نعيش أخطر مرحلة من مراحل الصراع العربى الإسرائيلي، ومن لم يصدق عليه فقط مراجعة المواجهات التى وقعت فى سنوات وعقود سابقة ليتأكد أن المرحلة الحالية هى الأخطر وأنها بالفعل مرحلة « فاصلة» فى تاريخ الصراع، وقد يتسبب مخطط التوسع الصهيونى الجارى تنفيذه حاليا فى نتائج كارثية إذا لم يتم منعه، كما قد تؤدى جهود مصر والدول العربية للتصدى لهذا المخطط ووقف تنفيذه إلى تقويض إسرائيل وفرض السلام عليها مثلما حدث بعد نصر أكتوبر 1973، وهو النصر الذى بدأ العرب الأخذ بأسبابه فى هذه المواجهة الحالية التى اشتعلت فى الشهور الأخيرة من العام 2023 ولم تنته حتى الآن.
والحقيقة التى يجب أن تعرفها جيدا الأجيال الحالية من الشباب وصغار السن، هى أن وصف المرحلة «الحالية» بالأخطر على مدار الصراع الإسرائيلى مقارنة بسابقتها، يأتى فى ظل حقائق ثابتة على الأرض، نعرفها جيدا وهى أن العرب لم يكونوا فى وضع يسمح لهم بالتصدى لمعاهدة «سايكس بيكو» الموقعة عام 1916 ولا لـ «وعد» وزير الخارجية البريطانى آرثر جيمس بلفور الصادر فى العام التالى « 1917»، ومن ثم فقد تم تقسيم المنطقة وفق ما جاء بالمعاهدة وإنشاء إسرائيل فى فلسطين منتصف القرن الماضى حسب الوعد البريطاني، وكانت النتيجة وجود خلافات عربية – عربية بسبب الحدود التى اقرتها «سايكس بيكو» وزرع كيان صهيونى زادت مساحته عما أشار إليه الوعد البريطانى، بل إن جرائم إسرائيل تحولت بمرور الوقت إلى كابوس يؤرق العرب، وإلى مرض سرطانى يهدد المنطقة كلها.
نعم لم يكن العرب فى القرن الماضى فى أوضاع أمنية وسياسية تسمح لهم بالتصدى للمخططات الاستعمارية وفشلوا بعد نكبة 1948 فى منع قيام كيان صهيوني، هذا الكيان الذى شارك بعد ذلك فى العدوان الثلاثى عام 1956 على مصر، وخرج منه بمنفذ على البحر الأحمر» أم الرشراش- أو ميناء «إيلات» حسب المسمى الإسرائيلى حاليا»، كذلك جاءت مؤامرة 1967 لتؤكد أطماع إسرائيل والصهيونية العالمية فى الأراضى العربية، إذ إن مساحة إسرائيل التى لم تزد على 20 ألف كيلو متر مربع فى صباح 5 يونيو 1967، بلغت نحو مائة ألف كيلو متر مربع بعد 6 أيام فقط من شن هذه الحرب والتى انتهت باستيلاء إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان السورية.
جاءت حرب أكتوبر1973 بعد ذلك لتفاجيء الجميع «إسرائيل والغرب والصهيونية العالمية» وكل من توقع عدم قدرة مصر والعرب على شن حرب ضد إسرائيل فى ظل ثلاث معوقات رئيسية» قناة السويس – الساتر الترابي- وخط بارليف الحصين» غير أن مصر قهرت المستحيل وعبرت القناة وحطمت بارليف والساتر الترابي، وتم تحرير قطاع كبير من سيناء كان يمكن أن يشمل سيناء كلها لولا تدخل الغرب ولولا إمداد الولايات المتحدة لإسرائيل بالمعلومات والسلاح والجنود.. لقد كانت المفاجأة مذهلة وكان الانتصار ساحقا رغم المعوقات والعراقيل، وهو ما استفاد منه الرئيس الراحل أنورالسادات بعد ذلك فى إجبار إسرائيل على التفاوض وتوقيع إتفاقية السلام مع مصرعام 1979 والتى استعادت مصر من خلالها سيناء كاملة، فيما بقيت أراضى عربية أخرى تحت الإحتلال وتراجعت مساحة إسرائيل من مائة الف متر مربع إلى نحو 33 ألف كيلو متر، وهو الأمر الذى اغضب المتطرفين فى إسرائيل، وشنوا بسببه الحروب وعاد الحديث عن توسعة مساحة إسرائيل على حساب الأراضى العربية.
هذه هى المحطات الرئيسية والكبرى فى الصراع العربى الإسرائيلي، والذى شهد بعد ذلك عدداً من الحروب « المحدودة» فى العقدين الأول والثانى من القرن الحالي، اقتصرت على الحرب بين جيش الاحتلال والمقاومة فى الأراضى الفلسطينية والجنوب اللبنانى انتهت كلها خلال أسابيع قليلة، غير أن ما حدث من حروب إسرائيلية منذ أكثر من 15 شهرا فى قطاع غزة، وبعد ذلك فى الضفة الغربية و الجنوب اللبناني، كذلك استغلال الظروف فى سوريا واحتلال مساحة كبيرة من أراضيها، يؤكد أن إسرائيل بدأت أخطر مرحلة من الصراع العربى الإسرائيلي، وأن الكيان الصهيونى الذى يعمل حاليا على تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى دول مجاورة، وتصفية القضية الفلسطينية نهائيا، بمعنى أننا كعرب أصبحنا أمام مخطط تقسيم جديد يفوق فى خطورته ما ورد فى اتفاقية « سايكس بيكو»، وتزيد آثاره السلبية عما حمله وعد «بلفور» قبل نحو 14 عقدا ماضية.
مرة أخري، فإن أبناءنا من الشباب وصغار السن عليهم أن يعرفوا من معلميهم ومن أسرهم كل المعلومات السابقة، وكل مراحل الصراع العربي- الإسرائيلي، لأننا فى لحظة فارقة قد نحتاج إليهم ولسواعدهم قريباً، فالعدو الإسرائيلى بات يشكل خطرا حقيقيا على بلادنا، وعلينا جميعا الاستعداد لمواجهته وردعه والتصدى لجرائمه و»غروره»..