تكاد تكون القمة العربية القادمة والمقرر عقدها بالقاهرة يوم 4 مارس المقبل، من أهم القمم التى يعقدها العرب منذ انشاء الجامعة العربية عام 1945 وحتى الآن، فهذه القمة تأتى فى مرحلة فارقة من تاريخ المنطقة، سيما بعد أزمة غزة التى بدأت قبل اكثر من 16 شهرا ومازالت آثارها مستمرة رغم سريان اتفاق وقف اطلاق النار فى القطاع وتبادل الاسرى ودخول المساعدات، ورغم تراجع الحديث عن تهجير سكان القطاع الى مصر والأردن وغيرهما من الدول العربية، كما تأتى قمة مارس القادمة فى ظل متغيرات دولية حقيقية بدأت ملامحها بمؤشرات انتهاء الحرب «الروسية – الاوكرانية» وبتلميحات التقارب الأمريكى الروسى على حساب أوروبا، وما يعنيه ذلك من توقعات بزيادة دور روسيا إلى جانب الصين وقوى إقليمية أخري، مع احتمالات بانهيار دول لم تجر حساباتها بدقة ولم تستعد لهذه المتغيرات «الدراماتيكية» المفاجئة.
وحقيقة فإنه لولا استعداد مصر لهذه المتغيرات الدولية والاقليمية لكانت الآن من ضمن الدول المهددة بالانهيار، ولكنها ارادة الله ثم وعى القيادة السياسية التى جعلت مصر مهيأة لمواجهة التحديات القديمة والطارئة وعلى استعداد تام للتعامل مع أى متغير يفرض نفسه على الدول العربية التى نحن بصددها وستستضيف القاهرة قمتها القادمة، والتى تتقاطع بنودها مع بنود أهم القمم العربية السابقة بما فيها قمة الخرطوم التى عقدت فى اغسطس عام 1967 بعد النكسة وأكدت أن العرب يرفضون الاستسلام رغم حجم التفوق العسكرى الإسرائيلى الكبير والدعم الأميركى الغربى اللامحدود لإسرائيل، كذلك مقررات القمة العربية التى عقدت فى تونس فى 2004، وأكدت على تضامن القادة العرب وتمسكهم بمبادرة السلام العربية التى اعتمدتها قمة بيروت عام 2002، والدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشريف.
واعتقد أن البنود او المقررات السابقة هى نفسها التى ستفرض نفسها على قمة القاهرة القادمة مع ملاحظة أن القمة المرتقبة تحتاج قراراتها أن تكون أكثر حسما من القمم الماضية، كما تحتاج للمزيد من التوافق والتوحد العربى فى مواجهة التحديات الحالية وذلك للأسباب التالية:
> إن عدم تمسك العرب بتنفيذ مطالبهم المتعلقة بالقضية الفلسطينية ساهم بدرجة كبيرة فى زيادة أطماع اسرائيل فى التخطيط لاحتلال كامل اراضى فلسطين وامتداد هذه الأطماع إلى الدول المجاورة.
> إن وجود إسرائيل فى جنوب لبنان واحتلالها لمساحات جديدة فى سوريا إلى جانب هضبة الجولان، أمر فى غاية الخطورة خاصة أن تل أبيب تعلن بين الحين والآخر أنها ذهبت إلى هناك لتبقى ولن تغادر هذه الأراضي.
> إن العدوان على قطاع غزة فى أكتوبر 2023 لم يكن ردا على عملية «طوفان الأقصي» للمقاومة الفلسطينية كما تزعم تل أبيب، وإنما هو حرب إبادة بمعناها الشامل خططت لها إسرائيل ونفذتها لأجل تحويل القطاع إلى أرض محروقة أو منطقة منكوبة يسهل تفريغها من سكانها و الاستيلاء عليها بعد ذلك.
> إن تراجع الحديث عن تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن خلال الأيام الماضية لا يعنى انتهاء المخطط نهائيا، فربما يعود الحديث مجددا، لذا فلابد من الاستعداد لهذا التحدى جيدا .
> إن التوافق العربى ودعم الخطة المصرية لإعادة إعمار القطاع وسرعة تنفيذها أمر فى غاية الأهمية لأنه سيقطع الطريق على تجديد أطماع إسرائيل فى احتلال القطاع.
> إن حماية القضية الفلسطينية من محاولات التصفية وإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى بما فيها قيام دولته المستقلة يتطلب إلى جانب الموقف العربى الموحد، إنهاء الانقسام الفلسطينى والاستماع لصوت العقل العربى والالتزام بمتطلبات تنفيذ الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة.
وليست مبالغة فى أن الظروف الإقليمية والدولية مهيأة بالفعل لعمل عربى مشترك ناجح وفعال لأول مرة منذ سنوات طويلة، فقد أدى رفض مصر والأردن لتهجير الفلسطينيين قسرا والاستجابة الدولية لهذه الرفض إلى ارتفاع أسهم العرب بدرجة لافتة بين دول العالم والتعاطف مع المطالب العربية بوجه عام، كذلك فقد تسببت الأوضاع السيئة فى غزة والأراضى المحتلة فى استفحال شعور الشعوب العربية بالظلم وتوحدها خلف قياداتها لدرء المظالم التى طالت بلادها منذ قيام إسرائيل عام 1948 وحتى الآن، فضلا عن رغبة الشعوب العربية فى استعادة روح حرب السادس من أكتوبر 1973م – العاشر من رمضان 1393هـ والتى اتخذ خلالها القادة العرب أشجع واشرف المواقف فى حربهم ضد إسرائيل، ونجحوا من خلالها فى انهاء غرور الكيان الصهيونى وهزيمة جيشه الذى « زعموا وقتها أنه لا يقهر.
الخلاصة هنا أن العرب فى قمتهم القادمة بالقاهرة يمكنهم استعادة انتصاراتهم وأمجادهم السابقة، فقط عليهم التمسك بوحدتهم والثقة فى إمكاناتهم لمواجهة كافة المخططات والتحديات التى تستهدفهم وتهدد وجودهم.