على الرغم من أن الجيش المصرى يعد أعرق جيش فى العالم، باعتباره أول جيش نظامى عرفه التاريخ، ورغم ما سطره من مفاخر وأمجاد فى ساحات القتال على مر العصور، فإن الفرصة لم تتح له فى العصر الحديث، لإثبات مدى عظمته وشجاعته وإظهار روعة أدائه وبسالته، إلا حين تحقق ذلك لأول مرة فى حرب العاشر من رمضان (السادس من أكتوبر 1973).
السطور التالية تسرد نبذة عن بطل، شارك فى صنع انتصار حرب العاشر من رمضان، هو المقدم مهندس باقى زكى يوسف ياقوت (مواليد 1931 وتوفى فى 2018)، صاحب فكرة استخدام طلمبات المياه، التى أبهرت العالم ونجحت فى تسهيل فتح الثغرات فى الساتر الترابى لخط بارليف، الذى قال عنه اليهود إنه لا يمكن تجاوزه إلا باستخدام قنبلة نووية.
كانت الفكرة هى استخدام مضخات ماصة كبسة، تسحب مياه قناة السويس وتقوم بدفع المياه بقوة، لاختراق وتجريف الساتر الترابى لخط بارليف، بدلا من الأفكار التى كانت تتجه نحو الديناميت والنابلم والمدافع والصواريخ، لتفجير الساتر الهائل.
المقدم باقى زكى استفاد من خبرته التى اكتسبها بعد انتدابه للعمل فى السد العالى فى أواخر الستينيات، كرئيس لفرع المركبات فى الفرقة 19 مشاة الميكانيكية، كانوا يستخدمون الماء المضغوط من أجل تجريف جبال الرمال فى أسوان، ثم سحبها فى أنابيب، ومن ثم إعادة استخدام المياه المخلوطة بالطمى فى بناء جسم السد العالي.
استلهم هذه الفكرةَ واستخدمها لتدمير خط بارليف، الذى شيّدته إسرائيلُ على الساحل الشرقى لقناة السويس، لمنع القوات المصرية من العبور. كانت فكرته سببًا فى تحطيم الحاجز العنيد، وفتح الثغرات لتعبر قواتنا من المشاة والمدرعات لتستولى على الحصون الإسرائيلية، ما صنع الخطوةَ الأولى فى انتصارنا التاريخى على الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر. جبالٌ ضخمةٌ من الرمال والأتربة المتكلّسة الصلدة، تمتد بطول قناة السويس فى نحو 160 كيلو مترا من بورسعيد شمالاً، وحتى السويس جنوبا. للوصول إلى الضفة الشرقية للقناة، كانت هى العقبةَ الأكبر التى واجهت القوات المسلحة المصرية فى عملية العبور إلى سيناء، خاصةً أن خط بارليف قد أنشئ بزاوية قدرها 80 درجة لكى يستحيل معها عبورُ المدرعات وناقلات الجنود،
وفى ساعة الصفر يوم العاشر من رمضان، شرع ابطال سلاح المهندسين فى فتح 60 ثغرة فى الساتر الترابي، فى زمن قياسى ما سمح بدخول المدرعات المحمّلة بالجنود والدبابات، ما صنع مفاجأةً أذهلت العدو الغاصب. وبعد نصرنا التاريخى منح الرئيسُ السادات المقدم باقى زكي، نوطَ الجمهورية من الدرجة الأولى عام 1974 .
كاتب هذه السطور كان من ضمن أصغر دفعة تخرجت من الكلية الفنية العسكرية، وشاركت فى حرب العاشر من رمضان، وأبلى بلاء حسنا فى هذه الحرب.