تحاول إسرائيل أن تأخذ أنظار العرب والعالم بعيدا عن القضية الرئيسية وهى القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى المسلوبة منذ نكبة 1948 وحتى الآن، تعمل إسرائيل ومن خلال العدوان الوحشى على قطاع غزة على «تقزيم» مطالب الفلسطينيين المشروعة وانتقالها من مرحلة إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967، إلى مرحلة «الدعوات والأمنيات» بتخفيف الحصار وادخال المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، ووقف اطلاق النار بالقطاع وعدم تفريغه من سكانه و بقاء الحال على ما هو فى باقى الأراضى المحتلة.
هذه المحاولات الإسرائيلية «المكشوفة « نستعيدها ونحن نتابع العدوان الإسرائيلى الوحشى على غزة فى يومه الـ «166» وبعد أن وصل عدد الشهداء إلى نحو 32 ألف شهيد و74 ألف جريح، أيضا فإننا نستعيد هذه المحاولات فى الذكرى الخمسين لحرب العاشر من رمضان 1393 السادس من أكتوبر 1973 باعتبارها الحرب الحاسمة التى ردعت إسرائيل وأنهت غرورها بعد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 ثم حرب 1967 وما أفرزته من نتائج سلبية بالمنطقة العربية، أشارت إليها الصهيونية العالمية إلى أن إحتلال فلسطين ليس هدفا فى حد ذاته بل هو مرحلة للتوسع على حساب الاراضى العربية والسيطرة عليها عسكريا واقتصاديا وسياسيا.
وفق هذا الفكر التآمري، الذى عبر عنه بن جوريون – منشيء الكيان الصهيوني- بالقول «إن حدود إسرائيل تكون حيث يقف جنودها»، استولت إسرائيل عام 1948 على أرض فلسطينية بزيادة قدرها 30٪ على نصيبها فى قرار التقسيم الأممى الصادر 1947، كما انتزعت إسرائيل لنفسها حق الملاحة البحرية فى خليج العقبة نتيجة اشتراكها فى العدوان الثلاثى عام 1956، وفى العام 1967 توسعت إسرائيل باحتلال سيناء ومرتفعات الجولان السورية والضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة «، وكان واضحا لكل متابع للصراع العربى الإسرائيلى فى هذه الآونة أن إسرائيل وضعت هدفا استراتيجيا بعد حرب 1967 هو منع الدول العربية من تحرير أراضيها بالقوة وأن يكون لإسرائيل التفوق العسكرى على العرب يمنعهم من التفكير فى شن حرب شاملة ضدها وأن يخلق لديهم الإحساس بالعجز واليأس من جدوى الصراع المسلح.
نعم – كان شن العرب لحرب ضد إسرائيل بعد هزيمة 1967 أمراً بالغ الصعوبة فى ظل تفوق إسرائيل فى السلاح الذى وفره لها الغرب، كما كان الوضع فى الدول العربية لا يسمح بشن حرب شاملة لاستعادة الأرض المحتلة من إسرائيل، ولمواجهة الموقف على ضوء هذه الحقائق لم يكن أمام مصر سوى التخطيط لتحرير سيناء على مراحل طبقا لنمو وتطوير القدرة القتالية للقوات المسلحة، وكان لابد من شن الهجوم بالأسلحة والمعدات المتيسرة لنا فقط، وأن يكون الأداء الشجاع للقوات والإيمان بالهدف هو الذى يعوض النقص التسليحى الذى نعانيه، وكان قرار الحرب أحد القرارات الهامة التى اتخذتها القيادة السياسية عام 1972 لإسراع الخطوات نحو شن الحرب.. وهو ما قد كان فى العام التالى وكان النصر والعبور فى ملحمة هائلة أذهلت الجميع وأبكت قادة إسرائيل.
لقد كان من أهم نتائج نصر «رمضان 1393هـ – أكتوبر 1973م»، هى تحرير قطاع كبير من سيناء وإجبار إسرائيل على الدخول فى مفاوضات وتوقيع اتفاقية السلام عام 1979، لتستعيد مصر سيناء كاملة فيما بقيت مرتفعات الجولان والضفة الغربية تحت سيطرة اسرائيل، كما تم وضع قطاع غزة تحت الحصار بعد اعادته للفلسطينيين، وشهد القطاع عدداً من الحروب شنتها إسرائيل، استمر بعضها اسابيع قليلة بينما طالت الحرب «الحالية» لتتجاوز الخمسة شهور، ولتكشف إسرائيل مجدداً عن مخططاتها فى التوسع على حساب الأراضى العربية، وهنا نتوقف عند تعامل مصر مع هذه المخططات، فقد بدا واضحا استفادة مصر من خبراتها الطويلة فى الحرب ومفاوضات السلام مع إسرائيل، وفى كلتا الحالتين انتصرت الإرادة المصرية، وفى كلتا الحالتين كان أحد الأهداف الرئيسية هو: استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى بما فيها الحق فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
من هذا المنطلق يمكن أن نتفهم استفادة مصر من خبرات 5 عقود مرت على نصر «رمضان 1393- أكتوبر 1973» وما تلاه من أحداث ومن تحديات، صبت جميعها فى مصلحة الدبلوماسية المصرية و التى تتحرك بثقة لوقف العدوان الإسرائيلى على غزة، كما أن هناك ثقة فى فشل إسرائيل فى تحقيق مخططاتها بالقطاع، تقول التقارير: إن قادة إسرائيل الحاليين يتناسون أن إسرائيل خسرت حرب «رمضان- أكتوبر» من حدود آمنة كما يتناسون مفاجآت عبور القوات المصرية لقناة السويس وتحطيم خط بارليف الحصين خلال ساعات، لذا فمن المهم الآن أن يعيد الغرب تذكير نتنياهو وأعضاء حكومته بهذه المفاجآت والتى تعنى أنه من الصعب هزيمة العرب كلية، ومن الصعب أيضا القضاء على المقاومة الفلسطينية، لقد بنت حكومة الحرب الإسرائيلية حربها فى غزة على فرضيات ستثبت التطورات القادمة فشلها، والأخطر أن تل أبيب ستفقد السلام وستنهار إلى الأبد نظرية الأمن الإسرائيلي.