تمر هذه الأيام الذكرى 111 لمولد توأم الصحافة على أمين ومصطفى أمين.. فقد ولدا فى 21 فبراير 1914.. ومن حسن حظهما انهما ولدا فى منزل خال والدتهما الزعيم سعد باشا زغلول.. وهو البيت الذى اطلق عليه بيت الأمة.. وقد تبناهما بالكامل سعد زغلول.. واعتبرهما أولاده.. حيث لم ينجب أبناء.. ومن هنا يقفز السؤال.. لماذا ذهبت الأم لتلد فى بيت خالها.. واين الأب؟ من مظاهر وعادات حياتنا فى هذا الوقت.. ان تتولى عائلة الزوجة.. رعايتها خلال فترة ولادتها.. وغالباً ما تذهب لتلد فى بيت والدها.. وكان للخال دور مهم فى رعاية الأسرة.. وكما هو معروف بيننا فإن الخال والد.. لم يكن هذا مجرد شعار يتردد فقط.. إنما كان يتحقق عملياً وفعلياً.. وكان الخال يؤدى دوره بكل حب ورضا.. هكذا كان سعد زغلول مع بنت شقيقته رتيبة زغلول.. فمن الطبيعى ان تلد الأم فى بيت خالها.. كبديل عن بيت الأب.. أقول.. إن هذه العلاقات العائلية.. أهم ما يميز حياة الشعب المصرى فى ذلك الوقت.. حيث دفء المشاعر الصادقة.. وهو ما نفتقده للأسف هذه الأيام.. اما الأب.. فقد كان محامياً يعمل بعيداً فى دمياط والمنصورة.. وعمل أميناً عاماً مساعداً لمجلس الشيوخ.. وتم تعيينه الوزير المفوض لمصر فى واشنطن.. نشأة على ومصطفى أمين.. فى بيت سعد زغلول.. صنعت وجدانهما السياسي.. وغرست فى نفوسهما عشق الديمقراطية وحرية الصحافة.. وكان مصطفى أمين يردد ان أهم ما أثر فى فكره ووجدانه.. ما كان يتابعه فى بيت الأمة.. ان ما سمعه من سعد زغلول.. بأن تكميم الصحافة أخطر ما يواجه الأمة.. وان الصحافة الحرة.. هى ضمير الشعب.. وشعب بلا صحافة حرة.. هو شعب اخرس.. هكذا عاش على ومصطفى أمين بداية تكوين شخصياتهما واحساسهما بعالم السياسة داخل بيت صناعة السياسة.. فى واحدة من أهم فترات حياتنا السياسية.. انطلقت فكرة فى البداية بقلم على أمين.. فى عام 1952.. وانتقلت معه إلى كل جريدة أو مجلة يعمل بها.. واستمرت حتى عام 1965.. لتتوقف بعد نقل على أمين للأهرام.. حيث رفض محمد حسنين هيكل.. استمرارها بالأهرام.. وعادت فكرة للنور بعد عودة على أمين من المنفى فى عام 1974.. بالأخبار.. واستمر فى كتابتها حتى وفاته عام 1976.. وبعد وفاته بيومين فقط.. اعاد مصطفى أمين كتابة فكرة بالأخبار.. حتى وفاته فى عام 1997.. لم تعرف الصحافة المصرية ولا العربية عموداً فى جرأته ولا قوة انحيازه للحق والحرية والمواطن.. مثل فكرة التى ساهمت فى تكوين الوجدان السياسى لأجيال كاملة من الصحفيين وغير الصحفيين.. أنا واحد منهم.. كنت احتفظ بفكرة وأنا طالب بالجامعة.. كان والدى الصحفى الكبير المرحوم عبدالرءوف عدس.. يحضر لنا يومياً الصحف الثلاث الكبرى والمجلات التى تصدر فى ذلك الوقت.. من هنا تعلقت بفكرة.. جذبنى مصطفى أمين بأسلوبه البسيط.. بجمله القصيرة قوية التعبير بانحيازه المستمر للحرية والديمقراطية.. والدفاع عن المظلومين.. ولم أدرك ولم استوعب حتى اليوم.. التهمة التى وجهت لمصطفى أمين بالخيانة.. لمجرد ضبطه مع أحد رجال المخابرات الأمريكية.. وهو المكلف من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بإجراء مثل هذه الاتصالات بالجانب الأمريكي.. وظل مصطفى أمين فى السجن لمدة ٩ سنوات كاملة.. كتب خلالها عدة كتب.. بالرغم من الرقابة الصارمة التى فرضت عليه.. لم تعرف جدران السجون طوال التاريخ.. تعاطف جميع المساجين.. مع مسجون كما حدث مع مصطفى أمين.. كما تعاطف معه بعض حراسه.. ومن العجيب.. ان تطبع كتب مصطفى أمين فى لبنان.. وهو المسجون فى ليمان طره بالقاهرة.. يقول مصطفى أمين فى كتابه « لا «.. إن الورق الذى يكتب عليه.. كان يحصل عليه من زملائه السجناء.. الذين يطلبونه من أقاربهم خلال زياراتهم الدورية لهم.. وكان القلم من أحد حراسه الجنود.. وكان يخفى ما يكتبه داخل ملابسه الداخلية.. ويرسلها إلى بيروت لصديقه صاحب دار النشر.. وكان يبعث بها عن طريق أحد حراسه.. وعدد من زواره الكبار.. امثال الفنان الكبير صديقه عبدالحليم حافظ الذى اعتاد زيارته.. وكذلك ابنته الصحفية صفية.. ولم تفلح كل محاولات الرقابة الصارمة على مصطفى أمين.. فى منع وصول كتاباته إلى بيروت.. التى كان يرسلها عن طريق البريد بواسطة الاصدقاء من زواره أو من أقارب السجناء من زملائه.. وقال مصطفى أمين انه كان يخفى الراديو الترانزستور ايضا فى ملابسه الداخلية.. اما الإفراج عن مصطفى أمين.. فله قصة تستحق ان نتوقف امامها.. حيث انتهز عبدالحليم حافظ فرصة زفاف كريمة الرئيس السادات وبعد انتهاء وصلته.. توجه حليم للسادات فى وجود انيس منصور وموسى صبرى واحمد رجب قائلا للسادات.. بهذه المناسبة الجميلة ياريس لنا طلب.. فهز السادات رأسه قائلاً: ايه يا حليم.. فرد حليم.. الإفراج الصحى عن مصطفى أمين.. هو مريض وسنه كبير ياريس.. واستجاب السادات.. ليخرج مصطفى أمين للنور ويعود لعموده فكرة.. حتى وفاته عام 1997.. ليصبح مصطفى أمين.. أحد أهم رموز حرية الصحافة.. ليعيش فى وجداننا مدى الحياة.