بدأ التراجع عن مخطط التهجير، بدأت عملية تجميد التصريحات التى جرت خلال الأيام الأخيرة، حالة الثقة التى كانوا يتحدثون بها بدأت تتهاوى، قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لسنا فى عجالة فيما يتعلق برؤيته لقطاع غزة، وأن واشنطن لن ترسل قوات إلى غزة، ولن نضخ استثمارات فى القطاع، تلك بعض المؤشرات التى تقول إن الفكرة تتلاشى، والإحباط الإسرائيلى بدا واضحاً، كانوا يعتقدون أن الأمر بسيط وهين.. حيث نضع الجميع أمام الأمر الواقع أو حين تظن دولة الاحتلال أنها جاءت بأمريكا لتنفيذ المخطط وكأننا سنخاف ونفزع، لم يفلح الاستقواء الإسرائيلى بالجانب الأمريكى.. ولم تخل أو تنطلى علينا تغليف مخطط التهجير بطبقة إنسانية وتنموية بحجة أن الحياة لم تعد تصلح فى غزة، والزعم أنهم لن يستطيعوا العيش فى القطاع، وأنهم يستحقون حياة ممتعة، ولا أدرى ما هى المتعة فى شعب يتم اقتلاعه من وطنه قسرياً وبقوة القتل والإبادة والسلاح، كيف يمكن أن يقبل العالم، هذا السقوط الأخلاقى، كيف توهموا أن هذا المخطط يمكن أن يجرى ويرى الواقع بعد أن قالت مصر «لا وألف لا»، ولن يحدث، ومحدش يقدر، ولا تنازل ولا تساهل، و«خط أحمر».
لم تكتف مصر بالتصريحات، أو التحركات على أرض الواقع، وأن التهجير مرفوض، مهم كلفنا الأمر، ذهبت التحذيرات، التى يؤيدها الواقع بكل ما يحمله من قوة وجاهزية فلم تكن مجرد تصريحات تحمل الرفض القاطع، والتحذير الحاسم، فالتهجير يعنى سقوط السلام، وفتح أبواب جهنم إذا تم تجاوز الخطوط الحمراء، هذا ليس كلاماً إنشائياً أقوله ولكنه واقع جرى فى السر والعلن فى الهواء الطلق وفى الغرف المغلقة، فى جاهزية الرجال ومسارح العمليات، ولم يكن تراجع الموهومين عن فكرة الشيطان، إلا نتيجة للعين الحمراء المصرية فالمارد المصرى، انتفض، وبات جاهزاً لكل الاحتمالات والسيناريوهات، فلا سلام مع التهجير ولا لين مع الظلم، ولا تهاون مع تهديد الأمن القومى.
قوة الموقف والدور المصرى الصلب، لم تأت من فراغ بل نتاج عمل وجهد ورؤية وإرادة على مدار أكثر من 10 سنوات، قادها الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أدرك أن هذه اللحظة قادمة لا محالة، لذلك جاءت الاستعدادات وبناء القوة والقدرة الشاملة على قدم وساق، تلك هى الرؤية واستشراف المستقبل الذى حمى القرار والموقف المصرى، فإذا قالت فعلت، وإذا رفضت، انصاع الجميع بل وتقف على مدار 15 شهراً بشرف وشموخ وصلابة لم ترض بالظلم والاغتصاب للحقوق المشروعة، لم ترضخ لمحاولات اقتلاع شعب من أرضه وطرده إلى مناطق أخرى، رفضت بشموخ سواء على حساب مصر أو غيرها فالمبدأ، مرفوض مهما كانت التضحيات، فالسيسى هو ابن هذه الأرض الطيبة، رمز من رموز مؤسسة الشرف والوطنية، القوات المسلحة المصرية العظيمة فى أمة لم تعرف يوماً الخوف.
جاء الموقف العربى على قدر الموقف والحدث الجلل، فأرض فلسطين العربية، قضية العرب المحورية على المحك دخلت فى فصل المقامرة، وسال عليها لعاب الشيطان فانتفض العرب، مصر ترفض وبحسم، بل وتحذر من المساس بأمنها القومى أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية، أو تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم وأعلنت بوضوح ضرورة الالتزام بمراحل الاتفاق بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين ودخول المساعدات الإنسانية لشعب ذاق مرارة القهر والإبادة، وأكدت أن إعادة الإعمار سوف تنفذ فى ظل وجود الفلسطينيين على أراضيهم، وهذا أمر هين على مصر التى بنت دولة حديثة فى أقل من عشر سنوات فى معجزة حقيقية، وأن إعادة إعمار غزة فى زمن قياسى ليس خارج قدرة المصريين.
الموقف العربى الحاسم، فالأردن الشقيق أعلن موقفه بكل وضوح، لا تصفية، ولا تهجير ولا توطين، وستبقى فلسطين للفلسطينيين، والأردن للأردنيين، الاتصالات، واللقاءات والتنسيق بين القاهرة وعمان لم ولن ينقطع، كانت التصريحات وردود الأفعال المصرية – الأردنية أشبه بالزلزال فى وجه مطالب ومقترحات لا تتسق مع العقل أو المنطق ولا تتفق مع القانون الدولى والمواثيق والمرجعيات والقرارات الدولية، فلا مجال للعبث، ولا تهاون فى حماية الحق الفلسطينى العربى المشروع، ولا مجال أو حديث أو قبول للتفريط فى الثوابت العربية، لم تكن مصر والأردن لوحدهما فى المواجهة، بل العواصم والشعوب العربية كالبنيان المرصوص، الجميع فى ظهر مصر والأردن، المملكة العربية السعودية الشقيقة، أعلنت بوضوح رفضها للتهجير وجاء الرد على تصريحات ترامب فورياً، بأن الرياض لن تقبل بأى تطبيع مع إسرائيل بدون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.. وجاءت توجيهات الرئيس السيسى للدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية بالتواصل مع نظرائه العرب لتنسيق المواقف الرافضة لمقترحات التهجير، وقبلها استضافت مصر قمة سداسية لوزراء الخارجية العرب، وأكد البيان الصادر عن القمة الرفض القاطع لمخطط أو مقترح التهجير، تحول العرب إلى خلية عمل، يتحركون بثقة، وتكاتف، يدركون قوة وإرادة هذه الأمة العظيمة فى وجه محاولات تغيير الثوابت الجغرافية والتاريخية.
بيان مصر الذى أدان بأشد العبارات التصريحات الإسرائيلية جاء قوياً ورادعاً، ويحمل مفردات شديدة الخشونة والحسم ضد تجاوزات دولة الاحتلال فى حق المملكة العربية السعودية، ووصف البيان تلك التصريحات بالمتهورة وتمس أمن السعودية وسيادتها، مؤكدة أن أمن السعودية الشقيقة واحترام سيادتها خط أحمر لن تسمح مصر بالمساس به، ويعد استقرارها وأمنها القومى من صميم أمن واستقرار مصر والدول العربية لا تهاون فيه.
ولعل ملحمة المساعدات الإنسانية المصرية للأشقاء الفلسطينيين فى قطاع غزة مع المشاركة العربية، ولعل ما تقوم به الإمارات الشقيقة يستحق التقدير، وهو تجسيد للتكاتف العربى.. لذلك فإن الموقف العربى الواحد، والصلب هو صمام الأمان لحماية الأمة وأمنها القومى.
قمة العرب القادمة، سوف تضع النقاط على الحروف، وأتمنى لو تنهى كافة الملفات إلى جانب ملف التهجير والعمل على إنهاء الأزمات العربية، ومد جسور التكامل والتكاتف والوحدة العربية لأنه السبيل الوحيد لمواجهة التحديات والأزمات، والقضاء على المؤامرة والمخطط الذى يستهدف تقسيم وقوة ووجود الأمة العربية وألا يفرطوا فى هذه الفرصة التاريخية، لتأمين مصالحهم، وأوطانهم وشعوبهم وأراضيهم ومقدساتهم، فنحن أمة عظيمة، تستحق أن تقود العالم.