المفارقة أن هناك دائماً من يريد إشغال مصر وتعطيلها عن المستقبل وعن مواصلة تنفيذ مشروعها التنموى العملاق رغم أن مصر تشكل ركناً رئيسياً فى تحقيق الأمن والسلم الدوليين.. المفارقة أيضاً أن فشل جماعة الإخوان الإرهابية فى إعادة تنفيذ مخطط الفوضى الأسبوع الماضي، تسبب فى إزعاج بعض الدول رغم أن مصر ظلت على مدى سنوات تحارب الإرهاب نيابة عن العالم، والمفارقة الثالثة : أن دور مصر المهم فى وقف إطلاق النار بقطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، بدلاً من أن يقابل هذا الدور بالشكر والتقدير من قبل القوى الكبري، قوبل بإعادة الحديث عن تهجير الفلسطينيين إلى مصر وكذلك الأردن و»تطهير قطاع غزة من أهله»، فى تطور خطير حذرت منه مصر ورفضه المصريون وعدد من الشعوب العربية والأجنبية.
بداية فإن هناك عدداً من الملاحظات حول فكرة تهجير الفلسطينيين نفسها، والتى تجسد الظلم الفادح الذى عانى ويعانى منه الشعب الفلسطينى منذ نشأة إسرائيل عام 1948 وحتى الآن، من بين الملاحظات أنه على مدار عقود أفشلت إسرائيل كل مفاوضات السلام وكل محاولات تنفيذ القرارات الأممية التى تعترف بالحقوق الفلسطينية وبحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة على حدود 4 يونيو 1967، وفى ما يتعلق بأزمة غزة الحالية فقد تشكلت أكبر علامات الاستفهام والتعجب فى تعامل الغرب مع هذه الأزمة والانحياز التام لإسرائيل وحرب الإبادة التى شنتها ضد القطاع ثم فى الدعوة إلى تهجير سكان غزة بحجة أن القطاع «مدمر» وفى حالة فوضى عارمة، وهى حجة ليست فى محلها لأن إسرائيل هى المتهمة فى التسبب بالوصول بغزة إلى هذه الحالة السيئة، وكان المفترض معاقبة المسئولين الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم القتل والتدمير وليس معاقبة المجنى عليهم من الغزاويين وتهجيرهم خارج القطاع.
من الملاحظات أيضاً أن فكرة التهجير تتغافل عن حق أصيل فى المواثيق الدولية وهو حق الشعوب فى تقرير مصيرها ومن ثم حق سكان القطاع فى البقاء فى أرضهم أم الرحيل عنها، كذلك فإن اختيار مصر والأردن لتنفيذ مخطط الهجرة القسرية لم يحترم سيادة الدولتين على أراضيهما، كما تغافل عن أن الدولتين عضوان فى الأمم المتحدة لهما حدودهما الدولية المعترف بها ولهما كافة الحقوق التى كفلها الميثاق الأممي، لذا فإن هذا المخطط يشكل اعتداءاً مباشراً ضد الدولتين كما يشبه إلى حد بعيد دعوات بشن الحروب بما لا يتفق مع مبادئ القانون الدولي.
الملاحظة التالية تتعلق بتركيز الغرب على أمن إسرائيل، دون النظر لأمن بعض الدول المجاورة لإسرائيل ونتحدث هنا عن مصرو الأردن، فالأخيرة تربطها معاهدة وادى عربة للسلام الموقعة عام 1994، كما أن مصر تربطها بإسرائيل معاهدة السلام الموقعة عام 1979، غير أن إسرائيل تنتهك المعاهدتين بشكل دائم، وبالنسبة لمصر فيكفى تهديد إسرائيل الدائم بالتهجير القسرى للفلسطينيين إلى سيناء وهو أكبر تهديد للأمن القومى المصرى الذى انساق وراءه الغرب دون النظر لأمن مصر واستقرارها.
فى هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن استهداف مصر بمخطط التهجير سيخلف نتائج خطيرة تهدد المنطقة والعالم، بمعنى أن السلوك الغربى فى هذه الأزمة يذكرنا بالمثل الشامى الذى يقول: «لا تحرق اللحاف لأجل برغوث» وهو مثل يُذكر فى المواقف التى تبدو بسيطة أو «هينة»، بينما تأتى تداعياتها خطيرة ومؤلمة، بعبارة أخرى فإن إشعال النار لأجل «البرغوث» أى إسرائيل الكيان الصغير المحتل يهدد أمن الدولتين الكبيرتين مصر والأردن والمنطقة كلها، ومن ثم تهديد الأمن والسلم الدوليين.
الخلاصة هنا أن المسئولين الغربيين وكل مراكز صنع القرار فى الولايات المتحدة وأوروبا بات مطلوبا منهم حاليا وقبل فوات الأوان «فرملة « مخطط التهجير القسرى للفلسطينيين،لأن الغرب بهذا السلوك العدوانى سيتحمل مسئولية خراب ودمار العالم، والعودة به إلى العصور الوسطي، على الجانب الآخر أصبح مطلوباً منا نحن المصريين مواصلة هذا التوحد الرائع الذى ظهر خلال الأيام الماضية والتفاف الجميع حول القيادة السياسية التى أعلنت رفضها القاطع للمشاركة فى ظلم فلسطين، وتمسكها الدائم بحقوق الشعب الفلسطينى والدفاع عن القضية الفلسطينية فى كل المحافل الدولية.
فى الأخير، فإن كل المؤشرات تؤكد أننا أمام تحد خطير، يفوق كل التحديات التى واجهناها خلال السنوات الماضية، ولكن ما يطمئنا حقاً هو يقظة مصر وانحيازها للحق الفلسطيني، كذلك رغبة القيادة السياسية فى مواصلة مشروعها التنموى العملاق وبناء دولة حديثة عصرية تنصر المصريين وتهزم الإرهاب وتدحر كل مخططات الغرب و»الإخوان المجرمين».