توافر الصناعات وتعميق صناعة مكوناتها داخل أى دولة هو الملاذ الرئيسى لمواجهة تحديات التغيرات الجيوسياسية وعدم توافر العملات الاجنبية لدى الدولة لتدبير مطالب شعبها من المنتجات الصناعية المطلوبة للمجالات الزراعية والصناعية والحياتية.
وتعتبر منظومة صناعات الأسمدة بمصر أفضل مثال لأهمية توافر الصناعات داخل أى دولة، حيث نرى اهتمام قيادات ومهندسى الدولة المصرية بإنشاء مصانع لإنتاج الأسمدة بأنواعها المختلفة منذ الربع الثانى من القرن الماضى وحتى الآن مما ساعد على تحقيق اكتفاء ذاتى من العديد من أنواع الأسمدة بل وتحقيق فائض من الإنتاج للتصدير إلى الدول الأجنبية محققا عائداً دولارياً للدولة المصرية والصناع المصريين وتحقيق مساعدة للعديد من الدول الأجنبية من خلال استيرادهم للأسمدة المصرية لتحقيق الإنتاج الزراعى داخل دولهم.
ونجحت مصر فى الوصول لمرتبة متقدمة للدول المنتجة والمصدرة للأسمدة من خلال مجهودات شخصيات مصرية وطنية ابتداء من عبود باشا الذى بدأ صناعة الأسمدة الأزوتية فى السويس والذى يطلق عليها شركة النصر للأسمدة بعد تأميمها خلال ستينات القرن الماضي.. وبالنظر للأسمدة الأزوتية التى تشمل سماد اليوريا وسماد نترات الامونيوم اهتمت الدولة بإنشاء شركة كيما فى أسوان فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر وكان أول مصنع فى أفريقيا وآسيا يقوم بإنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال التحليل الكهربائى للمياه مستخدماً الطاقة الجديدة والمتجددة من خزان أسوان قبل بناء السد العالى واستخدامه لإنتاج الأمونيا وهو ما تنادى به دول العالم الغربى حاليا.
وتم إنشاء شركة طلخا للأسمدة فى عهد الرئيس السادات كما تم إنشاء شركة أبوقير للأسمدة التى تولى قيادتها العديد من المهندسين المتخصصين وأبرزهم المهندس أسامة الجناينى الذى تخرج فى جامعة القاهرة تخصص هندسة كيماوية عام ٤٦٩١ وتدرج فى المناصب داخل شركة أبوقير للأسمدة حتى أصبح رئيساً لمجلس الإدارة عام ٨٨٩١ ونجح فى تطوير شركة أبوقير وإنشاء خطوط جديدة لإنتاج سماد اليوريا وسماد نترات الأمونيوم بالتعاون مع كبرى الشركات الألمانية المتخصصة ونجح خلال تسعينيات القرن الماضى وأوائل القرن الحالى فى تحفيز المؤسسات المالية والبنكية والزراعية المصرية للمشاركة فى تأسيس وإنشاء أربع شركات جديدة: حلوان للأسمدة بحلوان وموبكو بدمياط والمصرية للأسمدة بالعين السخنة والإسكندرية للأسمدة بأبوقير حيث تولى رئاستها لعدة سنوات وأدت هذه المجهودات للمهندس أسامة الجناينى الأب الروحى لصناعات الأسمدة الأزوتية بمصر والدول العربية إلى تحقيق اكتفاء ذاتى من الأسمدة الأزوتية وتغلب مصر على تحدى العجز العالمى فى صناعات الأسمدة طوال الفترة من عام ٠٢٠٢ حتى عام 2023 بسبب أزمة كورونا وأزمة الحرب الروسية ــ الأوكرانية وتحدى صعوبة النقل البحرى بل ساعدت المصانع المصرية فى تحقيق عائد تصديرى بأكثر من ٤ مليارات من الدولارات خلال عام ٣٢٠٢ وتخطى أزمة ارتفاع الاسعار العالمية لسماد اليوريا حتى 1100 دولار للطن بينما يتم بيع السماد محليا للمزارعين بمبلغ ٠٠٥٤ جنيه مصرى فقط.
وفى مجال صناعات الأسمدة الفوسفاتية نرى تواجد شخصيات مصرية عملاقة شاركوا فى تشييد عدة مصانع لإنتاج الأسمدة الفوسفاتية بأنواعها المختلفة وهم: المهندس شريف الجبلى الحاصل على بكالوريوس هندسة كيماوية فى جامعة القاهرة عام ١٧٩١ والدكتوراه من بلغاريا وأدى اهتمامه بالصناعة وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الأسمدة الفوسفاتية بأنواعها المختلفة إلى شراء شركة أبوزعبل للأسمدة بأبوزعبل وتطويرها باستمرار وإنشاء مجموعة شركات بولى سيرف للأسمدة والكيماويات كوسيلة لتصنيع الأسمدة الفوسفاتية وحمض الفوسفوريك وحمض الكبريتيك فى عدة محافظات لتقليل تكاليف النقل وتسهيل حصول المزارعين على احتياجاتهم من الأسمدة بسهولة ويسر وبأسعار غير باهظة.
ويعتبر المهندس الزراعى محمد الخشن أحد المصريين الذين شاركوا منذ عام ٦٠٠٢ فى تلبية مطالب الزراعات المصرية من الأسمدة الفوسفاتية MKP, MAP- إلخ» وحمض الفسفوريك وحمض الكبريتيك وحمض الهيدروكلوريك وكبريتات النحاس وكلوريد الكالسيوم ونترات الكالسيوم من خلال إنشاء أول مصنع فى أبورواش عام ٦٠٠٢ ثم إنشاء المصنع الأكبر فى مدينة السادات عام ١١٠٢ لإنتاج الأسمدة البوتاسية وزيادة الطاقة الإنتاجية للأسمدة الفوسفاتية.. وفى مجال صناعات الأسمدة البوتاسية لاننسى الدور الحيوى للمهندس حسن المير فى إنشاء الشركة الدولية للصناعات الكيماوية كبرى الشركات المصرية فى المدينة الصناعية بجمصة محافظة الدقهلية لإنتاج سماد سلفات البوتاسيوم للاستهلاك المحلى والتصدير وحمض الكبريتيك وحمض الهيدروكلوريك. وهنا نثمن دور شركة أميسال فى الفيوم لإنتاج سماد سلفات الماغنسيوم من مياه بحيرة قارون.
بالإضافة إلى مجهودات هولاء المصريين لتعميق صناعات الأسمدة المصرية لا ننسى دور عشرات المصريين الآخرين الذين شاركوا فى إنشاء عشرات المصانع فى برج العرب والعامرية وبنى سويف وأسيوط والمنيا وأسوان وقنا والغربية والشرقية لتلبية مطالب الزراعات المصرية والحد من الاستيراد بل تحقيق فائض للتصدير ولا ننسى دور الشركة المالية بكفر الزيات ومصانعها فى أسيوط ولا ننسى مجهودات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية والسادة وزراء الدفاع منذ عام ٠٩٩١ لتطوير شركة النصر للكيماويات الوسيطة فى أبورواش ثم فى كوم أوشيم وأخيرا فى العين السخنة حيث أنشأ الرئيس عبدالفتاح السيسى أكبر مجمع صناعى لإنتاج كل أنواع الأسمدة شاملاً خطوطاً لإنتاج سماد اليوريا ونترات الأمونيوم والأسمدة الفوسفاتية TAP, MAP, DAP وسماد كبريتات البوتاسيوم وأحماض النيتريك والفوسفوريك والكبريتيك والهيدروكلوريك.. وهنا لا ننسى دور اللواء دكتور مهندس مختار عبداللطيف.
إن ملحمة صناعات الأسمدة وتعميق مكوناتها ملحمة مصرية باهرة ومن أنجح المنظومات الصناعية داخل مصر وساعدت ومازالت تساعد فى تدبير كل مطالب المزارعين من الأسمدة بل وتحقيق فائض للتصدير واقتحام السوق الإفريقى والآسيوى والأوروبى والعربى وتحقيق صادرات من كل أنواع الأسمدة بقيمة ٦ مليارات دولار خلال عام ٣٢٠٢.