السياسات الحمائية تفتح باب المجهول
بقلم: د. وفاء علي
لا شك أن الأسواق العالمية فى حالة ترقب وانتظار لتبعات تنفيذ قرارات القيادة الأمريكية بفرض رسوم جمركية على بعض الدول مما أدى إلى تزايد المخاوف بفعل السؤال العالق هل بات العالم على موعد مع نوع جديد من الحروب بلا بارود أو صواريخ باليستية أو عادية وهى حروب عالمية تجارية.. ولا شك أن هذه الحرب سوف تشتد مع هذا العام.
فقد حاولت مجموعة أثرياء العالم من مجموعة العشرين التعبير عن رأيها والتأكيد بأن هناك حالة من التأجيج ولابد من منع حالة التباين فى ملف التجارة العالمية تفاديا لإثارة الحروب التجارية.
من ينظر إلى هذا الملف سيجد أن الإدارة الأمريكية وضعت الصين نصب أعينها اقتصاديا وتجاريا بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبى وكندا والمكسيك فى المدى القصير والبعيد.. لكن الواضح للجميع أن الصين لا تريد المبارزة فامامها مشروعها التنموى «الحزام والطريق» وتريد التفرغ للبريكس ولا تريد الدخول فى مهاترات وصراعات حروب التجارة العالمية.
وخلال الفترة الماضية حاولت بكين أن تتفادى تصريحات الرئيس الأمريكى وهو يقول إن الصين تلعب بعملتها أو أنها تغرق الأسواق الأمريكية بالمنتجات الصينية وان الصين تسرق افكار الأمريكان.
الكل يعلم أن واردات الصين من أمريكا تبلغ 563 مليار دولار سنويا ولم يفلت منه إدراك أن هناك استراتيجية وضعتها الصين لعام 2025 بشأن صنع فى الصين.
لقد شعر المجتمع الدولى أن هذه السياسات الحمائية ستؤدى إلى رالى عالمى نحو القاع.
والسؤال المهم هل تفعلها أمريكا بالفعل وتخسر الشريك الصينى الإجابة بالطبع لا والسبب وبمنتهى الوضوح والموضوعية (أن الاقتصاد الصينى والأمريكى اقتصادان متكاملان).
وهناك بلاشك حالة من التداخل بينهما بنسبة كبيرة وفى حالة غرق أحد هذه الاقتصادات سيغرق الآخر.
تشير كل التقارير المالية الدولية الأمريكية بأن الصين هى اكبر مستثمر فى السندات الأمريكية وعلى أمريكا أن تسدد 1.1 تريليون دولار على الأقل من دين إجمالى يبلغ 6.1 تريليون دولار وهو أقل من استحقاق الدين الصينى ومن المتعارف عليه أن الصين طويلة النفس وإذا نفد صبرها وطالبت أمريكا بسداد ديونها كلها أو معظمها فلن تستطيع أمريكا فعل ذلك، وفى نفس الوقت لا يريد الاقتصاد الصينى فعل ذلك لأن الصين تشترى السندات الأمريكية لتجديد احتياطياتها من الدولارات التى تحصل عليها من منتجاتها التى تبيعها إلى أمريكا والتى من الطبيعى أنها تشترى السلع بالدين مع ارتباط عملة البلدين وكلما زادت الصادرات الصينية زادت تبعية الدولار لليوان.
ليست الصين فقط التى توجد فى الزاوية الضيقة وإنما الاتحاد الأوروبى أيضا وميزانه التجارى مع أمريكا خصوصاً ألمانيا حين تشترى أمريكا السيارات الألمانية.. والسؤال المهم هل هو اختبار للقوة تقوده الولايات المتحدة الأمريكية من الصين الى اوروبا وكندا والمكسيك خصوصاً بعد مطالبتها الاتحاد الأوروبى أو حلف الناتو برفع مساهمته المالية التى تبلغ ٢% حتى يخفف عبء مساهمة أمريكا فى موازنة الناتو التى تؤثر بشكل كبير على الموازنة الإجمالية وهنا تبرز (فكرة الحروب القومية الاقتصادية من جديد).
لقد بدأت أوروبا تفكر فى مقاربة مع الصين لتنجو بنفسها ولو قليلا وفى كل الأحوال ستكسب أمريكا الجولة من أوروبا ولو بنسبة وهو البعد التكتيكى التفاوضى الذى يبحث عنه ترامب لانه يعلم جيدا أن الرسوم الجمركية والضغط على الدول فى هذه القصة الأبرز ستخلق ضغوطاً تضخمية جديدة لأمريكا والعالم.
سياسة شد الحبل
لا شك أن الشركات الأمريكية التى تستورد المنتجات الصينية او غيرها والتى تريد أمريكا فرض السياسات الحمائية عليها سوف تضطر إلى تحميل المستهلك الأمريكى هذه الزيادات والتى قد تكلف الأسرة الأمريكية المتوسطة حوالى أكثر من 2600 دولار وهذا يمثل تحديا كبيرا لملف التضخم ولذلك يظهر السؤال المهم ما تأثير الصراع بين الصين وأمريكا على العالم كله ونحن معه.
فنحن طرف غير مباشر فى هذا الصراع ولكن هناك نقاط ضعف فى الاقتصادات الناشئة ومصر منها تبرز فى ظل كل هذه السيناريوهات المتداولة لحركة التجارة العالمية وسيقع على مصر وشركائها التجاريين مهمة تخفيف الآثار السلبية لهذه الحروب التجارية بتنويع حقيبتها الاقتصادية التجارية سريعا من خلال عدة إجراءات.
الأول: تحسين القدرة التنافسية بأقصى سرعة.
الثاني: تسريع آلية الشراكات الاستثمارية التى تعتمد على الموقع الجغرافي.
الثالث: تسريع وتيرة إنجاز مزيد من الإصلاحات لتيسير حركة التجارة العالمية أى التكيف الاستراتيجى والمشاركة الاستباقية للتغلب على التوترات التجارية.
-وعلى مصر الاستفادة الفعلية من الفرص المحتملة فى بيئة تجارة عالمية تتسم بالتغير ولا تأخذ أى وقت باستراحة المحارب فالوقت لايسعفنا أبدا وإعداد الأسلحة التى سنواجه بها الحروب التجارية ستكون من خلال دراسة الأفق الزمنى للمستثمرين سريعا ومحاولة التوفيق بين التحديات والمخاطرة والأمر الواقع.
وفى مجمل الأمر فإن السياسات الحمائية لها تأثير سلبى ليس على الأسواق الدولية فقط وانما على الأسواق الناشئة بصفة خاصة مما يؤدى إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية وتباطؤ النمو الاقتصادى المباشر وقد تضطر الشركات الأمريكية إلى البحث عن مواقع جديدة للانتاج خارج الأسواق الأمريكية إضافة إلى تقليل الجاذبية للسوق الأمريكى بالنسبة للشركات الصينية وغيرها وهنا يبرز الحاجز النفسى للاقتصادات الناشئة مثل مصر.
إن طبيعة المدرسة الاقتصادية التى ينتهجها فريق العمل الاقتصادى الأمريكى هى سياسة جون مينر كنز ابو الاقتصاد فى خفض الاستثمار الحكومى ولذلك نجد الاقتصاد الأمريكى يشهر سيفه بسحب الاستثمارات المباشرة من العالم، فماذا أعدت الفرق الاقتصادية المصرية اولا والدول الناشئة بوجه عام خصوصاً أن هناك بعدا لافتا للنظر وهو التأثير على الدول العربية وهو وارد مع الضغط على الاقتصاد الصينى بفعل التوترات التجارية بين أمريكا والصين لذلك سوف نجد بعض الدول العربية الغنية تذهب لزيادة استثماراتها فى السوق الأمريكى خاصة أنه قد يقل الطلب على النفط الخليجى خلال الفترة القادمة فى ظل رغبة ترامب فى إغراق العالم بالنفط الأمريكى وهنا قد تتجه الصين الى الأسواق الناشئة وتغير بوصلتها ولكن هناك عقبة أمام الأسواق الناشئة ونحن معهم بالطبع وهو الذهاب الجماعى بسبب السياسات الحمائية للمستثمرين إلى الدولار والسندات الأمريكية كملاذ آمن.
وهنا لابد أن تكون لدينا خطة واضحة المعالم مستقبلية واستباقية.
إن الأمر الواقع يفرض نفسه وهو أن يأخذ تجمع بريكس قرارات ترامب بعين الاعتبار وكذلك تهديداته لأن السياسات الحمائية أربكت الأسواق والعملات الرئيسية فهناك غموض بشأن المستقبل الاقتصادى العالمى والدول النامية تائهة والاتحاد الأوروبى يرتجف والصين تستعد وروسيا تتهيأ.
بالطبع يجب ألا ننسى أن الاقتصادات الناشئة هى عصب الاقتصاد العالمى وان تدفقات الاستثمارات المباشرة حول العالم لهذا الاقتصادات ونحن منهم كانت فى عام 2024 تبلغ 980 مليار دولار وبوجه عام يدخل الدولار بصورة مباشرة فى عمليات التمويل المباشرة للتدفقات الرأسمالية للدول النامية والسؤال الآن هل تستطيع هذه الدول امتصاص هذه الصدمة إن حدثت حرفيا.
خصوصا أن الربع الأخير من عام 2024 خرجت من العالم إلى السوق الأمريكى حوالى 19 مليار دولار.. نعود مرة أخرى إلى البريكس ونحن أعضاء بها خصوصاً أن المجموعة لم تصدر إلى الآن عملة موحدة وبعد تراجع السعودية عن الانضمام للبريكس لابد لدول التجمع أن تأخذ المبادرة لإصدار عملتها الموحدة سريعاً حتى تستطيع مقاومة صعود الدولار والحروب التجارية والسياسات الحمائية الجديدة لترامب والتى أربكت المشهد الاقتصادى العالمى وعملية الاستقرار المالى للاقتصادات العالمية والناشئة التى سوف تتحمل خسائر ومنها الدول التى لن تستطيع إيصال منتجاتها الى الأسواق العالمية وهنا لابد من الإسراع لإنهاء الدولرة العالمية كحل لدول البريكس.
لا شك أن الاحداث تتسارع بشدة ليس اليوم فقط وإنما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فى محاولة من المستعمرين الجدد لتطوير اهدافهم التوسعية الهادفة إلى تغيير خريطة التجارة العالمية وسلاسل الامداد بالاضافة إلى ضم الاراضى فكل يوم تطوى صفحات من التاريخ وضرب من ضروب الصراع باشكاله المختلفة فقد عفا الزمن على الصراع العسكرى المباشر باستثناء الحرب الهجينة لهذا المبدأ الراسخ الذى يتعرض لاختبار شديد و عنيف الآن مع السياسات الحمائية الجديدة وهو ما قد يعيد من جديد عودة القوة التوسعية الجيوسياسية مرة اخرى بجانب القوة التجارية التوسعية، فإن الهدف الذى تم إعداده بدقة هو استهداف تغيير خارطة التجارة الدولية، فرغم المخاطر العديدة وتعدد أسباب الحروب ولكن القوى العظمى فضلت تغيير مسار التجارة الدولية من اجل المصلحة الاعلى وهى السيطرة التجارية وجاءت حرب غزة لتثبت أن العالم يتغير بين عشية وضحاها ولا يترك فرصة لمن لا يفكر فى مصير تحركه التجارى الدولي.
وقد أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصرى تقريره بنهاية شهر مارس الماضى بعنوان (إعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية) وتضمن التقرير عدة نقاط هامة تدعونا لمناقشة الأوضاع والتحديات فى هذه اللعبة العالمية وكيف أصبح هذا المصطلح أكثر انتشاراً فى عام 2023 ونجحت دولة كالمكسيك فى أن تصبح أكبر شريك تجارى للسلع مع الولايات المتحدة كذلك زادت التجارة الأمريكية مع فيتنام والصين بشكل ملحوظ وهناك تحول مقصود لواردات الطاقة الأوروبية بعيداً عن روسيا بشكل كبير وزادت صادرات الصين من السيارات الكهربائية وارتفع متوسط التعريفات الجمركية على التجارة البينية للسلع بين الصين وأمريكا بما يتراوح من ثلاثة إلى ستة أضعاف منذ عام 2017 حتى الآن وتغيرت موازين منسوب المخاطر وللابحار بعيداً عنها بسبب الإيغال فى العقوبات التى فرضها الإتحاد الأوروبى ومع توترات البحر الأحمر زادت القيود التجارية العالمية بشكل مبالغ فيه بل زادت عدد القيود بشكل مطرد من حوالى 650 قيداً جديداً فى عام 2017 إلى أكثر من 3000 قيد فى عام 2023.
وهنا نطرح وجهة نظرنا فى هذه التشكيلة الجديدة للملعب العالمي.
سياسة الخنق
إن تغير خارطة الطريق لحركة التجارة الدولية والسيطرة الكاملة على سلاسل الامداد هى خطة تم وضعها بدقة عبر القوى العظمى ويتم فيها موت الدول بطريقة بطيئة بدلاً من تغيير الحدود السياسية بالقوة وتبدأ هذه الظاهرة بفقدان الدول الصغرى السيطرة على سياستها الخارجية لصالح دولة أخرى أو فى قول آخر تنازل الدول طوعاً عن التصرف بوصفها دولة مستقلة على مسرح السياسة الدولية فى مستهل عصر الدول الحديثة وقد كان أحد اسباب (موت الدول) وتفشى هذه الظاهرة هو انهيار هذه الدول امام منطق استخدام القوة القتالية الصريحة وعدم قدرة هذه الدول على تحديث جيوشها وتطوير قوتها القتالية وهذه الظاهرة يعانى منها ربع دول العالم تقريباً فهذه الدول تعانى من الموت البطيء ولكنه موت عنيف لأن الامر يمثل اعتداء على سلاسل الامداد وحركة التجارة لهذه الدول التى لا تستطيع التصرف فى هذه الحالة كدول مستقلة فى النظام العالمي.
إذا نظرنا إلى الخريطة العالمية للتجارة الدولية و تم ربطها بما يحدث حاليا فى السودان الشقيق ومن قبلها مشاكل تايوان و الصين و روسيا و امريكا كذلك الصين وأمريكا سواء أحداث ذات مواجهات مباشرة أو غير مباشرة ومن خلال الحروب التجارية الجديدة محل نظرنا فهناك عدد من الدول فى العالم هى دول واقعة بين دول متنافسة تجارياً او على وجه الخصوص هى تعانى من (خطر الاستحواذ) عليها.
منهجية الاستهداف
– لقد اتجهت القوى العظمى إلى وضع ترتيب هرمى لاهمية التجارة الدولية وعلاقة الدول بها وربطتها بمرحلة من مراحل الاعتراف السياسى والمصلحة الخاصة للتنافسية الدولية وأى (دولة لم تع أهمية موقعها ودورها فى حركة التجارة الدولية فهى فى مهب الريح لأنه رويداً رويداً بدأت القوى الكبرى فى ميدان حركة المصلحة والتجارة وسلاسل التوريد بذل الجهود لضم الدول فى كيانات تسيطر عليه تحت مبدأ وهمى وهو حق كل دولة فى تقرير مصيرها فقد فعلت هذا المبدأ الشكلى منذ عهد (وودرو ويلسون) الامريكى بعد تنفيذ الخطط التوسعية على الارض وضم الاراضى لنبدأ مرحلة السيطرة على سلاسل الامداد وتغيير حركة التجارة الدولية.
الصراع من اجل الثروات وليس الأرض
إن اللاعبين الاساسيين فى اللعبة الدولية تخطوا مرحلة الاستيلاء على الاراضى و اصبح التفكير الحقيقى الآن هو الثروات الطبيعية و اهميتها و تغيير مسار التجارة الدولية ، لقد نصب الكبار الدول الصغيرة فى مصيدة الطموحات التوسعية التجارية وعلى الدول ان تلتزم وتصبح جزءاً من .اللعبة الاقتصادية العالمية وبشكل يصعب خرقه والا تعرضت للعقوبات الدولية مثلاً او الحصار الاقتصادى الذى هو جزء من مصلحة الدول الكبري.
وتوسعت معها الأهداف التوسعية للاستيلاء على الاقتصادات و حفزت الدول العظمى لتجنب المواجهات العسكرية المباشرة لان الدول أصبحت سلعة تقيم حسب مواردها و كل دولة هى من تحاول الدفاع عن نفسها حتى تكون فى مأمن من السقوط الحر مع الخريطة الجديدة التى تم تشكيلها والترقب مستمر والمفاجات مستمرة.
واللافت للنظر ان الحرب الروسية الاوكرانية وجهت الانظار إلى التجارة الدولية و ليس أولى من اتفاقية الحبوب وتداعياتها لتنذر الجميع بأن المبادئ لا تدوم وانما الحقيقة أن لدولة كبيره ترسخ قواعدها و مبادئها التى تقوم على تجويع العالم كوصف الامم المتحدة ومنظمة الغذاء تحديداً ويتحمل المدنيون العزل فى العالم كله مآلات تغير حركة سلاسل الامداد.
لا شك ان سلاسل الامداد و حركة التجارة الدولية لن تعود الى سابق عهدها ولن تنتهى أزمات التوريد فالأزمة تهدأ فى منطقة وتندلع فى منطقة ومع زيادة الأهداف التوسعية بدأت الاحداث تتصاعد فى السودان لتغيير خريطة التجارة فى البحر الاحمر كما تغيرت فى البحر المتوسط والمحيطات واصبحت التداعيات الاعمق تأتى فى الطريق وكيفية تأثيرها فى تحولات حركة التجارة الدولية والتى تهدف إلى اعادت تشكيل الاقتصاد العالمى (فالحروب ليست المسئولة الوحيدة عن تغير حركة التجارة الدولية ولكن تم ترتيب العقوبات الاقتصادية لتزيد العقبات أمام التجارة العالمية بعد عصر العولمة الاقتصادية).
زمن المطبات الاقتصادية
و من دواعى الحيرة والتساؤلات أن البيانات تشير الى أن التوقعات تسير فى اتجاه ظهور نظام عالمى جديد لسلاسل التوريد خاصة السلع التى تعتمد عليها الدول بشكل يومى بحيث تكون أقرب إلى تحالفات عالمية ولكنها اقليمية بعد انكشاف اخطار الاعتماد على السلاسل العالمية كما اتضح فى أزمة الرقائق خلال الخلاف بين أمريكا و الصين وبعدها ازمة الحبوب و الغذاء التى اثرت فى اسعار القمح والحبوب عالمياً.
لقد سبب تفكك سلاسل التجارة العالمية كما صرحت مديرة صندوق النقد الدولى (كريستاليناجورجييفا) فى خفض توقعات النمو لعام 2025 و هو اضعف معدل منذ الأزمة المالية العالمية الكبرى ونحن نشهد بالفعل بعض علامات التفكك فى سلاسل الامداد العالمية بسبب أمن الامدادات وهو مصدر قلق مشروع.
فقد استطاعوا تعطيل سلاسل الامداد التى خططوا لها مسبقاً للاضرار بالنمو المحلى و الدولى . فاذا كان العالم يرى الذهاب إلى تكتلات منفصلة فسيكون هناك ثمن باهظ يجب دفعه و سيكون هذا الثمن مرتفعاً بشكل خاص نسبة للاقتصادات المفتوحة وعلى نطاق واسع بالنسبة للعالم النامى لقد تغيرت خريطة التجارة الدولية بالفعل لمنطقة آسيا و المحيط الهادى وها هى الحروب التجارية الجديدة تطل على العالم الذى خسر الى الآن حوال 3 % من حركة تجارته.
إن الدول والقوى العظمى تنجرف نحو خريطة تجارة جديدة وتغمض عينها قصداً عن الخسائر التى سيمنى بها العالم وتتراوح بين 1.4 تريليون دولار إلى 3.4 تريليون دولار سنوياً نتيجة عواقب ما تفعله من تصرفات السياسة الجديدة لتغيير الخريطة الدولية خصوصاً خريطة الطاقة التى سنتكلم عنها لاحقاً والا وصلنا إلى عالم أفقر وأقل أماناً.
لقد أجبرت السياسات الجديدة للدول العظمى العالم من الدول النامية والناشئة والدول المسيطر عليها ان تجعل صادراتها فى مجال ونطاق وجودها الجغرافي.
لقد عمقت الحرب الروسية الأوكرانية الفجوة بين العرض و الطلب عالمياً ونجحت فى ارتفاع اسعار الطاقة وحدث التشابك الاقتصادى وخفضت القوة الشرائية واصبحت هنا التجارة الدولية أداة اساسية للضغط على الدول كأنها عقوبات غير مباشرة للعالم الذى يحاول التخلص من خريطة التجارة الدولية المعدة سلفاً ويحاول عمل تكتل البريكس لعملية دولية واحدة فقد فهم العالم مؤخراً إما الخروج عن الخط المرسوم وإما مزيد من التجويع والتدمير الاقتصادى الذى هو اشد من التدمير العسكرى لذلك كان هنرى كيسنجر يحذر العالم وامريكا بالذات ان يدعوا الارض التى اخذها بوتين ويلتفتوا إلى العالم الذى انتبه الى خطتهم فى اعادة تشكيل خريطة التجارة الدولية وانشأ لنفسه ما يسمى بأسطول الظل واصبح يبيع ويشترى فى صفقات سرية غير معلنة بعيداً عن الترقب الدولى فقد غيرت آليات الحرب بين روسيا واوكرانيا وها هى السودان تبرز فى آفاق تجارة البحر الاحمر ومعه المحيط الهندى وحركة الملاحة العالمية وترى تأثير حركة أحجار الدومينو التى تحدثنا عنها سلفاً فى تغيير وتبديل الخرائط التجارية التى اذا ما سقط أحدها عند تأثيره إلى بقية القطع لذلك عطفا على ما سبق على العالم أن ينتبه سريعا للحروب التجارية الجديدة خصوصاً الدول النامية والناشئة التى دوما تتلقى الصدمة الفجائية.
لابد من حلول جذرية للحاق بكفاءة الامدادات والارتقاء سلاسل الامداد للفرار من خريطة التجارة الدولية الجديدة والسياسات الحمائية.
وعلينا أن ننجو من هذا الزحف لتحويل الاقتصاد الأفريقى إلى بوصلتنا فهى سوق تضم أكثر من 1.3 مليار شخص ويمكن لهذه السوق أن تغير ديناميكية اللعبة العالمية وتدفع بالتصنيع والابتكار ورسم الخرائط الجديدة كنقطة تحول نحو تغيير قواعد اللعبة.
انتبهوا للسياسات الاقتصادية الحمائية بحزم اقتصادية واستثمارية ممنهجة فهل تهيأت الدول الناشئة ونحن معها؟