أيها القارئ العزيز.. «ويا نفسي».. ويا كل من يحتسب نفسه.. مؤمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر.. «ولا يفرق قط بين رسله».. وقد علم أنه مكلف بعبادة الله.. «ابتلائيا».. بل وقد علم أن واقع ذاك التكليف عمليا.. «ما هو سوى سياسته».. نعم.. سياسته فى الأرض والناس بمقياس.. عمارة الأرض بما ينفع الناس.. «دنيا وآخرة».. أود أن أذكره بأمر ونبأ عظيم.. يقول الله العليم بما خلق عنه ..»قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا . الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا».. (105/ الكهف).. نعم.. أظنهم من .. استبدلوا بموازناتهم السياسية.. «موازنات ميزان الله».. نعم.. استبدلوا بآيات ذواتهم النفسية.. «آيات الله المحكمة».. نعم.. استبدلوا خراب الأرض بعمارتها.. «وضرر الناس بنفعهم».
لننظر ونحن مازلنا أشباه أحياء.. فقبل أن يكلفنا الله بالعبادة ابتلاء.. «ضمن لنا البقاء».. فأحصن لنا استدامة الهواء.. وأنزل لنا من السماء.. «الماء».. سقاية وإنبات لنا ولأنعامنا.. «الغذاء».. فماذا صنعت أيدينا بسياسة الغباء.. سوى تلويث الهواء والتفريط فى الماء وتسميم الغذاء.. وبتلك الجهالة والادعاء.. صنعنا ما أسميناه دواء.. فما حصدنا منه سوى انتشار الوباء.. الذى صار سياسيا تجارة بالضعفاء.. وحصد لأنفس الفقراء.. وسلطانا لظنون الأقوياء.. «وبهذا الداء».. استبدلنا الفناء بالبقاء.. وحينئذ.. بتنا جميعا نبحث عن سبيل اتقاء.. وقد أثقل كواهلنا العناء.. وعجبا إن حدثنا أحد الفقهاء.. عن سبيل الاهتداء.. وما أتت به الرسل والأنبياء.. وما أحاطنا الله به من آلاء.. وما ينقصنا من حق وفاء.. سخرت منه السياسة بالهجاء.. ووصفته بالنكران والعداء.. لما تبذله من عطاء.. وما يكلفها ذلك من عظيم فداء.. يستحق من الجميع عظيم التقدير بل والطاعة اقتداء.
والآن.. قد توجبت علينا العودة.. إلى حيث التوقف أمام رسل الله.. «موسى وعيسى ابن مريم».. بمقياس.. «الحلم».. دون أن نغفل أنهما من.. «بنى إسرائيل».. أي.. من ذرية.. «إسحاق العليم».. ولكن.. قبل أن نبدأ بحث وقفتنا.. قد تحتم علينا تأكيد الآتى بعد.. (١) أن كل من إسماعيل الحليم وإسحاق العليم.. «وذريتهما».. هم جميعا من ذرية.. «إبراهيم».. الذى أوصاهم.. بوصيته لبنيه ويعقوب.. بألا يموتن إلا وهم مسلمون.. (٢) إن وقفتنا البحثية مقيدة إسلاميا لله.. بانعدام التفريق بين رسل الله جميعا.. (٣) وأننا نؤمن.. حتى كتابة هذه الكلمات.. أن منتهى الإيمان بالله هو.. «الإسلام لله».. وأن ذاك الإسلام يتفاوت قدرة كميا ونوعيا وكيفيا.. سياسيا فى الأرض والناس.. «بين مؤمن وآخر».. وأن ما من غافل أو ناسي.. «أو كافر بالله».. إلا وسيدرك حقه حين يدركه مقدور الموت.. أي.. بعد أن رفعت الأقلام وجفت الصحف.. أي.. بعد فوات أوان الابتلاء العبودي.. «بالاختيار».. فمن يشاء فليتخير قبل فوات الآوان.. (٣) إن احكامات حكمة الله سبحانه وتعالى بآياته.. «فى خلقه وبخلقه».. هى أمر وشيء مستحيل إدراك حق ماهيته الكلية.. نعم.. «كميا ونوعيا وكيفيا».. وذلك لأن الله تعالى قد أحكم.. «كل أمر وشيء».. بكل أسمائه الحسنى مجتمعة.. نعم.. «أحكم بكلية علمه».. ثم.. كتب على نفسه القدسية.. «الرحمة».. فسبحانه الرحمن الرحيم.. الذى يسر الذكر لمن يشاء.. «التذكر».. وهو محصن بالقرآن وسنة الرسل وخاتمهم.. وسؤال أهل الذكر.. وتأويل اللغة العربية المبينة.. ثم اتبع سبيل من أناب.. وبما فتح الله به على من يشاء من.. «عبادة».. واستمسك بالتوكل على الله وتسبيحه.. إلخ.. (٤) إذن.. وقفتنا البحثية هى مجرد اجتهاد بكل ما سبق.. بقدر استطاعتنا.. «لاستشفاف».. حق رحيق تكاملية آيات العليم بكل ما خلق.. «سبحانه».. وحينئذ.. اعتذر حين ذكرت من قبل أن مسعى بحثنا هو.. «إدراك احكامات الله».. واستغفر الله على ذلك.
والآن.. لنعود إلي.. «موسى وعيسى ابن مريم».. صلوات الله عليهم وعلى رسله أجمعين.. «ونبدأ بموسي».. وحصيلة ماهيته منذ.. عهده مع الله وهو.. «ذر».. حتى مماته.. وذلك بمقياس.. «الذكر الحكيم».. والذى حدد لنا بداية.. «معلومة».. أتتنا من خلال.. «وحى الله لأم موسي».. وهو بالكاد.. «طفل رضيع».. حيث قال العليم سبحانه بما خلق.. «نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون».. (٣/ القصص).. ويقول.. «وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين».. (٧/ القصص).. فأطاعت أمر الله.. وألقته فى اليم.. ولكن.. «وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين.. وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون».. (١١/ القصص).. «فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين.. وقالت امرأة فرعون قرت عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون».. (٩/ القصص).
وإلى لقاء إن الله شاء
ملاحظة هامة
خير المكر.. من سبل حق المؤمنين سياسيا..