نصف قرن مر من الزمان ومازال الكوكب منيرا متوهجا يضيء كل بيت مصرى وعربى بأعذب الألحان وأحلى الكلمات وأعظم وأنقى الأصوات.. نصف قرن ومازال صوت قيثارة الشرق وكوكب الغناء العالمى يشدو ويشدو ليطرب آذاننا ويلامس قلوبنا ويداوى جروحنا ويخرجنا من حالات الكآبة والغثيان التى تصيبنا فى بعض الأوقات والأماكن عندما تسطو على آذاننا أصوات غريبة شاذة لأشخاص مريبة لا تمت بصلة للغناء أو الطرب من قريب أو بعيد.. خمسون عاما مضت على رحيل «ثومة» أسطورة الغناء فى العالم العربى ومازالت حية فى قلوبنا خالدة فى ذاكرتنا ملاصقة لنا فى كل تفاصيل حياتنا وفى مناسباتنا الخاصة والعامة.. فقد غنت ام كلثوم بكل الوان الطرب وبشتى أنواع الشعر وقوالبه وقوافيه وخاطبت كل فئات وشرائح المجتمع .. غنت للوطن وللأمة العربية فى الشدائد والأزمات والمحن لترفع من معنويات الشعوب وتلهب مشاعر الحماس والوطنية بداخلهم فيستعيدوا ثقتهم فى أنفسهم ويحاربوا من جديد للدفاع عن الأوطان.. غنت فى الأفراح والاعياد والمناسبات السعيدة .. ومن هنا جاءت احتفالات مصر بذكرى رحيل كوكب الشرق هذا العام مختلفة ومتفردة.. وظهرت مصر امام العالم كله وهى تحتفى بواحدة من أعظم وأشهر مطربى العالم فى التاريخ كله.. فأم كلثوم تجاوزت بشعبيتها الآفاق والحدود والأزمان وانطلقت بسرعة الصاروخ فى كل أنحاء الدنيا.. لتترك فى كل بلد زينته بصوتها آلاف العاشقين الهائمين المتيمين بصوتها وشخصيتها وشموخها وكبريائها وحبها لبلدها ولغتها وأمتها وحضارتها وثقافتها.. بل بفخرها واعتزازها بانتمائها لقريتها الصغيرة « طماى الزهايرة « بقلب الريف المصري.. احتفلت مصر كلها ليس بذكرى وفاتها ولكن بخلود صوتها وكلماتها والحانها التى ستظل باقية بيننا بقاء النبض فى قلوبنا.. مصر بكل مؤسساتها احتفلت بأم كلثوم ومازالت صورتها تزين كل الشاشات فى مصر حتى نهاية فبراير الجاري.. ومازالت القنوات والاذاعات تتحفنا بأجمل أغانيها التى نحفظ كلماتها ونرددها بكل شوق وشجن وحب.. ماسبيرو العريق احتفل بأم كلثوم وايضا بأسرة مسلسل أم كلثوم، ووجه احمد المسلمانى رئيس الوطنية للاعلام التحية لكل الفنانين الرائعين الذين اعتلوا مسرح التليفزيون لتكريمهم.. ورفع مسرح التليفزيون شعار كامل العدد فى وقت مبكر من الحفل، الذى حضره الى جانب الاف المصريين والعرب من محبى وعشاق فن ام كلثوم شخصيات عامة ووزراء ومحافظون وكبار المسئولين وفى مقدمتهم الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهو من أشد العاشقين للطرب المصرى العربى الأصيل عموما ولصوت كوكب الشرق خصوصا.. والدكتور عمرو طلعت واحد من كبار المثقفين فى مصر ويمتلك قدرات فريدة فى الكتابة والتأليف وله مؤلفات عديدة وقد توقف كثيرا بالدراسة والتحليل امام فترة توهج ام كلثوم فى الثلاثينيات والاربعينيات والخمسينيات وتناول أحداثها السياسية والادبية والثقافية فى كتاباته.. ورغم إجادته للانجليزية ولغات أخرى الا انه يعشق لغة الضاد ويحرص على الحديث دائما بالفصحى فى كل المحافل والمنتديات داخل مصر وخارجها بل وفى لقاءاته الخاصة وقد يبدو ذلك غريبا من جانب وزير التكنولوجيا الذى تخرج فى هندسة اتصالات القاهرة وقضى عمره كله فى العمل بشركات التكنولوجيا المحلية والعالمية وتعامل مع أجانب اكثر من العرب والمصريين لكن تنشأته المصرية العربية الأصيلة شكلت ثقافته وطريقة تعامله مع الاخرين فى الحياة .
الفنانة سميرة عبدالعزيز التى جسدت دور « الست فاطمة « أم ثومة باقتدار وتفرد قالت « عندما كنا نشارك فى مسلسل أم كلثوم، كان جميع فريق العمل يعمل بكل طاقته وقلبه، وشخصيًّا أستمع إلى أغانيها كل يوم قبل أن أنام، وذلك منذ صغري، وبعد أن قمت بتجسيد دور والدة أم كلثوم، أصبحت أحبها أكثر وأكثر».
اما المخرجة إنعام محمد على فقالت « مسلسل «أم كلثوم» نقطة مضيئة فى تاريخ الدراما المصرية والعربية لتكريم مسيرة كوكب الشرق أم كلثوم «.
وقال احمد المسلمانى « مازلت اتذكر كلمات العالِم الكبير أحمد زويل، عندما قال لو اخترت مَن يتقاسم معى جائزة نوبل لكانت كوكب الشرق، وطافت ام كلثوم العالم كله وظهرت على مسرح «الأوليمبيا» فى «باريس» أثناء حملتها الفنية بعد حرب 1967 لكى تجمع أموالا لإعادة بناء الجيش المصرى بما كان يعرف بالمجهود الحربى وارسل لها الرئيس الفرنسى شارل ديجول فى طائرة عودتها من باريس برقية تقدير واعزاز بصوتها وشخصيتها الفريدة.. وكذلك فعل رؤساء العالم ومشاهيره ونجومه فى كل المجالات.. ونجحت «أم كلثوم» بجهدها وعرقها وفكرها وذكائها أن تتسيد الأغنية العربية وأن تستحوذ على الآذان العربية من المحيط الى الخليج حتى الآن وأزعم ان الأجيال القادمة ستحتفل بعد خمسين عاما من الان بذكراها المئوية وربما بحماس اكبر وفخر أعظم وتقدير أروع.