ونكمل قول الحق تعالي.. «وحيا بالغيب».. لزوجة عمران وأم موسى وهارون.. «السيدة يكابد» .. إحدى اللاتي.. «هادوا».. من بنى إسرائيل.. واللاتى تمسكن بوصية إبراهيم لبنيه ويعقوب.. «بألا يموتن إلا وهم مسلمون».. حيث قال الله تعالي.. «وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون. فرددناه إلى أمه كى تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون».. (١٣/القصص).
والآن.. علينا ألا نغفل عن.. مستهدفات بحثنا الدالة.. «نسبيا».. على ماهية رسول.. «خاص جدا».. لأنه مرسل بصفة عامة إلى بنى إسرائيل.. وبصفة خاصة.. لليهود الذين كفروا من بنى إسرائيل.. نعم.. مرسل لأشد الناس عداوة.. «للذين آمنوا جميعا».. ولمن يشارك اليهود عداوتهم وهم.. «المشركون».. نعم.. رسول خاص الصفات والسمات.. لأنه سيواجه.. «محترفى التحريف للحق».. وعشاق أسبابه .. من كذب ولوى عنق الكلم.. ومن خداع ومكر سوء.. ومن نقض عهود ومعاهدات.. ومن استباحة القتل وسفك الدماء بالباطل.. إلخ.. وذلك كله ربما يأخذ بأيدى اعقالاتنا إلي.. «غاية مستهدفاتنا».. والتى منها.. «تقديم العلم على الحلم».. «بينما الحلم هو سياسة الرحمة».. وموسى يعلم ذلك.. فهل لأنه مرسل لمن لا يؤمنون سياسيا بالرحمة.. «ربما»..
المهم لنا الآن هو.. محاولة استشفاف الأسباب ..»الكونية والدنيوية».. التى أثرت فى تكوين ..»ماهية موسى السياسية».. وخاصة أنه نطفة من.. «أب وأم مسلمين لله».. نقف أمام الأم بمقتضى الآيات السابقة.. (١) مفهوم طهر غذاء.. «الرضاعة».. والتى خصها الله بها.. كحكمة لرد موسى لصدر أمه.. (٢) نعلم علميا أن حالة الأم.. «النفسية».. هى من المؤثرات المباشرة فى تكوين.. «ماهية الجنين».. فشدة خوفها الذى كاد.. «يفرغ قلبها».. قد تغذى منه.. «موسي».. ثم يأتى بعد الحزن والخوف.. «إقرار العين».. فرحا واطمئنانا بصدق حق وعد الله.. والذى كان غذاء أيضا.. «لموسي».. ودعما لإسلامه من قبل.. نعم.. فالله تعالى قال.. «أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية أدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا».. (٥٨/ مريم).. هكذا كان غذاء موسى برحم أمه.. نعم.. فالله العزيز الحكيم يقول.. «واذكر فى الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا».. (٥١/ مريم).. نعم.. فإخلاص الله من عظم أسباب احكاماته.. نعم.. بل الله سبحانه وتعالى قال.. «وألقيت عليك محبة منى ولتصنع على عيني». (٣٩/ طه).. بل قال سبحانه.. «واصطنعتك لنفسي».. (٤١/ طه)..
وحينئذ.. فكل ما تم ذكره الآن.. من خصوصية خلق.. «وتصنيع».. ماهية موسى باحكامات العزيز الحكيم سبحانه.. «مازالت غيبا لا يعلمه موسي».. نحن نذكره الآن بما أتانا من ذكر حكيم.. سوف يعلمه موسى فيما بعد.. «تكليما له من الله».. وما ذكرنا له إلا دعما لاستحضار معيتنا لما نقصه بحثيا.. «الآن».. (٣) علميا أيضا نحن نعلم.. أن من المؤثرات فى تكوين.. «ماهية».. أى إنسان سواء بطريقة مباشرة محسوسة.. «أو غير مباشرة».. هي.. «البيئة».. المحيطة بنشأته من زمن طفولته.. وحتى بلوغه.. «الرشد».. وقدرة التفكر والتدبر والاعقال.. «والاختيار».. بمقياس العلم بنوعيه.. «حق أو باطل».. بحكم مقياس ما يعتقده بنفسه من.. «حق إيمان أو باطل بغى إيمان»..
إذن.. وفى إطار ذكر ما سبق.. ودون غفلة منا عن أننا نتحدث بحثا عن.. «نبى ورسول».. بل وعن أم قد قصت على ابنها.. «ما أوحى الله به لها».. وكيف كانت طاعتها لأمر الله.. «معاناة وأمرا شديد الثقل».. رغم ثقتها بأن وعد الله حق.. وكيف قرت عيناها واطمئن قلبها.. «بحق واقع وعد الله».. ولكن.. كان استلهام نفس موسي.. «لحق ذلك».. إلا أن ما يحيط به من بيئة واقعية.. «متناقضة».. هو أمر يعتصر نفسه.. وشدة وطأة لا يبدو لها من سبيل انفراج.. نعم.. إنها بيئة تتجاذب تناقضيا بين طرفى هما.. بيت أم وأخ مسلمين لله.. وسط شيعة منها من هاد ومنها من.. «يهود».. يشاركهم فى ذلك.. «الذين أشركوا».. وبيت آخر.. به قلب قد أحبه.. «وأنقذ حياته».. قلب استنار بالإيمان بالله.. «قلب لزوجه كافر فرعون».. شيعته عابدة له من دون الله.. شيعة تميزت بالأخذ بكل أسباب مادية العلم.. «سياسيا وقتاليا وعمارة فى الأرض».. وقد حرص فرعون علي.. «تعليم موسى كل ذلك».. نعم.. تناقض ولاء دنيوى ودينى بيئي.. لا تصويب أو نجاة منه إلا.. «بأمر من الله».. نعم.. وفيما هو آت إن شاء الله.. «وبما أرانا الله من ذكر حكيم».. سيجتهد بحثنا كمحاولة منا.. لاستشفاف.. «بعضا».. من احكامات الله التى بها.. «نجاة».. موسى وتكليفه برسالة الله لبنى إسرائيل.. ولمن بعدهم .
وإلى لقاء إن الله شاء
ملاحظة هامة
من هاد من بنى إسرائيل.. قد أفلح ..أما اليهود فلا فلاح لهم…