بعد حوار مكثف بين الجهات التشريعية ونقابة الأطباء حول مشروع قانون «المسئولية الطبية وسلامة المريض» جرى إدخال تعديلات جوهرية عليه استجابة لمطالب نقابة الأطباء، وهو مشروع القانون الذى وافقت عليه لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، ومن أبرز هذه التعديلات إلغاء عقوبة الحبس فى حالات الخطأ الطبى غير الجسيم، والاكتفاء بالغرامة المالية، مع الإبقاء على عقوبة الحبس فى حالات الخطأ الطبى الجسيم.
كما تم تعديل مسمى مشروع القانون ليصبح «المسئولية الطبية وسلامة المريض» بدلاً من «حماية المريض»، كما تم إضافة تعريف للخطأ الطبى الجسيم، والتأكيد على دور اللجنة العليا للمسئولية الطبية كجهة استشارية لجهات التحقيق والقضاء فى القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية.
هذه التعديلات جاءت، بهدف تحقيق توازن بين حماية حقوق المرضى وضمان بيئة عمل آمنة وعادلة لمقدمى الخدمات الطبية.
والسؤال: أليس الطب فى كل بلاد الدنيا واحدًا فلماذا لا يتم الاسترشاد بما هو مطبق فى الدول المتقدمة طبيًا، إذا أردنا معيارًا سليمًا للحكم على أخطاء بعض الأطباء خصوصًا الجسيمة منها، إذا أردنا الإنصاف والاعتراف بأن هناك أخطاء طبية جسيمة تزهق بسببها أرواح بريئة، وهى أخطاء ستظل استثناءً من القاعدة التى تقول إن لدينا فى مصر أطباء أكفاء وكتيبة طبية نجحت بامتياز فى عبور جائحة كورونا بأقل خسائر، وبأقل مقومات مقارنة بمنظومات صحية لدول كبرى تعثرت فى امتحان كورونا.
ليس من مصلحة أحد تطفيش الأطباء ولا التضييق عليهم بقوانين مشددة ودفعهم للهجرة للعمل خارج مصر، وكفانا نزيفًا للعقول المهاجرة فى تخصصات كثيرة أبرزها الطب بطبيعة الحال، ولابد أن نفكر فى طرقٍ جذب لاستعادة تلك العقول أو على الأقل تمتين أواصر الصلة بهم للاستفادة بعقولهم عن بعد لدفع مسيرة الوطن الذى له حق على هؤلاء المغتربين بما وفره له من تعليم ورعاية تمكنوا بسببها من الوصول لما هم فيه.
كما نرجو للقانون الجديد أن يضمن تحقيق الشفافية بين الطبيب والمريض، دون تشدد لا مبرر له أو تفريط لا تحمد عقباه، وأن يحقق للأخير ملاذًا آمناً ومعاملة كريمة من الأطباء الذين يستنكف بعضهم أن يشرح للمرضى لاسيما البسطاء منهم، حالتهم المرضية وما تتطلبه من إجراءات، وأن تنهض نقابة الأطباء بدور أكبر فى الوصول للأمان الطبي، وأن تشكل لجنة فى كل محافظة ومركز يمكن اللجوء إليها لتقييم أى أخطاء قد يرتكبها أحد أعضائها قصدًا أو عن غير قصد، على أن تتخذ ما يلزم من إجراءات رادعة دون النظر فى الحسابات الانتخابية..فالنزاهة أكبر ضمانة للحفاظ على حق المريض والطبيب والمجتمع، والأهم حفظ الهيبة لمهنة الطب ذاتها وللحكماء أنفسهم.
كما نرجو أن يتم النظر للمنظومة الطبية برمتها، وأن يجرى استحداث قوانين وإجراءات مرنة تستجيب لتحديات الوقت، وأن تأخذ بعين الاعتبار تحسين أوضاع الأطباء ماديًا ومهنيًا، لكى يتفرغوا بقناعة وعن طيب خاطر لرعاية مرضاهم خصوصًا فى المستشفيات والوحدات الصحية الحكومية، لأنهم فى النهاية ثروة قومية لمصر ينبغى الحفاظ عليها وتنميتها وتعظيم الاستفادة منها، كما لابد من إعادة النظر فى كيفية تخفيف الأعباء عن المرضى الذين يعانون غلاء أسعار الكشف عند الأطباء خصوصًا كبارهم ومشاهيرهم والذين يرفعون الفيزيتا دون مبرر ودون قواعد عادلة، وفى الوقت نفسهم لا ينطبق عليهم ما ينطبق على المواطن الغلبان الذى تستقطع منه الضرائب من المنبع على محدودية ما يتقاضاه من أجور..فلماذا لا يُعامل كبار الأطباء ضريبيًا معاملة محدوى الدخل والموظفين.
أليست المغالاة فى الكشف والتهرب من الضرائب مما يقع ضمن اختصاص إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة.. أليست الأخطاء الطبية ومواجهتها من واجباتها الأصيلة..لماذا نترك المواطن المريض فريسة فى أنياب من لا يرحم مرضه وضعفه واحتياجه ليزيد همه ويضاعف أعباءه ويستغل لحظات ضعفه..؟!
أين الرحمة ممن يفترض أنهم ملائكة الرحمة.. أين هم من قول ربنا عز وجل: «وتواصوا بالمرحمة».. ولا من قول نبينا الكريم: «ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء»..؟!
وفى المقابل ينبغى أن تتدخل وزارة الصحة بالتعاون مع نقابات المهن الطبية لوضع قواعد عادلة لأسعار التحاليل الطبية، خصوصًا أن بعض المعامل الكبرى تكيل بمكاييل عديدة فى تحديد أسعار التحاليل والأشعات، وهو ما دفع ثلاث نقابات بينها نقابة الصحفيين لاتخاذ موقف حازم بوقف التعامل مع بعض تلك المعامل حتى إشعار آخر، ابتغاء تحقيق العدالة والإنصاف لأعضائها.
أما نواقص الأدوية وزيادة أسعارها بصورة مستمرة تفوق قدرات السواد الأعظم من شعبنا لاسيما أرباب المعاشات وأصحاب الأمراض المزمنة فإن الحكومة رغم ما تبذله من جهود لتوطين صناعة الدواء وتوفيره بأسعار فى متناول الناس، لكن نواقص الأدوية لا تزال مشكلة موجودة تتطلب حلولًا أكثر حسمًا ونجاعة ولابد من مشاركة نقابتى الأطباء والصيادلة للتوافق على البدائل المناسبة التى تسهم فى حل المشكلة، كما ننتظر دورًا أكثر فعالية من لجنة الصحة بالبرلمان، وكذلك قسم العلاج الحر بوزارة الصحة لتحديد آلية ناجزة لتحديد قيمة عادلة للكشف والفحوصات والأشعات والتحاليل رحمة بظروف المرضي.
أما الأخطاء الطبية فهى ظاهرة عالمية تؤكدها أرقام منظمة الصحة العالمية التى تقول إن تلك الأخطاء تزهق أرواح 5 مرضى فى كل دقيقة حول العالم، ونحو مليونين و600 ألف شخص سنوياً.. وفى مصر تتسبب فى وقوع ٪3 من الوفيات.
أملنا أن تختفى ظواهر سلبية كالأخطاء الطبية الكارثية خصوصاً وأن هناك اهتماماً ما بعده اهتمام من الدولة بتحسين حياة المواطن وجودة ما يقدم له من خدمات طبية