أخذ الأزهر الشريف على عاتقه منذ نشأته قبل ألف عام نشر نور الله فى الكون، بتدريس علوم الدين والدنيا: علوم الشريعة واللغة، وكذلك العلوم المدنية، الأمر الذى ييسر للإنسان سبيله، ويسير له حياته، ويجعله مدركا لعظمة الله فى قوله، ولعظمة الله فى كونه.
فالأزهر الشريف بعلمائه، وعلى مدى تاريخه، عُنِى بكتاب الله تعالي، تلاوة وتحفيظا، تعلما وتعليما، شرحا وتوضيحا، دراسة وتفسيرا، تعمقا وتبليغا، رجاء أن ينال الخيرية، التى بَشّر بها سيدُ البشرية، محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
أقول ذلك بمناسبة اختيار الأزهر للطالب كفيف البصر مستنير البصيرة محمد أحمد حسن ليؤم المصلين بالقراءات فى صلاة التراويح بالجامع الأزهر خلال شهر رمضان المبارك وهو اختيار صادف أهله فالطالب «حسن» والصوت «أحسن» مما جعله محل اهتمام الملايين داخل مصر وخارجها خلال الفترة الأخيرة.
والطالب محمد أحمد حسن قصته ملهمة، من تحدى الإعاقة إلى إمامة المصلين بالقراءات فى الجامع الأزهر فى رمضان، بخشوع يلامس القلوب وإتقان يعكس سنوات من الجهد والعمل الدءوب، تقدَّم «محمد»، الطالب بمعهد «أبوقير الثانوى الأزهري» بالإسكندرية، إمامًا للمصلين فى صلاة التراويح بالجامع الأزهر، قارئا برواية قنبل عن ابن كثير المكي، فى تاسع ليالى شهر رمضان المبارك، وخلفه آلاف المصلين من مختلف ربوع مصر، وحضور بارز للطلاب الوافدين من مختلف قارات العالم، وضيوف مصر الزائرين والمقيمين.
«محمد»، أحد أصحاب البصيرة الذين تجاوزوا العوائق وبرعوا فى حفظ القرآن الكريم، حيث يتلقى تعليمه فى معاهد الأزهر الشريف بالإسكندرية، ويتلقى تدريبه فى إدارة شئون القرآن بالأزهر، التى تعتنى بإعداد وتحفيز حفظة القرآن الكريم وفقًا للقراءات المتواترة.. وقد تميز منذ صغره بحفظه المتقن وأدائه المميز، مما أهّله للمشاركة فى العديد من المسابقات القرآنية.
ففى عام 2023، تُوجت جهوده بالفوز بالمركز الأول فى مسابقة شيخ الأزهر لحفظ القرآن الكريم، وهى إحدى أهم وأقدم المسابقات التى ينظمها الأزهر الشريف سنويًا للتنافس بين طلاب الأزهر المتميزين من حفظة كتاب الله، فكانت تلك اللحظة بمثابة شهادة على مثابرته، وتأكيدًا على اجتهاده وتميزه فى الحفظ والتلاوة، رغم التحديات، ليصبح نموذجًا للإرادة والاجتهاد فى طلب العلم.
ولم يكن فوز محمد أحمد حسن بالمركز الأول فى مسابقة شيخ الأزهر لحفظ القرآن الكريم لعام 2023 سوى بداية لمسيرة حافلة بالإنجازات، إذ واصل تألقه فى العام التالى ليحقق إنجازًا جديدًا بحصوله على المركز الأول فى فئة أصحاب الهمم بمسابقة «تحدى القراءة العربي» لعام 2024، متفوقًا على أكثر من 39 ألف مشارك من مختلف الدول العربية، بما يعكس إصراره على التفوق، ليس فقط فى حفظ القرآن الكريم وإتقانه، بل أيضًا فى ميدان المعرفة والقراءة، ليصبح نموذجًا مشرفًا للإرادة والعزيمة.
ويعد اختياره فى عام 2025 لإمامة صلاة التراويح فى الجامع الأزهر استمرارا لهذه المسيرة، وخطوة بارزة فيها، إذ يمثل تكريمًا لحفظة القرآن الكريم ودور الأزهر فى إبراز المتميزين منهم ودعمهم وتمكينهم. وقد لقيت تلاوته فى صلاة التراويح تفاعلاً واسعًا من المصلين، الذين تأثروا بأدائه المتقن وخشوعه فى القراءة، ما أضفى أجواء روحانية على الصلاة.
محمد أبدى سعادته البالغة بهذه التجربة عقب الصلاة قائلا: الآن تحقق الحلم، الآن حُق لى الفخر بهذا الشرف الذى يدانيه شرف وتكريم، فهو شرف حفظ أجل كتاب وتلاوته، وشرف الصلاة إمامًا فى الجامع الأزهر، أعرق مؤسسة علمية فى التاريخ، قلعة العلم ومشغل الهدى ونبراس الدعوة الإسلامية حول العالم، لذا اشكر من كل قلبى فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، حفظه الله، وكل من كان سببًا فى هذا التكريم.
ونحن بدورنا نؤكد أن «محمد» وأمثاله من النماذج الملهمة يجب أن يكونوا محل الاهتمام ومحط الأنظار باعتبارهم قدوة ومثالا يحتذى لاسيما من قبل الشباب والنشء الصغار.
