> ربما يكون القارئ الكريم لم يسمع من قبل بهذا المثلث.. مثلث طابا ــ تبوك ــ العقبة.. ولكنه مثلث حقيقى لو نظرنا إلى خريطة طابا والدول المجاورة لها وترى بالعين المجردة.. السعودية فى المقابل والأردن إلى الجوار.. حيث سيجد إلى يمين طابا على قمة خليج العقبة مدينة العقبة.. على جانب من هذه القمة.. ثم يرى على الضفة الأخرى لخليج العقبة مدينة تبوك فى المملكة العربية السعودية.. وهاتان المدينتان يراهما زوار العقبة بالعين المجردة.. وهما تبدوان أكثر فى المساء مع انوارهما المتلألئة.
> ولكن لماذا اتحدث عن هذا المثلث فى هذه الكلمة؟.. هى فكرة لترويج السياحة بين هذا المثلث اقترحها واكتب عنها بمناسبة الاحتفال بتحرير طابا الذى جرى الاحتفال به فى 19 مارس 1989.. بينما كان خروج آخر فلول جنود إسرائيل منه فى يوم 15 مارس سنة 1989.. وانا اكتب هذه الكلمات اليوم فى هذه المناسبة من ناحية.. ولأنى من ناحية أخرى اسعى إلى تنشيط طابا سياحيا.. والتى تعانى كلما جدت أحداث فى المنطقة.. لعدة أخطاء تسويقية فى التسويق لها وربطها بشكل رئيسى بدولة واحدة مجاورة ومنح القادمين منها تأشيرات مخفضة تمنحهم حق الدخول فى سيناء حتى شرم الشيخ.. من هنا تتأثر طابا بكل الأحداث التى تقع فى المنطقة.. كما ان عدم انتظام خط طيران إليها بشمل أحد العوامل المؤثرة عليها سياحيا.
> ولكن الفكرة التى ادعو إليها اليوم تهدف إلى تكوين سياحة المثلث الذى يربط طابا بكل من تبوك والعقبة.. ويمكن ان تربط بينها عبارات الجسر العربى العاملة الآن بين العقبة ونوبيع ان كانت المارينا فى طابا تسمح بذلك.. أو استخدام عبارات أقل حجما لنقل السياح فقط.. ويمكن الاتفاق على نوع من التأشيرات المخفضة بين الدول الثلاث تسمح بدخول مناطق محددة فى كل من المدن الثلاث.. ويمكنها على سبيل المثال فى طابا ان تسمح بالوصول إلى شرم الشيخ.. وفى العقبة بالدخول إلى منطقة بترا.. وفى تبوك بالدخول إلى منطقة مدائن صالح.. أو غيرها من المناطق السياحية القريبة.
>>>
> مثل هذا الاقتراح ان تمت دراسته بين الدول الثلاث كفيل بتنشيط السياحة من وإلى كل مدينة من المدينتين الأخريين.. والموضوع فيه تفاصيل كثيرة.. ويحتاج إلى دراسات شاملة ربما بين وزارات السياحة فى الدول الثلاث وأيضا الجهات السيادية التى تدخل فى نطاقها هذه المناطق أو يدخل فى اختصاصها تحديد تأشيرات مخفضة لها.. أو تأشيرات موحدة للمدن الثلاث يصدرها أى بلد من الثلاث فتسرى فى البلدين الآخرين وهكذا.
> ولكن الآثار السياحية بلا شك مهمة.. وستعظم الحركة السياحية بين البلدان الثلاثة.. ومن ناحيتنا سيرفع كثيرا من الحركة الوافدة إلى طابا وإلى شرم الشيخ أيضا.. وستزيد من الحركة السياحيه إلى تبوك وما يحيط بها من معالم سياحية وطبيعية مهمة قد تبعد قليلا ولكن ممكن الوصول إليها فى مدائن صالح والعلا.. وكذلك فى الأردن يمكن ان تمتد الرحلات إلى منطقة بترا.
> إننى اقدم هذه الفكرة إلى وزير السياحة والآثار أحمد عيسى وإلى المهتمين أيضا بالترويج لمنطقة طابا وتنشيط السياحة إليها لعلنا نرى قريبا اهتماما بها فى مصر وعلى مستوى الدولتين الشقيقتين السعودية والأردن.
> نعود إلى يوم جلاء فلول قوات إسرائيل من طابا.. فى يوم الخامس عشر من مارس ..وقد كنت أحد شهود هذا اليوم فى طابا.. وهو اليوم الذى جاء بعد مماطلات ومماحكات إسرائيلية امتدت منذ صدر حكم محكمة التحكيم الدولية بأحقية مصر فى منطقة طابا وبتعديل العلامة 91 الشهيرة ــ وعدة علامات أخري.. وارجاعها إلى موقعها الأصلى على جبل طابا التى حاولت إسرائيل طمسها ونقلها إلى موقع يزيد من مساحة «ايلات: أم الرشراش».. كما حكمت بإعادة عدة نقاط أخرى للحدود إلى مواقعها لصالح مصر.. وهذا يعنى ان إسرائيل لم تنفذ الحكم إلا بعد خمسة شهور ونصف الشهر.. ولو استطاعت إلا تنفذه لفعلت.
> فى ذلك اليوم كانت المجندات الإسرائيليات آخر الذين خرجوا من طابا.. ولم يكن يردن الخروج.. ولكن زملاءهن قاموا بسحبهن جرا على الأرض بين عويل وصراخ وبكاء وهن يودعن بنظرات الحزن طابا.. بينما اصررن على اشعال بعض إطارات الكاوتشوك ليرتفع دخانها ملوثا المنطقة.
> أما فندق سونستا.. الذى كانوا قد بنوه على أرض يدركون تماما انها ليست أرضهم.. فقد بقيت فى إدارته بعض العاملات فيه لانهاء معاملاتهم.. وكان بقاء هؤلاء إحدى المماحكات الإسرائيلية الهادفة إلى تعطيل الانسحاب.. ولكننا فوتنا عليهم هذه الفرصة حتى خرجوا.. بعد ان دفعت مصر 37 مليون دولار ثمنا لهذا الفندق الذى لم يكن بأسعار ذلك الزمان يساوى أكثر من عشرة ملايين دولار.. ولكنها المماحكات الإسرائيلية.. التى جرت فى ظل مفاوضات اللحظة الأخيرة قبل انسحابهم والتى قادها وزير السياحة والطيران المدنى الراحل فواد سلطان لعدة أيام قبل الانسحاب وكانت مفاوضات صعبة بحق مع جانب يعرف لهفتنا على انسحابهم ويعرف اننا لن نترك لهم أى ذريعة لتعطيل الانسحاب.. كما دفعنا أيضا ثمن الاكواخ من الخشب الحبيبى التى بنوها على الشواطئ فى شرم الشيخ ونوبيع ودهب.. وهى وحدها كمنشآت مؤقتة تؤكد أنهم كانوا يدركون انهم سيخرجون من سيناء إن آجلا أو عاجلا.. وكان معهم كذلك الفندق الوحيد الذى بنى كمبنى طبيعي.. ومازال هذا الفندق قائما حتى الآن وتم تطويره وتوسيعه بشكل كبير.
> وبعد خروج فلول القوات الإسرائيلية تم إنزال العلم الإسرائيلى من على النقطة 91.. وارتفع علم مصر بين صيحاتنا جمعيا: الله اكبر.. الله اكبر.. واغلقنا صفحة سوداء لإسرائيل على أرض مصر.
>>>
> وكما كنت واحدا من مجموعة صغيرة شهدت انسحاب فلول القوات الإسرائيليه من طابا فى 15 مارس 1989.. فقد كنت ايضا بحمد الله أول من عرف بالمشكلة قبل ان تعلن رسميا قبل الانسحاب بقليل وكان ذلك فى أكتوبر عام 1980.. وكنت فى ذلك الوقت فى رحلة صحفية فى أمريكا.. فى مؤتمر سياحى عالمى سنوى تعودت ان شارك فيه سنويا.. وبالتالى كانت هناك فرص كثيرة للتعرف على عدد كبير من الصحفيين المتخصصين فى الشأن السياحي.. وتكونت بينى وبين كثيرين منهم صداقات عديدة.
> فى ذلك الوقت كنت فى مؤتمر «POW WOW».. وهى كلمة بلغة السكان الأصليين لأمريكا تعنى «هيا تجمعوا».. جاءنى واحد من اصدقائى الصحفيين الأمريكيين ليقول لى لدى مفاجأة لك.. إسرائيل تخطط لعدم الانسحاب من منطقة ملاصقة لإيلات تسمى طابا.. قلت كيف.. قال سأعرفك على من لديه تفاصيل المشكلة.. بالفعل تعرفت على من السبب فيه.. واتضح انه نفذ تعليمات بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلى للاستيلاء على هذه المنطقة.. والتفاصيل كثيرة رويت طرفا منها من قبل ولا بأس من ان نعود إليها مرة أخري.. وبتفصيل أكثر.
> ولابد هنا ان نذكر للرئيس الراحل حسنى مبارك حكمته فى إدارة ملف طابا منذ البداية بتفويت المماحكة الإسرائيلية بشأن عدم الانسحاب من طابا.. ولو انه أصر على استكمال الانسحاب بما فى ذلك طابا.. لكن الانسحاب فى 25 أبريل عام 1982 قد تعطل.. وهذا أيضا حديث آخر.