فى عالمٍ يركض لاهثًا نحو المستقبل، ترفرف التكنولوجيا كفراشةٍ ذهبية، تضيء دروب الحضارة وتنسج خيوط التغيير فى كل زاويةٍ من زوايا حياتنا.
لم يعد المكان قيدًا، ولا المسافة عائقًا، وأصبحت المعرفة أقرب الينا من نبض القلب.
لكن، هل أضاءت التكنولوجيا كل الأركان؟ أم أنها، ككل ضوءٍ شديد، خلّفت وراءها ظلالاً لا يمكن انكارها؟
انه لمن السهل أن ننبهر بالبريق، لكن الأصعب أن ننتبه لما يكمن خلفه، فكما وهبتنا التكنولوجيا سرعة الوصول، سلبت منا لحظات التأمل والانتظار، وكما قرّبت البعيد، صنعت فجوة بين القريب. جلسنا حول موائد واحدة، لكن كلٌّ منا غارقٌ فى عالمه الافتراضي، نقرأ عبارات لا نسمع نبراتها، ونرسل مشاعر لا تصل بصدقها كما تفعل العيون.
فى الأسواق، تحل الروبوتات محل الأيدى العاملة، وفى المصانع تُدار الآلات بأنظمةٍ لا تحتاج إلى راحة، فماذا عن الإنسان؟ أين يقف فى معادلة التطور هذه؟ هل نحن صانعو التكنولوجيا أم أسرى لها؟ هل فقدنا القدرة على العيش خارج الشاشات؟
بل ان الأمر تجاوز حدود العمل والترفيه، فحتى المشاعر باتت تُبرمج، وأصبحت العلاقات تُختصر فى رموز ورسائل سريعة، بينما يذوب الدفء الإنسانى فى زحام الاشعارات والتنبيهات، لقد أعادت التكنولوجيا تشكيل عقولنا وطريقة تفكيرنا، حتى صرنا نقيس قيمة الأشياء بسرعة استجابتها الرقمية، لا بعمقها الحقيقي. لكن رغم كل شيء، فان الأمر ليس خيارًا بين النور والظلام، بل هو توازنٌ يحتاج إلى وعيٍ وحكمة.