الخلاف بين الرئيس الأمريكى بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو حول اجتياح رفح الفلسطينية، هو استكمال للمسرحية الهزلية التى بدأها الطرفان منذ بداية العدوان الإسرائيلى على غزة، وهو ليس خلافا على مبدأ قتل الفلسطينيين والمدنيين العزل، لكنه خلاف على الأسلوب الأنسب للقتل أو الطريقة المثلى التى يجب أن يتم بها ذبح الضحايا!!.
الطريقة التى تتعامل بها إدارة بايدن مع العدوان الاسرائيلى على غزة أصبحت مثارا لسخرية العالم كله، وليس فقط من الأمريكيين المعارضين للحزب الديمقراطي.ففى الصباح ترسل الولايات المتحدة طائراتها محملة بالذخيرة والأسلحة وقنابل الفوسفور الأبيض إلى إسرائيل عبر جسر جوى أقامته خصيصا لهذا الغرض منذ السابع من أكتوبر، وفى الظهيرة تعارض مندوبتها فى الأمم المتحدة وفى مجلس الأمن أى قرار يدين الحكومة الإسرائيلية أو يطالب بوقف إطلاق النار وحماية المدنيين فى القطاع، وتستخدم حق الفيتو ضد أى مشروع يدين المذابح والمجازر التى يرتكبها جيش الاحتلال يوميا ضد الأطفال الأبرياء أو حتى إدانة قصفهم خلال تهافتهم للحصول على المساعدات، وفى المساء يخرج الرئيس بايدن ليقول بالنص «إن كمية المساعدات التى تصل إلى قطاع غزة ليست كافية وسنستمر فى بذل كل ما فى وسعنا لتوفير المزيد منها»!!.
أمريكا تمد المستوطنين الاسرائيليين الذين اغتصبوا الأرض بالسلاح الفتاك ليستخدموه فى اصطياد وقتل الفلسطينيين العزل، ثم تعلن عن اسقاط جوى للمساعدات والمواد الاغاثية للفلسطينيين فى القطاع بسبب صعوبة وصول هذه المساعدات عن طريق البر او بسبب غلق المعابر والمنافذ، ثم تلجأ لبناء ميناء بحرى مؤقت لسرعة إيصال المساعدات لأهل غزة المحاصرين فى القطاع!!
مواقف متناقضة، تثير السخرية، تذكرنى بمأمور السجن الذى يسأل المحكوم عليه بالإعدام قبل تنفيذ الحكم: «نفسك فى إيه قبل ما تموت»؟!
والموقف الحالى قد لايختلف كثيرا عن كل المواقف الأمريكية السابقة التى تتعامل فيها بمكيالين مع الصراع العربى الإسرائيلى بصفة عامة، أو مع القضية الفلسطينية بصفة خاصة، لكنه لم يكن أبدا بمثل هذه الفجاجة كما هو الحال الان فى إدارة بايدن.
منذ أيام، انفعل جون كيربى منسق شئون الاتصالات فى مجلس الأمن القومى ومساعد الرئيس، خلال لقاء تليفزيونى مع قناة العربية، رافضا اتهام الولايات المتحدة بعبارة «الكيل بمكالين» ومؤكدا أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها بعد ان قتلت حماس اكثر من 1000 إسرائيلى فى هجوم السابع من أكتوبر، وأنهم طلبوا من إسرائيل مراعاة المدنيين خلال حربها ضد حماس!
لكن السؤال الذى لم يجب عليه كيربى هو: هل على إسرائيل أن تقتل اكثر من 31 ألف فلسطينى وتصيب أكثر من 70 الفا وتدمر مدنا بأكملها وتشرد نحو 2.5 مليون إنسان وتحرمهم من الماء والطعام والدواء، مقابل الالف إسرائيلى الذين قتلتهم حماس؟
وهل من حق دولة محتلة أن تدافع عن مواطنيها الذين قد يتعرضون أحيانا لحوادث طعن او لسقوط صواريخ بدائية عشوائية بالقرب من المستوطنات التى بنوها على الأرض الفلسطينية، لكن ليس من حق الفلسطينيين أصحاب الأرض – الدفاع عن أرضهم ومحاربة عدو احتل وطنهم بالقوة، ويطالب بطردهم وترحيلهم لأى دولة أخري؟
لن تحل القضية الفلسطينية، ولن يتوقف الصراع العربى الإسرائيلي، ولن يتحقق الاستقرار فى الشرق الأوسط، إلا إذا تخلت الولايات المتحدة عن انحيازها لإسرائيل، وتوقفت تماما عن تباع سياسة الكيل بمكيالين.