«الحكاية كلها فكرة تمكنت منى فصارت حقيقة وهى سراب.. والبهحة أمر سهل لكن إذا طمعت فيها قتلتك، وأهلكتك».
هذا بعض ما جاء فى النص الروائى للكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد فى روايته «عتبات البهجة».. وفى معالجة مدحت العدل للرواية استبدل الأسماء والأماكن.. فالبطل أحمد تحول إلى «بهجت» وصديقه حسن إلى «عرفان» وهى أوقع فى العمل التليفزيونى ويحسب للشركة المنتجة أنها لجأت إلى رواية أدبية حتى تخرج من دائرة الاعتماد على شطارة الاقتباس وتكرار أفكار قديمة.
وكل من يتابع مسلسل الفخرانى يشعر بأنه مختلف.. ليس فقط عن الأعمال المعروضة التى تعتمد على سخونة الأحداث والأكشن والمطاردات والانتقام.. وحاسبوا الفخرانى على عصاه ومتى يتوكأ عليها.. ويهش بها على أحفاده.. الظروف التى تحيط بهم.. وتتسع بها الفجوة بين جيل جدو.. وأبناء هذه الأيام.. بين من تربوا فى مدارس الحكومة وعاشوا على الراديو.. وقنوات التليفزيون الرسمى الذى ينهى إرساله قبل منتصف الليل ويقول للناس تصبحون على خير.. وهذا الجيل الذى فتح عينيه على التكنولوجيا التى نقلته إلى أرجاء العالم.. وجاءت بثقافات الشرق والغرب إليه داخل بيته وغرفة نومه فأصبح التفاهم بين الأجيال القديمة والجديدة أشبه بحوار بين هندى وطليانى كلاهما يجهل لغة الآخر تماماً.
عتبة الفخراني
المخرج مجدى أبوعميرة من خلف الكاميرا ينتمى إلى جيل الفخراني.. بشكل أو بآخر.. والإيقاع الهادئ الذى يغلب على المسلسل بناسب موضوعه الذى يخوض فى مافيا الدروس الخصوصية.. وكيف تحوَّلت إلى سبوبة.. انفصلت فيها التربية عن التعليم تماماً.. ويقول الفخرانى مع صديقه عرفان إن القلوب يمكنها أن تظل شابة وان شاب الرأس واشتعل بياضه.. وانحنى الظهر.. ولجأ الكبير إلى عصاه.. وحكمته وخبرته يريد أن يتركها لأجيال الأولاد والأحفاد.
الموضوع يناسب يحيي.. وقد عرفت أن الترشيح الأول لدور عرفان كان يتجه إلى سيد رجب.. ثم وجدته يذهب إلى صلاح عبدالله.
.. و«رحب» باختلافه الجسمانى والحركي.. وإن اقترب من عمر بهجت كان الأنسب.. رغم قيمة صلاح المتواجدة فى أعمال أخري.
الملاحظ أن الأدوار فى معظمها كانت لائقة على أصحابها.. جومانا مراد وهنادى مهنا ومحسن منصور وعلاء مرسى وعلاء زينهم ووفاء صادق وهشام إسماعيل وصفاء الطوخي.. ومجموعة الشباب والمفاجأة فى هذا المتمرد خالد شباط الذى يؤدى دور عمر حفيد بهجت وشطحاته.. وسما إبراهيم زوجة عرفان.. والمطرب عنبة الحليوة الذى لا يتفق شكله اللطيف مع الأغانى التى يؤديها من باب أكل العيش وأن يواكب التيار المهرجاناتى السائد والسيناريو الذى شارك فى كتابته الرباعى: أحمد البوهي/ محمد الجيزاوي/ سمية صدقي/ أمانى عبدالباري.. كان بإمكانه أن يغوض أكثر فى تفاصيل إنسانية.. هى أساس الرواية التى كتبها عبدالمجيد .. وهنا يأتى دور مدحت العدل بحكم خبرته.. مع مراعاة ظروف يحيى وأنا ضد من يحكم عليه بكبر سنه.. متجاهلاً حضوره المدهش فى رواية لها مفاتيح عديدة وأشعر بأن الوقت قد داهم فريق العمل ولم يسعفه كما ينبغى بإعطاء العمل حقه والوصول به إلى ما هو أبعد.
أحلى المشاهد
ومسألة التغيير فى الرواية واردة جداً وأمر لا مفر منه عند تحويلها إلى مسلسل أو مسرحية لأن الوعاء مختلف والمجال مختلف والجمهور الذى يقرأ غيرذلك الذى يشاهد ويسمع.. ولابد للوصول أمام أعمار وثقافات ومستويات مختلفة موجودة أمام الشاشة فى البيوت.. والعمل متاح لها حتى وإن تم تصنيفه بعمر معين مثلما نجد الأعمال التى تحذر من وجود مشاهد عنيفة وألفاظ غير لائقة.. ولا ينصح بمشاهدتها لأقل من 16 سنة.. بينما حقيقة الأمر أن شريحة هذه السن.. أكثر التصاقاً بالتليفزيون وعندها الفضول لكى تتابع كل ما هو مثير وعنيف وخارج عن السيطرة كما يقول هذا الإعلام المستفز والمشاهد التى تجمع بهجت ولبنى رغم ما فيها من محاولات للقبض على لحظات من البهجة عن طريق أم كلثوم.. واستعادة الزمن الذى ذهب وولى ومعه أيام العمر.. ولم يبق إلا إطلال هذه الأيام وبقاياها.
هذه المشاهد كان من الممكن أن تتحول إلى لوحات إنسانية مثل تلك المشاهد التى جمعت عرفان مع زميلته القديمة وحاول من خلالها أن يستعيد روحه وحيويته وهو المتخصص فى أعشاب الأوجاع وإعادة الشيخ إلى صباه.. لكنه أخذها على الطاير.. وأظن أن المخرج تركه يقولها على راحته.. وبطريقته فغاب عنها الشجن وبدت مجرد هزار.. لتلميذ زوَّغ من المدرسة.. لكى يقابل التلميذة حبيبته بعيداً عن الأعين.. لكن وسائل الاتصال التى تحوَّلت إلى أجهزة مخابرات يمكنها أن تعرف كل شيء عن حياتنا حتى وإن أغلقنا الموبايلات.. نقطة مهمة جداً.. أو قل هى ضريبة التكنولوجيا التى ترفع شعار حياة أسهل.. لكنها فى حقيقة الأمر أكثر تعقيداً.. كأنها تعطى باليمين لتأخذ بالشمال أكثر مما تعطى وهذا المعنى دارت حوله الكثير من صفحات رواية عبدالمجيد.. بالمباشر وغير المباشر.
ولهذا وقف المسلسل بعيداً عن زحام المشهد الدرامى وفيه الكثير مما يستحق المتابعة والكلام والتحية.. ولنا معها وقفات قادمة بإذن الله.