أزعم أننى أنتمى لجيل شكلت الدراما التليفزيونية جزءًا كبيرًا من أيديولوجياته الثقافية والاجتماعية وكونت معتقداته ورسمت أحلامه فى الحياة لذا لدينا ارتباط وثيق بالشاشة الصغيرة وما يعرض عليها تبهرنا الأعمال ذات الأحداث التى تشبهنا وتعبر عنا ويزعجنا هذا الإسفاف الذى يساق لنا تحت مسمى الدراما ليعصف بتقاليد المجتمع وركائزه من خلال تصدير صور لا اعرف مدى قيمتها فى أن تتحول لمشاهد تقتحم المنازل عبر شاشات التليفزيون.
للدراما الرمضانية وقع خاص على أبناء جيلى الذين تعانقت ذكرياتهم مع الكثير منها وغاصوا فى أحداثها وانصهروا داخلها حتى أن بعض الأبطال باتوا جزءاً من العيلة المصرية بفضل ما يقدمونه من أعمال ما زالت تحيا فى أذهاننا بتفاصيلها وحكاياتها فمن من هذا الجيل ينسى سليم البدرى والعمدة سليمان غانم والصراع بينهما على حب نازك السلحدار فى رائعة أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ «ليالى الحلمية» ورغم هذه الحالة التنافسية إلا أن المشاهد جاءت بشكل لم يشعر معه الآباء بالإحراج وهم يتابعون العمل بصحبة صغارهم حتى مشاهد الحب بين زهرة ابنة سليمان وعلى ابن سليم جاءت بشكل راقٍ رسم المعانى السامية للحب.
كم كان لتتر ليالى الحلمية مفعول السحر فى أن يسود الهدوء البيوت المصرية ليصبح لا صوت يعلو فوق صوت التليفزيون والجميع يجلس أمامه فى صمت تام ليس فى المنازل فقط بل فى المقاهى أيضاً لمتابعة دراما نجحت فى التأثير على وجدان الجميع وتشكيل مساراته فى الحياة.
تذكرت «ليالى الحلمية» وأنا أجلس أمام شاشة التليفزيون بصحبة أبنائى استدعى ذكريات الماضى التى ما زالت كفيلة أن ترسم ابتسامة على وجهى فى محاولة منى لأترك لهم رصيدًا من الذكريات يحفظ لهم ابتسامتهم فى المستقبل.
عبارة صادمة استوقفتى مصحوبة بعنوان «+16» تعلن أن العمل يحتوى على مشاهد وألفاظ لا تليق بمن هم دون هذا السن ولا اعرف المنطق فى تقديم هذا فى دراما تدخل البيوت فقد يكون الأمر مقبولاً فى السينما التى تترك لنا المجال للانتقاء لكن أن يكون هذا فى مسلسل يعرض على شاشة التليفزيون فالأمر غير مقبول خاصة أنه من غير المقبول أن أطلب من طفل فى مرحلة المراهقة عدم المشاهدة فالممنوع مرغوب وسيبحث بذاته عما منع منه.
مشهد مشابه لما جاء فى ليالى الحلمية عن قصة الحب التى جمعت بين أبناء الخصوم ليتحول الأمر هنا إلى حرب عالمية استخدمت فيها كل عبارات السب والقذف والطعن فى الشرف من جانب والد الفتاة فى حين ظهر والد الفتى وهو يبارك ما فعله الابن خاصة أنه لم يخالف نصيحته فى الابتعاد عن الخمر والقمار ولا غبار عليه فى علاقاته مع «النسوان» كما جاء على لسانه.. هكذا يتم تصدير صورة الأب فى الدراما فى صورة مؤسفة تخالف ما اعتدناه فى دراما رمضانية كانت كفيلة بإحداث حالة من الإصلاح الاجتماعى فى زمن مضى وليته يعود.