أوفت القمة العربية بما كان مطلوباً منها، إعلان موقف عربي واحد، وواضح في مواجهة مخطط التهجير الذي تستهدفه إسرائيل وتدعمه واشنطن.. واعتماد خطة الإعمار المصرية كبديل لهذا المخطط، وقد جاء الاعتماد بالإجماع كرسالة بأن العرب متكاتفون ويرفضون تماما انتزاع الشعب الفلسطيني من أرضه.
والخطة المصرية كفيلة عند تنفيذها بأن تجعل قطاع غزة، قادرًا على استيعاب أهله لأنها لم تترك تفصيلة واحدة إلا وتناولتها، فهي خطة شاملة بمراحل محددة وتكاليف محسوبة بدقة، ومهام واضحة، من رفع الأنقاض، وتوفير أماكن المعيشة المؤقتة وإدارة الأمور في القطاع إلى إيجاد الخدمات الأساسية وإنشاء المساكن وصولًا إلى استعادة القطاع كما كان عليه قبل الدمار الإسرائيلي، وهذا سيستغرق خمس سنوات على ثلاث مراحل.. الأولى منها تمتد لعامين بتكلفة تصل إلى 20 مليار دولار من إجمالي 53 مليارًا هي التكلفة الكاملة للأعمار.
الاعتماد العربي لهذه الخطة بكافة تفاصيلها خطوة مهمة وضرورية في التحرك الذي سيحتاج خلال الفترة القادمة جهدًا مصريًا وعربيًا ضخمًا لمخاطبة المجتمع الدولى وزيارة مختلف العواصم لشرح أهمية خطة الإعمار وضرورتها لحفظ الاستقرار بالمنطقة وتحقيق السلام العادل وحفظ الأرض لأهلها كجزء من وقف التصعيد.
المؤكد أن هذا التحرك العربي لابد أن يبدأ اليوم قبل الغد، لأن المتربصين بخطة الإعمار لن يصمتوا ولن يتوقفوا عن عمليات إفشالها وتشويهها وإغلاق كل منافذ التمويل الذي يحتاجه الإعمار وهو ضخم ولن تستطيع أن تتحمله دولة أو مجموعة دول فقط، بل يحتاج تكاتفا ومساندة دولية كاملة.
وهذا يظهر أهمية دور اللجنة التي سيتم تشكيلها لتجوب العواصم الدولية وتتحاور مع المؤسسات والجهات المانحة من أجل دعم خطة الإعمار، وهذه اللجنة لديها مصادر قوة في مقدمتها الإجماع العربي، والتأييد الكامل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، وكذلك تفهم الكثير من عواصم العالم لأهمية مساندة الحق الفلسطيني وإيقاف مخطط التهجير الذي سيجلب الدمار على المنطقة.
المهمة العاجلة الآن صناعة موقف دولي داعم ومساند للاعمار كبديل للتهجير ورغم أن البعض قد يعتقد هذا الأمر سهلا لكنه في واقع الأمر شديد الصعوبة في ظل الدعم الأمريكي الواضح للمخطط الإسرائيلي، وقدرة واشنطن على تغيير مواقف العديد من العواصم.
ولهذا فالجهد المطلوب يجب أن يبدأ من المنطقة الصحية وهي واشنطن نفسها والحوار ليس فقط مع الإدارة الأمريكية وإنما أيضا مع كل مراكز ومؤسسات صناعة القرار في الولايات المتحدة وإقناعها بضرورة أن تكون الأولوية لتحقيق السلام العادل والشامل الذي يبدأ بعودة أبناء غزة إلى أراضيهم وتعميرها دون أي محاولات تهجير واطلاق مسار سياسي من أجل السلام وحل الدولتين.
يزيد من أهمية التحرك السريع في اتجاه واشنطن أن أحد أهم العوامل المطلوبة لنجاح الإعمار بجانب الدعم التمويلي المالى هو التزام إسرائيل بالهدنة وعدم عودتها إلى الإجرام والقصف مرة أخرى مما يهدر كل ما قد ينفق على الإعمار، وهذا الإلزام لإسرائيل لن يستطيع فرضه وتنفيذه إلا الإدارة الأمريكية لأنها الوحيدة القادرة على ذلك طالما اقتنعت بالخطة العربية للإعمار وخطورة تصعيد الاحتلال لعملياته العسكرية.
وخلال الفترة الماضية نجحت مصر في تمهيد الأرض لهذا التوجه وصناعة رأى عام عالمي مساند للقضية، من خلال اللقاءات والزيارات والاتصالات الرئاسية المكثفة، وكذلك جهود المؤسسة الدبلوماسية والنجاح في طرح الرؤية المصرية للإعمار وإظهار خطر الصمت على التهجير.
هذه الأرضية يمكن البناء عليها، فهناك عواصم جاهزة بالفعل لاستقبال الحوار الذي بل ودعم خطة الإعمار نتيجة الجهد المصرى المبذول طوال الفترة الماضية دفاعاً عن الحق الفلسطيني الذي أصبح محل توافق دولي واقليمي.
المؤكد أن مصر كما كانت طوال أكثر من سبعة عقود لن تتخلى عن دورها الداعم للشعب الفلسطيني إنسانياً وسياسيا، وكما قادت خطة الإعمار في 2019 وسارعت بتخصيص 500 مليون دولار، ودخلت معداتها لتنفيذ الاعمار وإنشاء المدن المخططة التي دمرتها قوات الاحتلال في حربها طوال الـ 16 شهرا الماضية، فسوف تستمر مصر فى دورها التاريخي وستقود الإعمار هذه المرة أيضًا.
ولكن حتى نصل إلى تحقيق ما نريده من إعمار فهناك بعض العوامل التي يجب توافرها:
- أولها: التنسيق العربي الكامل في التحركات والمواقف وأن تكون اللغة العربية واحدة، وهذا يتطلب التواصل المستمر وعدم الخروج على الأسس التي تضمنها البيان الختامي للقمة.
- ثانيها: تجنيب أى خلافات عربية – عربية الآن، لأن القضية الفلسطينية هي الأخطر في ظل الخطوات الإسرائيلية المتسارعة للتهجير، وهو ما يهدد بوضوح الأمن القومي العربي بالكامل، وليس أمن دولة دون أخرى فالأرض العربية كلها في خطر.
- ثالثها: أن يقدم العرب النموذج والبداية في دعم الخطة وتمويلها كبداية لدخول مؤسسات التمويل والدول الكبرى وهذا ليس صعياً.
- رابعها: أن يسارع الأشقاء الفلسطينيون أنفسهم بالتوافق الداخلي وتقديم صورة مشجعة للعالم بأن مؤسسات الدولة هي التي تدير وأن القرار الفلسطيني من داخل فلسطين وبصوت واحد دون انقسام أو انفصال، وهذا يتطلب أن تنفذ حماس ما وعدت به بالانضواء تحت العلم الفلسطيني ومنح السلطة الفرصة لتولى مهامها، وفى الوقت نفسه أن يتم استيعاب حماس وكل الفصائل في إطار يعبر عن الدولة وليس طرفًا أو تيارًا.
- خامسها: أن يثق العرب في أنفسهم وأن التوافق في الوقت الموحد يمنحهم قوة قادرة على تغيير الموقف الدولي والأمريكي أيضاً وأن لدينا أوراقاً عديدة يمكن استخدامها في هذا الاتجاه.
- سادسها: التأكيد العربي الجماعي بأن السلام هو الخيار الإستراتيجي، لكن السلام القائم على العدل والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في أرضه وإدارة أمور دولته.
الخلاصة أن مصر نجحت بدبلوماسيتها وتأثيرها في أن تجمع الأشقاء العرب وتوحد الموقف، لمواجهة المخطط الإسرائيلي المشبوه، والتوافق على خطة إعمار جادة وواقعية، لكن المطلوب هو أن يستمر الدعم العربي ويتحول إلى فعل على الأرض ومن خلال التحرك الإيجابي.