تقود مصر تحركات حثيثة، من موقعها وثقلها ومسئوليتها
ما أشبه الليلة بالبارحة، ترامب يعيد مأساة نكبة فلسطين، ويحاول أن يقضى على البقية الباقية منهم فى أرضهم، ويفعل أكثر مما ذهب إليه وعد بلفور بإقامة «وطن» لليهود فى فلسطين، ويحاول الرئيس الأمريكى أن يخلع وينتزع أصحاب الأرض من جذورهم، ليفسح المجال للغاصب المحتل، لكن الأمر هذه المرة أكثر خطورة، فما قبل العام 1948 كان هدف الغرب مجرد إيجاد مكان لليهود، أما هذه الخطوة فلا تقتصرعلى التوسع الصهيونى الذى شبهه ترامب مثل حجم «القلم»، إنما تهديد صريح للوجود والأمن القومى العربى كله، بتصريحات متهورة وغير مدروسة لا تعى عواقب الأمور.
الأمة العربية الآن على المحك، إما أن تكون أو لا تكون، ومن ثم تقود مصر تحركات حثيثة، من موقعها وثقلها ومسئوليتها، للتصدى لهذا الخطر القادم الذى يستهدف اجتياح الأمة، ومن ثم يأتى انعقاد القمة الخماسية فى الرياض بعد غد، بمشاركة قادة مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن، للرد على خطة الرئيس الأميركى بشأن قطاع غزة، والتى يعتزم فيها تهجير الفلسطينيين من القطاع بحجة واهية وهمية بإعادة الإعمار، ومن أجل حياة أفضل لسكان غزة فى مكان آخر، فيما لا ينطلى على عقل طفل صغير.
وقد أثار ترامب ذهول العالم عندما أعلن مقترحه بسيطرة أمريكا على غزة وإعادة بناء المناطق المدمرة وتحويلها إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» بعد ترحيل الفلسطينيين من دون خطة لإعادتهم، وواجه الاقتراح الصادم ردود فعل إقليمية ودولية رافضة واسعة النطاق، وأثار تحركاً عربياً موحداً فى شكل نادر.
وتأتى القمة الخماسية فى الرياض للتوصل إلى رد على خطة ترامب وقبل القمة العربية الطارئة المرتقبة فى القاهرة الأسبوع المقبل، ومن أجل صياغة موقف موحد، وبلا شك فإنه لا خلاف هذه المرة على الهدف، والجميع على قلب رجل واحد، والتنسيق على مستوى عال.
وأظن يقينا، أن القمتين العربيتين، تأتيان هذه المرة فى ظرف شديد الخطورة والحساسية، وستكونان مختلفتين تماما ربما عن جميع القمم السابقة وستكون النتائج تاريخية بكل المقاييس، تطرح رؤى وحلولا وتتخذ مواقف محددة وحاسمة، وتتجاوز الشعارات القديمة المعتادة.
وتعتبر القمة الخماسية فى الرياض، مفتاح النجاح للقمة العربية التى تتصدى للتحديات التى تعصف بالأمة، وتعمل على بناء حائط صد عربى وتشكيل توافق يمهّد لإنجاح القمة الطارئة، فى لحظة غاية فى التعقيد وسط الأطماع الإسرائيلية والأمريكية المتغولة، لتحدث القمة تحولاً نوعياً فى الموقف العربى متجاوزة التنديد التقليدى والانتقال إلى إجراءات فاعلة وملزمة تعكس الإرادة السياسية، وتتطلب قرارات مصيرية من القادة.
القمة العربية الطارئة، التى تعقب القمة الخماسية، من المتوقع أن تدعما المقترح المصرى لإعادة الإعمار فى الأروقة الدولية، فى لحظة مفصلية وتاريخية فى الموقف العربى، ومواجهة الخطر الداهم الذى يفرض على العرب تغيير طريقة تعاملهم التقليدية، تجاه الهيمنة الأمريكية والغطرسة الإسرائيلية والعدوان المتصاعد، والتصدى لتصفية القضية الفلسطينية، عبر سياسات الاستيطان أو خطط التهجير، التى رفضتها مصر بكل حسم وشجاعة وقوة مدعومة بالاعتماد على الحق بموقف واضح.
وتطرح مصر خطة لإعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها، خاصة أن موقف القاهرة الرافض للتهجير لم يكن وليد اللحظة، بل ثابت وراسخ، وقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس الأول مجددا، أهمية إعادة إعمار القطاع، مع ضرورة عدم تهجير سكانه من أراضيهم، وأن مصر تعد «خطة متكاملة» فى هذا الشأن، وشدد خلال استقباله لرئيس الكونجرس اليهودى العالمى، رونالد لاودر، على أهمية البدء فى إعادة الإعمار، وتحلى جميع الأطراف بالمسؤولية لضمان المحافظة على وقف إطلاق النار، مؤكداً أن استمرار الصراع وتوسيع نطاقه سيضر بكافة الأطراف، وأن إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، الضمانة الوحيدة لتحقيق السلام الدائم.