الظلم.. ذلك الوباء الذى يلتهم القلوب ويغرق المجتمعات فى بحور من الفتن، هو أبشع ما يمكن أن يمارسه الإنسان ضد أخيه الإنسان.. فالظلم لا يقتصر على صورة واحدة أو شكل معين، بل هو أشكال متعددة، تتوزع بين ظلم الفرد لنفسه وظلم الآخرين، وقد يتخذ أشكالًا قانونية أو اجتماعية، وتظل الحقيقة المؤلمة التى يعرفها الجميع أن الظلم لا يمس فقط المظلوم، بل يشمل فى آثاره الظالم أيضًا، فتدور دائرة من المعاناة، تتسع مع مرور الوقت، حتى تلتهم الجميع.
فالظلم ليس مجرد اعتداء على حقوق الآخرين، بل يتخذ صورًا متعددة، ولعل أبرزها:
1 – ظلم النفس: هو أن يظلم الإنسان نفسه بالتقصير فى عباداته أو فى حقوقه تجاه الآخرين، قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» «يونس: 44»، هذا النوع من الظلم يشمل كل تفريط فى أداء الواجبات الدينية أو الأخلاقية، ويؤدى إلى إهدار الإنسان لفرص النمو والتطور.
2 – ظلم الآخرين: وهو أخطر أنواع الظلم، ويشمل التعدى على حقوق الناس، سواء كانت حقوقًا مادية أو معنوية، كما جاء فى قوله تعالى: «وَلَا تَظْلِمُونَ فِى أَمْوَالِكُمْ وَلَا تَسْتَحِلُّونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ» «البقرة: 188»، هذا النوع يشمل القهر والاستغلال والتلاعب بحقوق الآخرين، سواء كان ظلمًا ماديًا أو معنويًا.
3 – الظلم بالقوة: عندما يتخذ الإنسان من القوة أداة للظلم، سواء كان عبر العنف الجسدى أو النفسى أو الاجتماعى، وهذا هو الظلم الذى نراه فى الاعتداءات على الأفراد أو فى الحروب والفتن.
وللظلم تأثير على المظلوم والظالم..فلاشك أن المظلوم يعانى بشكل عميق من آثار الظلم التى تلقى بظلالها على حياته، ويبدأ التأثير النفسى فى الظهور بشكل مباشر، إذ يشعر المظلوم بالحزن، والهم، والعجز، والذل، وقد يصل به الأمر إلى الإحساس بالفقدان التام للعدالة فى حياته، وقد يظن البعض أن المظلوم هو من يدفع الثمن وحده، لكن الحقيقة أن المظلوم رغم الألم الذى يعيشه، فإنه يبقى قويًا فى صبره واحتساب أجره عند الله.
أما الظالم فهو يعانى من آثار طويلة الأمد لا تقل فى شدتها عن معاناة المظلوم، على الرغم من أن الظالم قد يظن أنه فى مأمن من العقاب، فإن الحقيقة هى أنه لا ينجو من تبعات ظلمه.
كما أن الظلم لا يؤثر فقط على الأفراد المعنيين به، بل يتعدى أثره ليصل إلى المجتمع ككل، فعندما يتفشى الظلم فى أى مجتمع، يصبح هذا المجتمع عرضة للتفكك والانقسام. فالظلم يخلق بيئة من الكراهية والعداوة، وتزداد فيه التوترات الاجتماعية والاقتصادية، ومن هنا تظهر الفتن وتحدث الانشقاقات التى تهدد استقرار المجتمع، وعندما يسود الظلم، فإن الثقة فى المؤسسات والقوانين تتآكل، ويشعر الناس بعدم الأمان.. والظلم فى جميع صوره هو سمة من سمات الجور التى تتنافى مع العدالة التى وضعها الله سبحانه وتعالى للبشرية، سواء كان الظلم موجهًا إلى الذات أو إلى الآخرين، فإن نتائجه لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تمتد لتشمل المجتمع بأسره.
إن علاج الظلم يبدأ من الوعى الجمعى بأن لا مجال لفرض القوة أو الاستبداد على الآخرين، وأن العدالة هى أساس كل مجتمع يسعى للسلام والاستقرار، وعلينا جميعًا أن نتمسك بالعدل فى كل تعاملاتنا، وأن نتذكر دائمًا أن الله لا ينسى الظلم مهما طال الزمان.