في الــ7 من رمضان عام 361 هجريًا أشرقت شمس الأزهر الشريف على الحياة حاملة النور والهداية للعالم أجمع.. ومنذ ذلك الحين تقف مآذن الأزهر شامخة وسط القاهرة قِبَلة لراغبي العلوم الشرعية.. وساحته بمثابة الكعبة الفكرية التى يحج إليها طلاب 120 دولة لنلقى العلم الشرعى ودراسته الاسلام المعتدل.
بدأ جوهر الصقلي قائد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله تشييد الجامع الأزهر في 24 جمادى الأولى 359 هجريًا، واستغرق بناؤه ما يقرب من 27 شهرًا، ثم تحول الجامعة علمية، وأطلق عليه الأزهر نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء ابنة النبي صلى الله عليه وسلم.
تاريخ الأزهر الشريف يزخر بالمواقف الكثيرة الخالدة التي كان الأزهر فيها حاملاً مشاعل الهداية والتقدم، صادعًا بالحق، لم تمنعه الزعامة العلمية من الزعامة الوطنية؛ حيث كان الأزهر على مدار تاريخه يمثل المنبع الأصيل للوطنية والقلعة الحصينة للدفاع عن القضايا العربية والقومية بل والإنسانية.
وقد أرسى الأزهر الشريف وعلماؤه منهجية التعدد الفكري والتعايش الوطني وحارب نزعات التطرف والتشدد وامتدت أنواره إلى أرجاء الأرض المختلفة حاملة مشاعل التنوير والهداية .
ولم يقف دوره عند هذا بل أصبح ملاذاً لكل طلاب العلم من بلاد الإسلام ، ليمنحهم العلم ويؤمن لهم الإقامة ومصدر الأمان .. واليوم يحتفل المصريون بل والعالم الإسلامى كله بمرور ١٠٨٥ عاماً على إشراق شمس الأزرهر الجامع والجامعة.
الإمام الأكبر: الأزهر.. رسالة ومنهج
د. أحمد الطيب
الإمام الأكبر
شيخ الأزهر الشريف
منذ ألف عام ويزيد قامت في مصر، منشأ الحضارات الإنسانية، ومهبط الرسالات السماوية، منارة سامقة، تبعث بأضوائها الهادية إلى أطراف العالم كله.
إنه الأزهر، معقل العلم والعلماء، وليس الأزهر مجرد معهد عريق، أو جامعة عالمية هي الأقدم في تاريخ الإنسانية، من حيث تواصل عطائها دون توقف، طوال هذه القرون العديدة إلى اليوم، وإنما في جوهره: رسالة، ومنهجا، وخطابًا فكريًا متميزًا.
فالأزهر الذي يحمل مسئولية الجانب العلمي والدعوي من رسالة الإسلام خاتمة الرسالات الإلهية إلى البشر كافة، رسالة السلام العالمي والمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية والتحرر من الآصار والقيود التي تثقل كاهل البشرية وتؤمن بكل ما أرسل الله من رسول، وما أنزل من كتاب، ويسلك الأزهر في فهم هذه الرسالة وتعليمها والدعوة إليها منهج أهل السنة والجماعة، كما تتمثل في فكر الإمام أبي الحسن الأشعري، ويتبني أصول الأئمة المتبوعين من فقهاء الأمة دون تعصب أو إقصاء، وما يلقاه الخطاب الأزهري الوسطي المعتدل الآن من قبول في العالم الإسلامي وخارجه، إنما يرجع إلى هذه الروح التي تمزج الفكر العملي بالروح الصوفية وتتمسك بالحد الأوسط الذي وصف في مجالي العقيدة والعمل والذي يعكس الروح الإسلامية الأصيلة التي تسود العامل الإسلامي بصرف النظر عن بعض الأصوات الهامشية هنا أو هناك.
كعبة العلم وقِبلة العلماء
د. شوقي علام
عضو مجمع البحوث الإسلامية
الأزهر الشريف مؤسسة عريقة وكبيرة لها مكانتها المعروفة الكبيرة في قلب كل مسلم، يستوعب في معاهده وجامعته العريقة عشرات الآلاف من طلاب العالم، حتى أطلق المؤرخون على الأزهر الشريف أنه كعبة العلم وقِبلة العلماء؛ فقلوب طلاب العلم والعلماء في المعمورة تتوجه إليه راجية الوصول إلى ساحته المُطهرة، وإذا لم تستطع إلى ذلك سبيلاً فإنهم يتابعون آثاره العلمية والمعرفية من خلال مناهجه، ويقوم الأزهر الشريف وجامعته العريقة بتدريس ونشر العلم الشرعي وعلوم اللغة العربية وتخريج علماء يحملون كلمة الله جلية واضحة للعالمين، واستطاع الأزهر الشريف منذ عقود طويلة تطوير مؤسساته التعليمية فأدخل العلوم الجامعة بين التجريبية والمدنية والدينية، فضم بين كليات: الطب، والهندسة، والصيدلة، والتجارة، والتربية، وغيرها كي يتخرج أبناء هذه الجامعات جامعين بين الثقافتين التجريبية والدينية، فالأزهر الشريف بتاريخه العريق هو المنبع الصافي لجميع روافد العلم والمعرفة والدعوة والخير والعطاء للعالم كله بشكل عام ولأمتنا الإسلامية بشكل خاص ولمصر بشكل أخص.
حصن أمان للعالم
د. نظير عياد
مفتى الجمهورية
إن جامع الأزهر الشريف الذي تحل اليوم ذكرى افتتاحه في السابع من شهر رمضان المُبارك عام ٣٦١ هـ، كان ولا يزال القبلة التي يتوجه إليها راغبوا الوسطية من الدارسين والعلماء، وقد أخذ علماء الأزهر على أنفسهم عهدا منذ إشراق شمسه بأن يكونوا دعاة علم وأصحاب منهج يقوم على الاعتدال الفكري لا يعرف الإقصاء ويؤمن بالتعددية المذهبية والفكرية، فهو جامع وجامعة، يحكي تاريخه دور رجاله العظام الذين ملأوا العالم هداية وهدى، والأزهر ليس مؤسسة وليدة ولكنه مؤسسة عريقة واصلت عطاءها في شتى بقاع الأرض من خلال دوره التعليمي والتنويري العظيم.
وسيظل الأزهر بوسطيته حصن أمن وأمان للمجتمعات محليًا وعالميًا من خطر الفكر المنحرف بعيدًا عن صحيح الدين، كما أن رسالته شاملة وترسخ للإنسانية وتدعو للتراحم بين الناس، ورغم مرور أكثر من ألف عام فلا يزال نهر العطاء الأزهري بلا حدود في نشر ثقافة التسامح والتعايش السلمي وقبول الآخر، ودعم الحوار الهادف والبنّاء، وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال، وإيجاد حلول فعّالة للمشكلات التي تواجه العالم، كما تربّى في معاهده وكلياته طلاب من جميع أنحاء العلم، فنهلوا من علمه وحملوا منهجه لينشروه في ربوع الدنيا بأسرها، ليظل الأزهر مرجع الوسطية على مرّ التاريخ.
قاهر الجهل ومحطم أطماع الحاقدين
د. سلامة داود
رئيس جامعة الأزهر
الأزهر الشريف شمس أشرقت في سماء مصر واستضاء بها العالم كلُّه، ولو كانت جدران الجامع الأزهر تتكلم لأسمعتك جدرانُه صوت ابن خلدون التونسي، وتقي الدين الفاسي المغربي، والزواوي المالكي، والزيلعي الحبشي، وزين الدين العراقي، وابن هشام النحوي، وصوت ابن عقيل وهو يشرح الألفية، وابن حجر العسقلاني، وبدر الدين العيني وهما يشرحان صحيح البخاري، ولأسمعتك جدرانُه المقريزي في خططه، وصوت الحافظ السخاوي، والحافظ جلال الدين السيوطي الذي أَلف أكثر من خمسمائة مؤلف، وصوت شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وهذا قٌلٌّ من كُثْر وغيض من فيض
الأزهر يمضي مع الزمان يقهر الجهل والظلم، وتتحطم على جدرانه أطماع الحاقدين والحاسدين والمرجفين، ويقيض له الله جل جلاله، في كل عصر من يقوم بشرف خدمته والنهوض به، من شيوخه العظماء وأئمته الأعلام وأعلامه النبلاء.
الأزهر درج منذ نشأته على أن يبيح للطالب أن يختار أستاذه، وأن يتيح لكل شيخ الطريقة التي يختارها للتدريس فمنهم من يقرأ لطلابه ومنهم من يُقْرَأُ عليه.
منارة العلم والدين
د. علي جمعة
عضو كبار علماء الأزهر
الأزهر الشريف هو منارة العلم والدين عبر التاريخ الإسلامي، وقد كوّن هذا الصرح الشامخ أعظم حوزة علمية عرفتها الأمة بعد القرون الأولى المفضَّلة، وحفظ الله تعالى به دينه ضد كل معاند ومشكك، حيث حافظ على أركان العلم، الطالب، والأستاذ، والمنهج، والكتاب، والجو العلمي، والأزهر الشريف صاحب تفكير مستقيم لا يعرف التعصب، ولذلك عندما تجلس مع علماء الأزهر، يحدث لك انشراح، ويحدث لك ارتياح، ويحدث لك أنه لا يريد مصادمة العالم؛ لأن الدين جاء ليس لمصادمة العالم، إنما جاء من أجل العمارة، ومن أجل عبادة الله، ومن أجل تزكية النفس، ولقد فهم الأزهريون هذه المعاني الإنسانية؛ لأنهم أرادوا حمل منهج أهل السنة والجماعة، وحمل كتاب الله وسنة رسوله؛ ولذلك يقول الإمام الجنيد رضي الله: طريقنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فالذي يعطيه الأزهر للعالم فكر مستقيم، وتعايش وتسامح وتراحم ونبذ للتعصب، فالبشرية تحتاج للأزهر الشريف.
عطاء ورسالة فى تجديد الفكر الإسلامى
د.إبراهيم نجم
أمين عام دور وهيئات الإفتاء فى العالم
تحلّ علينا ذكرى تأسيس الجامع الأزهر، هذا الصرح العريق الذي لم يكن مجرد مسجد تقام فيه الصلوات، بل كان «ولا يزال» قلب الإسلام النابض بالعلم والفكر، وعقل الأمة الذي يستوعب مستجدات العصر دون أن ينفصل عن جذوره العميقة الممتدة في تربة الإسلام الصافي. منذ أكثر من ألف عام، ظل الأزهر منارةً تستضيء بها العقول، ومرجعيةً علميةً وروحيةً تستمد منها الأمة رشدها، وسط تلاطم أمواج المتغيرات والتحديات
إن رسالة الأزهر الشريف ليست محصورة في التعليم والتدريس، وإنما تمتد إلى بناء الوعي الإسلامي المتزن، وتشكيل منظومة فكرية تقوم على الاجتهاد والتجديد، وفق الأصول الشرعية الرصينة. فليس من قبيل المصادفة أن يكون الأزهر على مدار تاريخه حائط الصدّ الأول ضد موجات الغلو والتطرف، وضد محاولات اختطاف الإسلام بعيدًا عن جوهره السمح ومقاصده العليا. فبين جدرانه تخرّج العلماء والمفكرون والمصلحون الذين حملوا لواء التنوير في شتى بقاع العالم الإسلامي، ودافعوا عن الدين بعقل منفتح وحكمة متبصرة.
إن التحديات المعاصرة التي تواجه الأمة الإسلامية، سواء الفكرية منها أو الاجتماعية، تجعل من دور الأزهر أكثر أهمية وإلحاحًا من أي وقت مضى. فالعالم اليوم يعاني من استقطابات حادة، ومن خطابين متناقضين: أحدهما يحاول تشويه الإسلام عبر ربطه بالتشدد، والآخر يسعى إلى تفريغه من جوهره الروحي والأخلاقي تحت دعاوى الحداثة وهنا يأتي دور الأزهر كميزان يضبط هذا التوازن، وكمنهج علمي قادر على تقديم الإسلام في صورته الحضارية، دينًا يُحاور ولا يُقصي، يُجدد دون أن يفرّط، ويحافظ على ثوابته دون أن يتجمد.
في هذه الذكرى العطرة، نتأمل في الواجب الملقى على عاتق الأزهر وعلمائه، فالأمة بحاجة إلى تجديد حقيقي يواجه مستجدات الواقع بعقلية الاجتهاد لا الانغلاق، ويقدم البدائل الفكرية الراشدة بدلاً من أن يترك الساحة للتيارات العابثة بالدين، سواء من أهل الغلو أو من دعاة التمييع، والاحتفال بذكرى الأزهر ليس احتفاءً بالماضي فقط، بل هو استحضار لمسؤوليته في الحاضر والمستقبل، ودعوة للأمة كلها أن تلتف حول هذا الكيان العريق، فهو ليس ملكًا لمصر وحدها، وإنما هو منارة علمية للمسلمين في كل مكان.
سيظل الأزهر الشريف نبراسًا للفكر الإسلامي الرصين، وحصنًا للوسطية والتسامح، ورائدًا لمسيرة التجديد التي لا تنفصل عن الأصول، بل تستمد منها القوة والوضوح، ليبقى هذا الصرح العريق كما كان دائمًا: مهدًا للعلم، وقلعةً للهوية الإسلامية، وجسرًا يربط بين تراث الأمة وتحديات العصر.