هل العالم مقبل على فوضى قانونية، من شأنها أن تعيد لغة التعامل بالأذرع الطويلة أو بالقوة المفرطة، بعيداً عن أى حسابات قانونية أو مبادىء للتعامل مما توافقت عليها المجتمعات منذ فترة طويلة؟!.. أم أن العالم مقبل على شكل جديد من أشكال القانون التى من شأنها أن تضبط حالة الاضطراب التى صنعتها بعض القوى فى النظر إلى القانون الدولى، الذى بات مهدداً بالتلاشى على أرض الواقع وأصبح فى حاجة إلى جهود من يخافون على هذا العالم من فوضى يأكل فيها القوى الضعيف وينهب ثرواته ويستعبده دون خوف من روادع قانونية صارمة كانت قائمة؟!
صحيح، أن خروجات كثيرة كانت تتم على القانون الدولى منذ أمد.. لكن الذى يحدث مؤخراً فاق كل ما حدث، لأن الذين كانوا يخرجون على القانون الدولى فى الماضى يفعلون ما يفعلون وهم يدّعون الالتزام بالقانون الدولى ويأتون بالمبررات والحجج والقرائن يسوقونها تدليلاً على التزامهم بالقانون الدولى.. أما ما يحدث فى أيامنا، فهو خروج سافر يحرص صاحبه على إرسال رسالة للعالم، بأنه لا يعبأ بأى قانون يحد من جوره على الآخرين وفرض سيطرته ورآه عليهم، بل يتصرف فى أرض الغير باعتبارها أرضاً له لا رأى لمواطنيها، بل يخطط لطردهم منها عنوة.. والنموذج الصارخ لذلك الإعلان عن التهجير أو تحويل غزة إلى ريفيرا، أى منطقة سياحية وسوف يقيم الفلسطينيون فى مناطق أخرى فى البلدان المجاورة، وهو كلام يتجاوز القانون الدولى كأنه غير موجود، كما أنه لا يعبأ بأصحاب الأرض، فيفرض عليهم ما يريد، كما أنه يريد أن يتسلم أرضاً لا علاقة له بها.. وهو ما لا يقره قانون.
أيضاً الحديث عن معاقبة المحكمة الجنائية الدولية الدولية لأنها قامت بما يمليه القانون عليها تجاه أشخاص ارتكبوا جرائم حرب.
. كل هذه التصرفات من شأنها تقويض القانون الدولى، لأنها أولاً ستغرى آخرين بالتصرف بنفس النهج.. وثانياً ستفقد الضعفاء الأمل فى القانون الدولى، فيلجأون إلى وسائلهم الممكنة فى الانتقام لأنفسهم، كالاغتيالات أو التفجيرات وسلوك العصابات فى التعامل الدولى.
قد تدفع هذه التصرفات عقلاء العالم إلى إنشاء آليه جديدة، من شأنها أن تحد من هذا التطرف فى التصرفات الدولية التى لا تتوقف آثارها على الضعفاء فقط، وإنما ستمتد إلى الأقوياء أيضا الذين قد يفاجأون بالنار التى أوقدوها تحرق أطرافهم ولا يستطيعون لها دفعاً، بعد أن تتوحش.
وكأننا بحديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، الذى جاء رحمة للعالمين يحذر المجتمعات من ترك قاصرى النظر يتصرفون كما يحلو لهم.. حيث وصف المجتمعات بالسفينة التى أقام البعض فى أعلاها والبعض الآخر فى أسفلها، فقال من بأسفلها لو أننا خرقنا خرقاً فى السفينة من ناحيتها لنحصل على الماء بدلاً من الصعود إلى أعلى كلما احتجنا إلى الماء، فلو ترك الذين فى أعلى السفينة من بأسفلها يفعلون هذا لغرق الجميع ولو منعوهم لنجى الجميع.
المجتمع الدولى مطالب بوقفة جماعية لحماية «السفينة العالمية» من خلال تفعيل القانون الدولى على الجميع أو بوضع آلية جديدة تمنع من يفكر فى الخروج عليه من الخروج عليه.. قبل مرحلة الغرق التى قد لا يستطيع أحد التكهن بمداها ومتى تنتهى.