أكد د. محمد الياقوتى وزير الأوقاف السودانى السابق أن العلاقات المصرية السودانية لها طبيعة خاصة، حيث تمتاز بالتقارب والترابط درجة عدم القدرة على التمييز بين شعوب البلدين، مشيدا فى حواره للجمهورية بالموقف المصرى تجاه الأزمة السودانية الأخيرة فى احتواء أبناء السودان داخل أم الدنيا بما جعلهم لا يشعرون بالغربة.. معلنا أن الرئيس السيسى حريص على إنهاء الأزمة السودانية.. مشيدا بالكرم المصرى فى احتواء أبناء السودان وكافة أبناء الدول الأخرى الذين يأتونها طمعا فى الأمن والاستقرار.. مشيرا إلى أن مصر هى حامية القضية الفلسطينية منذ بدايتها وحتى وقتنا الحاضر.
ما تقييمكم للعلاقات المصرية السودانية والموقف المصرى تجاه أبناء السودان؟
العلاقات المصرية السودانية لها طبيعة خاصة حيث تمتاز بالتقارب والترابط درجة عدم القدرة على التمييز بين شعوب البلدين، وإذا سألت أحد أبناء السودان عن أحب البلاد إليه فسيجيبك دون تردد بأنها مصر، فالعلاقة ليست قاصرة على الجوار الحدودى والمصالح المشتركة، بل الأمر أعمق من ذلك حيث يترابط الشعبان وجدانيا بصورة لا تستطيع التفرقة بين المصرى والسوداني، وهذه العلاقات مشفوعة بالإخاء والمصاهرة وتداخل الثقافات والطبائع والعادات، ولا ينكر سودانى دور الأزهر الشريف فى تكوين المزاج الفكرى والثقافى والمعرفى السوداني، حينما كان السودانيون يأتون إلى الأزهر للإفادة من علمه، إضافة إلى القوافل العلمية التى ترسلها مصر لتعليم أبناء السودان، وإذا أردت سرد القواسم المشتركة، فالأمر واسع جدا، فلن أكون مبالغا بأن علاقات البلدين أمر حتمى وليس اختيارياً، درجة أن التيارات السياسية السودانية معظمها متأثر بالفكر السياسى المصري، فالثقافة السودانية نبعت من مصر وجرت مياهها وأثمرت أشجارها ببذور الفكر المصري، حتى شعراء السودان تأثروا بمنهجية الشعر المصري، فكانت المدارس الأدبية بمصر تدور معاركها بالسودان بين تلامذة: العقاد، وطه حسين، والرافعي، والبارودي، وعلى المستوى الشعبى فالعلاقات المصرية السودانية ممتدة فى الأزمات.
ما تقديركم للموقف المصرى الشعبى والرسمى فى أزمة السودان الأخيرة؟
خلال أزمة السودان الأخيرة التى بدأت منذ عام تقريبا أثبت الموقف المصرى تجاه أبناء السودان أنه شريف كريم ومدهش على المستويين الرسمى والشعبي، ولأن هذا الموقف جاء من مصر فإن دهشتى تزول، فهذا أمر طبيعى تقوم به مصر أم الدنيا، وللعلم فإن وصف مصر بأنها « أم الدنيا» لم يكن من فراغ، ولأن الكلمة عندى أمانة فأنا عاشق لمصر، وكنت أحضر إلى مصر كثيرا بدافع الحب ونظرة الإنسان، فمصر لم تغلق حدودها أبداً تجاه السودانيين قبل أزمتهم وبعد وقوعها، بل إن الوقائع شاهدة على مدى المحبة المصرية حينما فتحت مصر حدودها لدخول السودانيين فرارا من الصراع الدائر رغم أن بعضهم لم يكن لديه جواز سفر، وبعضهم كان جواز سفره منتهى الصلاحية، والبعض لم يكن لديه تأشيرة دخول، فمصر مضيافة بطبعها، ولقد أيقن كل سودانى بالدور الحيوى الفاعل الذى قام به الرئيس عبد الفتاح السيسى لإنهاء الأزمة السودانية، وإعادة الاستقرار بين طوائفها وجمع شمل عناصره التى تفرقت بسبب تدخلات المصالح والأهواء، وإننى على ثقة بقدرة الرئيس السيسى فى إرساء الاستقرار بين عناصر الشعب السوداني، فكما أنقذ مصر من براثن الإرهاب بما يملكه من حكمة وصدق أورثته محبة أبناء مصر وأبناء السودان على وجه الخصوص، ولن ينسى السودانيون التعامل الحضارى الإنسانى من الرئيس السيسى مع أزمتهم حينما قام بتوجيه الأجهزة الرسمية المصرية بكلام منطوق ومحسوس بأن يتم معاملة السودانيين مثل المصريين فى التعليم والإقامات والعلاقة الرسمية، ويكفى طمأنته الجاليات الموجودة على أرض مصر حينما يعزف عن تسميتهم بأى مسمى يجرح مشاعرهم أو يزيد آلامهم، مكتفيا بأنهم ضيوف مصر، وهذا الأدب والرقى والإنسانية لم يشهده السودانيون ولم تقم به أى دولة سوى مصر، يكفى أن المصريين يشاركون أضيافهم لقمة عيشهم رغم الظروف الصعبة ولم يتضايق الناس من ندرة السلع، ومن لديه فرصة لمساعدة السودانيين يساعدهم، ومهما تكلمت فلن أستطيع الوفاء بحق مصر، وهذا ليس من منطلق شخصي، إنما شعور كل سودانى عاش بمصر وعايش أهلها، وعرف مكانها ومكانتها، وكرم شعبها وكرامتهم، وهذا ليس بمستغرب على بلد وصفه الله بالكرم فى قوله سبحانه: «وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين» فكانت مصر هى الربوة ذات القرار والمعين.
ما تقييمكم للموقف المصرى تجاه القضية الفلسطينية وأحداث غزة الأخيرة؟
لو أردت أن أقول إن القضية الفلسطينية هى قضية مصرية منذ بداية الاستعمار والعدوان الصهيونى الغاشم على فلسطين وكل مقدساتنا، ومرت السنين وقامت حرب 73 ونصر الله عز وجل المصريين نصرا كبيرا مؤزرا على الإسرائيليين، وهذا النصر لم يفعله غيرهم بعزيمة الرجال وقوة الجنود ومساندة المصريين لبعضهم، وبعد أن حصلت المصالحة على كثرة وجودى بمصر لم ألحظ وجوداً إسرائيلياً واحداً يتجول بشوارعها ولن يكون، حتى الحكومات لم تقف متفرجة فى يوم من الأيام فى القضية الفلسطينية، بل ظلت سدا منيعا ضد فكرة إبعاد فلسطين من شعبها، ومنذ زمن بعيد بوعى شديد حينما يتم احتدام المشاكل نجد مصر تتدخل وهى التى تصل للناس تستضيف، وفى المواقف الدولية مصر تقف وتعلن موقفها بصلابة ووضوح رغم العديد من التعقيدات فإن موقف مصر من القضية الفلسطينية موقف مشرف جدا ويليق بدولة كبرى كمصر، أما الأحداث الأخيرة بغزة فإنها مأساوية جدا، وللأسف الشديد يقف العالم كله متفرجا، حيث كشفت هذه الاحداث مسألة الكيل بمكيالين فى قضايا أخلاقية، كما أظهرت زيف وكذب الادعاءات الغربية فى دعاوى الأخلاق وحقوق الإنسان، فالوضع الآن فى غزة صعب للغاية وسيء، والموقف المصرى مازال قويا داعما لأبناء فلسطين فى قضيتهم، متصديا لمحاولات تصفية القضية عبر مخططات التهجير.
رغم المآسى التى شهدناها فى أزمة فلسطين.. فهل تلك الأزمة بداخلها رحمة؟
أعظم الرحمات التى حملتها تلك الأحداث رغم المآسى التى نشهدها أنها أشعلت القضية الفلسطينية فى نفوس الأجيال التى باعد الزمن بينها وبين الحدث الكبير، فقد لاحظت أطفال المدارس يتغنوا لفلسطين ويتألمون لغزة ويقاطعون المنتجات الداعمة للكيان الصهيوني، وهذه المشاعر للأطفال ناتجة عن تفاعلهم مع مجتمعهم الرافض لتلك الغطرسة الصهيونية المدعومة بعناصر القوة فى المجتمع الدولى الذى يؤمن بالنظرة الأحادية، فقد جاء زمان على المثقفين اصابتهم الخشية من نسيان الأجيال الصاعدة مبادئ وأسس القضية الفلسطينية، لكن شاء الله أن يكتب تاريخاً جديداً للتذكرة بأبعاد القضية وتعريف الأجيال قيمة الدور المصرى وشرف القائمين عليه فى الانتصار للحق وأصحابه، كما أثبت أبناء فلسطين أنهم قادرون على الصمود مستمسكون بعدالة قضيتهم.