الناس لا تشعر بتحسن ملحوظ فى مستويات الأسعار ومعدلات التضخم رغم ما قامت به الدولة من إجراءات مالية ومصرفية وتشريعية لضبط الأسواق، الحكومة انتبهت مبكرا لوجود متلاعبين كبار يتحكمون فى الأسواق بشكل يتنافى مع قواعد المنافسة الكاملة ومواجهة الاحتكار، فكانت التشريعات الصارمة والعاجلة وكذلك القرارات الوزارية والتنظيمية ذات الصلة، كانت المشكلة الأساسية هى عدم وجود عملة صعبة لتمويل عمليات الاستيراد وبالتالى كان التجار يعتمدون على السوق السوداء والتى وصلت إلى ارقام خيالية خلال الفترة الماضية، ولذلك كان مبرر هؤلاء التجار– وربما كانوا على حق– ان شح الدولار والاعتماد على السوق الموازية هو سبب ارتفاعات الأسعار، كنا نفهم هذه النقطة من الناحية المنطقية، ولكن لم نجد حينها مبررا لحبس السلع وإخفائها انتظارا لارتفاعات سعرية جديدة، كان التفسير الوحيد هو الطمع والجشع، اليوم الدولة وفرت كل المبالغ الدولارية المطلوبة للإفراج عن كل البضائع الموجودة فى الموانى المصرية وكذلك لفتح الاعتمادات الجديدة، ورغم ذلك ما زالت الأسعار مرتفعة وان كان هناك تراجع طفيف فى بعض السلع، الدولة انتبهت كذلك لهذه النقطة، وجدنا وتابعنا الرئيس السيسى بنفسه يتحدث بوضوح عن هذه النقطة يوم الاحتفال بعيد المرأة المصرية، فالدولة تدعم القطاع الخاص وتشجعه وتدفعه للقيام بدوره المطلوب ولكن المستوردين وبعض التجار والذين يمولون وارداتهم من القطاع المصرفى الرسمى مازالوا يعيشون فى جلباب السوق السوداء، فرغم انخفاض قيمة الدولار من فوق السبعين إلى الأربعين ونيف إلا ان الأسعار كما هى ! هنا وجه الرئيس الحكومة الى التحرك والاستيراد بنفسها من خلال مؤسساتها وشركاتها كى تتمكن من التحكم فى ضبط الأسواق وغلق أبواب الفساد والممارسات الاحتكارية، يتحدث بعض التجار عما يسمونه»الدورة التجارية» حيث يزعمون ان ما لديهم من سلع فى مخازنهم يتم تسعيرها على أساس تكلفتها المرتفعة حيث كان الدولار مرتفعا وان الشحنات القادمة سيتم حيث تسعيرها على أساس تكلفتها المنخفضة حيث اصبح الدولار منخفضاً! وهذا مردود عليه بأن هؤلاء التجار انفسهم كانوا قد استوردوا بضائعهم قبل أزمة الدولار الأخيرة على أساس سعر العملة المنخفض والرسمى وليس السوق السوداء ورغم ذلك كان التسعير خارج نطاق العقل والمنطق، الخلاصة نحن الان فى مرحلة مختلفة ولها مساراتها، الدولة تتخارج وتفسح المجال للقطاع الخاص لتصل مشاركته فى النشاط الاقتصادى إلى نسبه 65٪، ولكن هل سيتمكن القطاع الخاص من التقاط الفرصة واستثمارها؟ وهل التجار والمستوردون وصناع السوق سيرتقون بممارساتهم الى المستوى الأخلاقي؟ فى النهاية أرى ان إدارة الأسواق بحسم وحكمة ووعى هو التحدى الأساسى الذى يواجه الحكومة والمجتمع، فنحن لا نواجه تجارا كبارا بل نواجه جرذان السوق.