تشهد القضية الفلسطينية تطورات خطيرة تهدد مستقبلها، حيث تواجه محاولات مستمرة لتصفية حقوق الشعب الفلسطينى عبر سياسات القمع والتهجير القسرى.. الطر ح الأمريكى الأخير بشأن غزة تجاوز كل القوانين الدولية، متجاهلاً حل الدولتين ومكرساً لواقع جديد يكرس الاحتلال ويشرعن التوسع الإسرائيلى.. فى ظل هذا المشهد، يتزايد القلق من أن يتحول الظلم المستمر إلى عامل رئيسى فى تأجيج الصراعات فى المنطقة، خاصة فى ظل رفض عربى ودولى واسع لهذه السياسات.. ومع استمرار ازدواجية المعايير فى التعامل مع القضية الفلسطينية، تظل الحاجة ملحة إلى تحرك سياسى ودبلوماسى يحمى حقوق الفلسطينيين ويعيد التوازن إلى مسار السلام.
الطرح الأمريكى الأخير بشأن مستقبل قطاع غزة، الذى تضمن أفكاراً صادمة حتى لحلفاء واشنطن، يمثل خروجاً على كل الالتزامات الدولية، متجاهلاً حل الدولتين الذى قامت عليه عملية السلام لعقود.. هذا الطرح لا يكتفى بإضفاء الشرعية على الاحتلال الإسرائيلى، بل يسعى لفرض تهجير قسرى لملايين الفلسطينيين، فى مشهد يكرس الظلم ويفتح أبواب التصعيد والتطرف فى المنطقة بأسرها.. فالقضية الفلسطينية التى شهدت إبادة جماعية على مدى أكثر من 15 شهراً، تواجه اليوم مخططاً لإنهاء وجود شعب بأكمله تحت غطاء الدبلوماسية.
كان لمصر دور محورى فى الدفاع عن القضية الفلسطينية، مستندة إلى موقف ثابت رافض لأى محاولات لتصفية الحقوق الفلسطينية أو فرض حلول أحادية الجانب.. وجاء الرد الرسمى المصرى واضحاً وحاسماً، إذ شددت القاهرة على أن التهجير القسرى للفلسطينيين ليس مجرد انتهاك للقانون الدولى، بل يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومى المصرى وللاستقرار الإقليمى.. فمنذ بداية التصعيد، قادت مصر جهوداً دبلوماسية مكثفة لوقف إطلاق النار، وتخفيف معاناة سكان غزة، مع التأكيد على ضرورة التمسك بحل الدولتين كخيار وحيد لتحقيق السلام العادل.
أما الموقف العربى فقد كان حاسماً فى رفض هذه السياسات، حيث أكدت الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية التى جاء موقفها الثابت بضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.. وأكد ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلا بعد تحقيق هذا الهدف، فى رسالة واضحة بأن التلاعب بالقضية الفلسطينية لن يمر دون مواجهة سياسية ودبلوماسية.
لم يقتصر الرفض على الجانب العربى، بل امتد إلى مواقف دولية رافضة لتصفية القضية الفلسطينية، شملت دولاً كبرى مثل بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، وإسبانيا، إضافة إلى مواقف الأمم المتحدة التى حذرت من خطورة هذه الطروحات على استقرار المنطقة.
ما يجرى اليوم لا يعكس فقط تغيراً فى السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، بل يؤكد أن النظام العالمى القديم يلفظ أنفاسه الأخيرة، مع سقوط منظومة القوانين والاتفاقيات الدولية أمام سياسات القوة والهيمنة.. ومن هنا، فإن الحفاظ على الهدنة فى غزة والعودة إلى مفاوضات جادة لحل الدولتين ليس مجرد خيار دبلوماسى، بل ضرورة لمنع تفجر الصراع مجدداً بشكل قد يتجاوز حدود الإقليم.
الكرة الآن فى ملعب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى تحدث مراراً عن رغبته فى تحقيق السلام، لكنه يواجه اليوم اختباراً حقيقياً لقدرة واشنطن على لعب دور الوسيط النزيه، بدلاً من الانحياز الأعمى لإسرائيل.
على الجانب العربى، لابد من التعامل مع هذه المرحلة بحكمة وواقعية، بعيداً عن الشعارات والمزايدات.