فى شوارع المدينة، وعلى كورنيش النيل، ظهر مشهد جديد فى الآونة الأخيرة، مجموعة من المواطنين، رجالًا ونساءً، وأحيانًا عائلات بأكملها، افترشوا الشوارع والكباري على سبيل المثال أعلى كوبرى أكتوبر وميدان الجيزة وترعة المريوطية وغيرها، واتخذوا من البطاطين مأوى لهم، بعضهم صنع من هذه الأغطية خيامًا صغيرة، وكأنها أصبحت بديلاً عن المنزل الذى فقدوه، بينما آخرون يكتفون بالنوم تحت السماء المفتوحة حتى الظهيرة، لا أحد يعرف ما الذى دفعهم لهذا المصير، هل هو الفقر القاسي؟ أم أنها طريقة مستحدثة للتسول؟ أم أن هناك أسبابًا أخرى أجبرتهم على جعل الشارع بيتهم؟
رغم قسوة المشهد، لا يزال الأمل موجودًا، فهؤلاء الأشخاص، مهما بدت ظروفهم صعبة، يمكنهم أن يبدأوا من جديد إذا مُنحت لهم الفرصة المناسبة، ليس هناك إنسان يختار الشارع برغبته، وكل فرد من هؤلاء له قصة تستحق أن تُسمع، وربما حلم يستحق أن يتحقق، البعض منهم فقد منزله بسبب عدم قدرته على دفع الإيجار، والبعض الآخر وجد نفسه بلا مأوى بعد خلافات أسرية، وهناك من يعانى من مشكلات نفسية واجتماعية جعلت العودة للحياة الطبيعية أمرًا صعبًا.
لكن الحقيقة أن الحلول موجودة، والمستقبل ليس مظلمًا كما يبدو، الدولة لا تقف مكتوفة الأيدي، فوزارة التضامن الاجتماعى تعمل بالفعل على تنفيذ برامج تهدف إلى إنقاذ هؤلاء الأشخاص وإعادة دمجهم فى المجتمع، مثل برنامج «إنقاذ المشردين ومن لا مأوى لهم» الذى يوفر لهم مأوى ورعاية صحية، لكنه لا يكفى وحده، الحل الحقيقى يكمن فى تمكينهم من بناء حياة مستقرة، وليس مجرد إيوائهم لفترة قصيرة.
لكى يتمكن هؤلاء الأفراد من الخروج من دائرة التشرد، لا بد من منحهم فرصة حقيقية للعمل والتعلم، يمكن تدريبهم على الحرف المختلفة مثل النجارة، والخياطة، والسباكة، وأعمال الصيانة، حتى يصبح لديهم مصدر دخل يعيد لهم كرامتهم، بعضهم قد يكون لديه خبرات سابقة يمكن تطويرها، والبعض الآخر يحتاج إلى التعلم من البداية، لكن فى النهاية، الجميع لديه القدرة على التغيير إذا وجد الدعم المناسب.
الدور هنا لا يقع على عاتق الحكومة فقط، بل يجب أن يكون هناك تعاون مجتمعى واسع، رجال الأعمال، والجمعيات الأهلية، وحتى الأفراد القادرون، يمكنهم أن يساهموا فى توفير فرص عمل لهؤلاء الأشخاص بعد تأهيلهم، مما يضمن لهم بداية جديدة بعيدًا عن حياة الشارع.
التغيير يبدأ حين نرى هؤلاء الأشخاص كأفراد يمكنهم العيش بكرامة، وليس مجرد مشهد غير حضارى نريد التخلص منه، يمكننا جميعًا أن نكون جزءًا من الحل، سواء بالمساعدة فى دمجهم فى سوق العمل، أو حتى بتغيير نظرتنا إليهم ومنحهم فرصة جديدة للحياة.
مازال المستقبل يحمل الكثير من الفرص، والطريق إلى حياة كريمة ليس بعيدًا، فقط يحتاج هؤلاء الأشخاص إلى من يمد لهم يد العون، ويدلهم على الطريق الصحيح، الحياة لا تتوقف عند محطة واحدة، ومن فقد مأواه اليوم، قد يجد غدًا بيتًا جديدًا، وحياة مختلفة، ومستقبلا أفضل.