تحتفل مصر بذكرى يوم الشهيد، هذه المناسبة بمثابة تذكرة للأجيال الحاضرة والقادمة بالتضحيات التى قدمها شهداء مصر فى سبيل المحافظة على الوطن وحماية أرضه وعرضه من أعداء الحياة والأحياء سواء فى الداخل أو الخارج.. علماء الدين أكدوا أن الشهداء دفعوا أرواحهم ثمنا لتبقى راية مصر مرفوعة ويعيش شعبها فى أمان، موضحين أن الروح أغلى ما يملكه انسان لكن الشهداء ضحوا بأرواحهم فى سبيل تحقيق الأمن والتنمية.. مطالبين أفراد الشعب أن يردوا الجميل لدماء الشهداء بالمحافظة على مؤسسات الوطن وبناء مستقبله.. حتى يعلم الشهداء أن أرواحهم ودماءهم وجدت من يعرف قدرها ولم تذهب هباءً منثورًا.
يقول د. إبراهيم خليفة أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر أن الشهداء فخر الأمة لأنهم ضحوا بأرواحهم دفاعا عن الأرض والعِرض لنعيش حياة آمنة كريمة، لذا يجب ذكرهم فى كل مناسبة وتدريس أمجادهم للأجيال حتى يكونوا قدوة ووقودا روحيا لمن بعدهم، مضيفا أن حرص الدولة على إحياء ذكراهم بمثابة السُنَّة الحسنة حتى يعلم كل جندى يقف على ثغر من ثغور الوطن أن قيادته وأهله يعرفون حجم تضحياته فيكون ذلك بمثابة حافز له على الفناء فى سبيل الوطن، وعلى المجتمع توفير حياة كريمة لأسرهم، وتفقد أحوالهم وكفالتهم، فحينما خرج عمر بن الخطاب رضى الله عنه ذات يوم إلى السوق لحقت به امرأة، وقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجى وترك صبية صغارا، وأنهم لا يجدون طعاما، وليس عندهم زرع ولا ضرع، وأن أبيها شهد غزوة الحديبية مع النبى صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر، ثم قال: مرحبا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير، فحمل عليه طعاما، ونفقة وثيابا، وحينما حاول البعض أن يستفسر عن سبب العطاء الكثير الذى منحها إياه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أجابه بأن أباها وأخاها أحد أسباب الفتح الإسلامى الذى يعيش الناس فى خيراته، معلنا ضرورة الوفاء بحقوق الشهداء ورعاية أهلهم وإكرام أتباعهم.
مشددا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أمر جعفر بن أبى طالب بقيادة الجيش فى معركة «مؤتة» ونال الشهادة بعدما قطعت ذراعيه، وترك أطفالا صغارا، تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم، وكفالتهم بعد استشهاد عائلهم، ولما قام النبى صلى الله عليه وسلم بإبلاغ زوجة جعفر خبر استشهاده، مسح على رأس أولاد جعفر وعيناه تغرقان بالدموع، قائلا: اللهم إن جعفرا قد قدم إلى أحسن الثواب، فاخلفه فى ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك فى ذريته، ثم قال لزوجته: يا أسماء ألا أبشرك، إن الله قد جعل لجعفر جناحين يطير بهما فى الجنة، ثم قام صلى الله عليه وسلم وأخذ بيد عبدالله بن جعفر يمسح رأسه ثم صعد المنبر، وأجلس عبدالله أمامه على الدرجة السفلي، ثم قال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمه، ألا إن جعفرا قد استشهد، وقد جعل الله له جناحين يطير بهما فى الجنة، ثم نزل ودخل بيته وأمر بطعام يصنع لآل جعفر، مما يفرض على المجتمع الوفاء بجميل الشهيد، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ضرب من المثال أجمله، ومن النصيب أكمله، ومن رد الجميل أحسنه وأعدله، ودلائل وفاء النبى محمد صلى الله عليه وسلم لا تُعَّد ولا تُحصي.
أوضح د. خليفة أنه إذا كانت الشهادة قد فاتتنا فإنه ينبغى علينا القيام بحق أُسَرِّ الشهداء، وهذا يعد كأجر الشهادة فى سبيل الله، فعن زيد بن خالد الجهنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من جَهَّز غازيا فى سبيل الله فقد غزا، ومن خَلفهم فى أهله بخير فقد غزا» فمن تكفل بأسرة شهيد كان له من الأجر مثل ما للشهيد، وهذا فضل إلهى عظيم بأن جعل للعباد بابا للفوز بأجر الشهداء
فيما أشار د. السيد عبدالرءوف الأستاذ بكليه أصول الدين جامعة الأزهر أن تقدم الأمم منذ الأزل يقوم بتضحيات أبنائها المخلصين لوطنهم، ممن رفضوا أن يكون وطنهم محل ذل وانكسار للعدو، وأن تراب الوطن غالٍ ونفيس لا يرويه إلا دماء طاهرة، وكل قطرة تنادى بحب الوطن، والاستشهاد فى سبيل الله جزاؤه جنة تخبرنا أنها مقام الشهداء، وتبعث لنا رسالة مضمونها أن الأموات لا يعودون، ولكن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ففى هذه الذكرى قولوا لأبناء الشهداء وأهلهم إن أباهم لم يمت، ولم يتركهم وحدهم يخافون الكسر والقهر، بل هناك دولة تحميهم وشعب يؤمن بدمائهم الطاهرة، وأن هناك من يفخر بأمجاد آبائهم وإخوانهم الشهداء.
مضيفا أن سجلات التاريخ ستظل تحكى للحاضر والقادم بطولات وأمجاد الذين سبقونا بأرواحهم لكن ذكراهم فى النفوس باقية وآثارهم بين الناس خالدة شاهدة على عظمة ما قدموه لوطنهم ومواطنهم، وإذا كانت الدولة تحتفى حق الحفاوة بالشهداء وأهلهم وترعاهم فإن المواطن العادى عليه واجب أن يحتفى بأبناء الشهداء، وعلى التربويين فى المؤسسات التعليمية احتواء ابناء الشهداء حتى يساعدوهم على نسيان مرارة فقدان الأب، وأن نغدق عليهم الحنان والحب، ومشاعر الفخر، ونعزز قيمة الوطن والشهيد فى نفوسهم ونرسل لهم رسائل إيجابية تؤكد لهم أن الشهداء فخر يتجدد، ومثال يحتذي، وأن الوطن سيذكرهم بكل حب وفخر
أوضحت د. فيحاء الرفاعى الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية بنات الأزهر أن الأمن الذى يعيشه المواطن العادى نعمة من أنعم الله على عباده، ولأن الشرائع تقوم على منهجية الأخذ بالأسباب لذا فإن الله تعالى اصطفى أبطالا فى صورة رجال، يحملون أرواحهم على أيديهم يبذلونها فى سبيل الدفاع عن أرضهم وأعراضهم، لا يهابون الموت بل يحرصون عليه حرص عدوهم على الحياة، ولولا هؤلاء الشجعان لما عاش غيرهم، وأعظم الجود جود الأرواح، وأصدق العطاء عطاء الحياة ، وهذا ما فعله الشهداء حينما قدموا حياتهم قربانا لأبناء وطنهم حتى تظل رايتهم مرفوعة وهامتهم عالية بين الأمم.
أضافت أن الوفاء لدماء الشهداء يتحقق بالمحافظة على الوطن ومقدراته وممتلكاته العامة من مرافق ومبان والمساهمة فى تقدمه، حتى نقول لهم نحن على العهد ولن ننساكم وسنظل محافظين على هذا الوطن ووحدة وسلامة أراضيه.