح والضحك. فلا حياء فى ذلك إذا كان الأمر لا يتعدى أن يكون «مقلبًا»، كما يشاهدون فى محطات التلفزيون.. أحد الجوانب المثيرة للجدل فى برامج المقالب هو ان الضيف يعلم بالفخ الذى نُصب له، وأن سيناريو الحلقة معد مسبقًا والمقلب الحقيقى معد للمشاهد الذى يجب إقناعه بأن هذه الحوارات تلقائية، فيقع فريسة الخداع والوهم. هذا النهج قد يكون مؤذيًا، خاصة إذا تم تجاوز الحدود الأخلاقية. كما هذا النوع من البرامج، «المقالب»فقد بريقه مع غياب الإبداع والابتكار. فبعد سنوات طويلة من تقديم نفس الفكرة، أصبح الجمهور يتوقع ما سيحدث، مما يفقد البرنامج عنصر التشويق.
برامج المقالب، رغم شعبيتها، تعكس حالة من الجمود الفكرى وغياب الإبداع فى صناعة الترفيه. فكرة الاستمرار فى تقديم نفس النمط لعقود دون أى تطور تدل على قلة الحيلة وعدم الرغبة فى المخاطرة بتقديم شىء جديد. الضحك على حساب الآخرين ليس دائما الطريق الصحيح لإسعاد الجمهور. حان الوقت لأن تخطو برامج الترفيه خطوة إلى الأمام، وتقدم محتوى مبتكرًا يحترم ذكاء الجمهور. فالإبداع الحقيقى لا يعتمد على تكرار النمط القديم، بل على تقديم الجديد الذى يلامس قلوب الناس ويجلب لهم السعادة دون الحاجة إلى إرباك أو إحراج أو فزع أو ترهيب.
فى النهاية، التلفزيون كوسيلة إعلامية قوية عليه أن يتحمل مسئولية تقديم محتوى هادف ومبتكر. فهل سنشهد يوميا تحولاً حقيقيًا فى برامج الترفيه، أم أننا سنظل عالقين فى حلقة مفرغة من البرامج التى تفتقر إلى الإبداع وتستمد ضحكها من إحراج الآخرين؟ التلفزيون قادر على تقديم محتوى مبتكر ومختلف، ولكن برامج المقالب تظل عالقة فى الماضى، تكرر نفسها دون أى محاولة حقيقية لتجديد الفكرة أو تقديم شىء مختلف، أين هو الإبداع فى صناعة الترفيه؟ وأين هى المحاولات الجادة لتقديم محتوى يسعد الناس دون الحاجة إلى استفزازهم أو إحراجهم؟ لقد ملَّ الجمهور والمشاهد من هذه البرامج التى تأخذ حيزًا كبيرًا من الوقت، يُغلب فيه الإعلانات دون تقديم محتوى يسعد الناس ويغذى العقول.