لم تعد الكلمات الناعمة والابتسامات الملونة والمصافحات الودودة أدوات رجال الدبلوماسية فى عصر ترامب وثورته اليمينية شديدة التطرف، فخلال أيام قليلة من وصول ترامب إلى البيت الأبيض زاره زعماء الأردن وفرنسا وبريطانيا واخيراً زيلينسكي، كانت الخشونة السياسية هى السمة الأساسية فى كل هذه المقابلات الرسمية وتركت انطباعات بأن عصر «البلطجة السياسية قد بدأ» لم تفلح كل محاولات ترويض ترامب، فالملك عبدالله استخدم معه دبلوماسية الملوك، بينما اتجه ماكرون صوب استخدام دبلوماسية التحدي.
>>>
أما دبلوماسية التملق فقام بها ستارمر رئيس الوزراء البريطاني، وجميع هذه المحاولات فشلت فى تحقيق أهداف أصحابها، لكن الرئيس الاوكرانى زيلينسكى استخدم «دبلوماسية وقحة» امام ساكنى البيت الأبيض، فما كان من ترامب ونائبه فانس إلا ان انهالوا عليه هجوما وسخرية بشكل غير مسبوق فى التاريخ الحديث، وصفوه بالكذاب والمراوغ والارعن والاحمق وبأنه قليل الأدب ولا يفهم كيف يتعامل مع الورطة التى أوقع فيها بلاده، قال له ترامب انت ستشعل حربا عالمية ثالثة، الملاحظة المهمة هنا والخطيرة هى اداء نائب الرئيس «جى دى فانس» هذا الرجل قصة كبيرة ستظهر تفاصيلها تباعا.
>>>
فمن تابعه فى ميونخ ثم باريس وهو يوبخ زعماء أوروبا فى عقر دارهم ويتهمهم بمعاداة القيم الأمريكية المحافظة، لكن ما فعله فانس فى زيلنيسكى غير مسبوق ولم نر له سابقة من قبل، لقد وجه له كلمات من رصاص مسموم فقضى عليه تماما وسلمه لترامب ليحرر شهادة وفاته السياسية للابد، لكن الملاحظات الجديرة بالانتباه والدراسة وكذلك الدرس أو الدروس المستفادة من هذا الحادث النادر الذى سيتحول إلى شئ مألوف خلال المرحلة الحالية فيمكن إجمالها فيما يلي: أولا هذا العصر هو عصر الدبلوماسية الوقحة التى تتميز بالعنف والخشونة.
ثانيا: الولايات المتحدة خطيرة على أصدقائها وحلفائها وكما قال كسينجر «إن تكون عدوًا لأمريكا قد يكون أمرًا خطيرًا، لكن أن تكون صديقًا فهو أمر قاتل»، ثالثا: انتهت مرحلة المناقشات والمباحثات السياسية التى تجرى فى الغرف المغلقة والتى يغلب عليها الطابع السري، رابعا: تضاعف دور وسائل الإعلام فى صناعة القرارات السياسية على الهواء مباشرة، خامسا: رغم عنف ادارة ترامب إلا ان الخيط الأساسى هو سعيه لتصفير المشكلات وإطفاء الحرائق المشتعلة بأى ثمن وبأى طريقة، سادسا: إذا نجح ترامب فى وقف الحرب الروسية ــ الاوكرانية وحرب غزة سيتحول إلى صانع للسلام ويحصل على نوبل.
سابعا: سيكون الاقتصاد العالمى هو الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية فى مرحلة ما بعد احلال السلام، ثامنا: سيكون هناك تحالف أمريكى روسى موجه اساساً ضد الصين وظاهريا لتأديب أوروبا وإعادة الأمور إلى ما تريده امريكا، تاسعا: سيكون حلف الناتو فى مأزق شديد بعد إعلان هزيمة أوكرانيا بقرار أمريكي، عاشرا: قسوة ترامب وادارته على حلفائه وأصدقائه الاوروبيين والعرب تمثل علامة استفهام، فهل هذه القسوة تمثل رسالة لاعدائه الصينيين والكوريين والإيرانيين مفادها «هذا ما افعله مع حلفائى فتخيلوا ماذا يمكننى ان افعل معكم أيها الاعداء؟».