مهما تعددت وسائل الضغط، فالرد المصرى واضح لا تفريط في الثوابت لا تهجير ولا تصفية للقضية، والأرض المصرية ليست مجالًا للنقاش أو التفاوض، أرض مصر لأهلها، وأرض فلسطين لأبنائها المتشبتين بها، ما يحدث الآن من ضغوط ليس مفاجئًا ولا غريبًا ولم نكن غافلين عنه، بل كان متوقعًا ومحسوبًا والرد المصرى أيضا كان جاهزًا ومحسومًا، الدولة المصرية لم تترك الأمور للصدفة ولم تنتظر لحظة توضع فيها أمام أمر واقع، وإنما كانت مدركة مبكرًا أنه مهما طال الوقت فلا بد أن نواجه التحدى، وأن نخوض معركة الحفاظ على الأرض.
طوال السنوات الماضية.. المعركة كانت مشتعلة لكن بأدوات أخرى، مثل الإرهاب واستخدام الجماعة الخائنة، ومحاولات نشر فوضى على الحدود من أجل سلخ سيناء من خريطة الوطن بأيدى المأجورين والمرتزقة، لكن كانت يد الله حامية، والرد المصرى قاسيًا وكانت كلمة القوات المسلحة حاسمة، أرض مصر نار تحرق من يقترب منها.
بالطبع كان البعض يتعامل مع هذه الحرب والتحدى بمنطق برىء ويعتقد أن كل ما تسعى إليه الجماعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة هو تأسيس إمارة إسلامية في سيناء، وكان هذا تصوراً ساذجًا.. فالإمارة المزعومة التي كانوا يبحثون عنها لم تكن سوى ممر آمن لتسليم سيناء لمن يديرون المخطط لتقسيمها كما يشاءون ويحققون بها حلم إسرائيل في التوسع.
فشل الإرهاب بعد الضربات القاضية التي وجهها له جيش مصر وشرطتها، لكن لم يتوقف المخطط، ومن يعود الى تصريحات الرئيس السيسى المختلفة طوال السنوات الأخيرة سيجده يحذر مرات من التعامل مع الإرهاب على أنه إنتهى أو المخطط على أنه توقف، بل تحدث الرئيس بصراحة عن المؤامرة التي تدار من خلال أجهزة مخابرات لا تريد الخير المصر.
الآن نحن أمام محاولة صريحة لتنفيذ المخطط، تحت زعم أن غزة ليست مؤهلة للحياة بسبب الخراب الذي أحدثه بها الاحتلال، وهو سيناريو مكشوف ومفضوح، لكن الثوابت المصرية أيضا واضحة ومعلنة، والدولة جاهزة للتعامل مع كل السيناريوهات المحتملة، وكما لا تسمح بالاقتراب من أرض مصر بكل السبل، فلن تخذل القضية الفلسطينية، بل تعمل على حمايتها، ولكن بالطريقة المصرية وليس بالشعارات الفارغة، فالأمر بالنسبة لمصر ليس مجرد تصد أو منع تنفيذ المخطط، بالإعلان عن المواقف والرفض، فهذا أمر مفروغ منه والدولة تنفذه بقوة وصلابة، لكن هناك أيضا طرق مهمة لا بد منها في المعركة وأهمها إدانة المخطط وفضحه دوليًا وحشد الرأى العام العالمي ضده باعتباره انتهاكًا صريحًا لكل المواثيق والقوانين الدولية والإنسانية وجريمة إبادة شعب كامل واعتداء سافرًا على أرضه وتجاوزًا للسيادة الوطنية.
أيضا تجسيد موقف عربي موحد، وبصوت واحد يرفض هذه السياسة ويتخذ ما يناسبها من اجراءات لحماية حقوق الفلسطينيين والأمن القومي العربي.
ومن أجل هذا تبذل مصر جهدًا دبلوماسيًا كبيرًا على المستوى الإقليمي والدولي، وتعمل على صياغة خطاب واضح ومقنع للمجتمع الدولي، والمنظمات والمؤسسات الدولية.
إن مصر تدرك أن القضية تحتاج الآن إلى تكثيف التحرك العربي لوضع المجتمع الدول أمام مسئولياته ومخاطبة الضمير العالمي، وشرح التداعيات الكارثية لهذا المقترح المشبوه ليس على المنطقة فقط بل على العالم كله وفي الوقت نفسه إظهار الحرص العربي على السلام لكن بما يحقق العدل وليس ما يحقق مصالح الاحتلال على حساب أصحاب الأرض ودول المنطقة.
وقد يعتقد البعض أن هذا التحرك لن يجدى، لكن هذا فهم خاطئ، لأن تأثيره كبير، وإذا نجحنا فى صياغة خطاب يفهمه العالم ووحدنا الجهد والموقف العربي واجتذبنا القوى الدولية الرافضة لهذا المخطط والداعمة للحق الفلسطيني فسوف تكسب المعركة سياسيًا وهذا مهم للغاية، فالحروب المباشرة لا تنجح دون تحركات سياسية ودبلوماسية وإعلامية واقتصادية أيضا، وهذا ما يجب علينا أن نفعله ونحن نمتلك مقوماته بشكل كبير إذا توحدنا كعرب، وهذا ما تسعى إليه مصر.. ففى التوحد العربي قوة قادرة أن تمنع التهجير وتحمى القضية من التصفية.