أخطر ما يواجه الأفكار الكبرى هو خيانتها من الداخل، والخيانة تهمة ليست سهلة ولا يحق لأحد وصف أحد بأنه خائن لمجرد اختلاف فى وجهات النظر، وهناك أشكال عديدة للخيانة، تبدأ بخيانة النفس وصولاً إلى خيانة الوطن وتنتهى بخيانة الله ورسوله، فهناك من يخون قناعاته ومبادئه، وهناك من يخون مهنته ومهنيته، ومن هذه النقطة تحديدا أضع يدى على الكثير من الخطايا المهنية التى أصنّفها كشكل من أشكال الخيانة التى تبدو فى أعين وتصورات البعض شجاعة تستحق الإطراء، بيد أن أخطر ما يواجه أصحاب المنابر الذين يتقدمون الصفوف ويتحدثون للرأى العام سواء كانوا مفكرين أو مثقفين أو إعلاميين وصحفيين هو «دوائرهم الضيقة».
>>>
هذه الدوائر يمكن أن تكون شلة الأصدقاء المقربين أو المتابعين من أصدقاء العالم الافتراضى أو بعض اصحاب المصالح القريبين من أصحاب هذه المنابر، وعندما يكون لصاحب القلم أو المنبر آراء متباينة ومتناقضة بين السر والعلن هنا تكمن المشكلة، فهو يتحدث مع دوائره الضيقة بما يحبوا ان يسمعوه وغالباً ما تكون هذه الدوائر غير مجردة فى أحكامها لأن غالبيتها من الطبقة الممتعضة الشكاءة البكاءة، وعندما يظهر على الشاشة ضيفا أو مذيعا أو محللاً، تجده مرتبكا حائراً، هل يتحدث بحديث الرجل الموضوعى الوطنى المجرد أم يتحدث بلسان أصحابه وأصدقائه فى الدائرة الضيقة؟
>>>
هنا أرصد ومن واقع اعرف كافة مكوناته العديد من الشخصيات التى تخون.
«مهنتها ومهنيتها ومهامها» أمام سطوة تلك الدائرة الضيقة الضاغطة، فنجد أحدهم أو إحداهن يتحدث بلسان وطنى مبين فى قضية ما، لا تحتمل الجدل أو الآراء المتباينة كقضية التهجير على سبيل المثال، هنا حتماً سيجد أو تجد انتقادات ساخرة ماكرة من أصدقاء السوء الجالسين على خط الامتعاض فى الدوائر الضيقة، وكذلك سيكون هناك هجمة مرتدة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يفسر الاستدارة السريعة العجيبة لهؤلاء، من خلال اختلاق أى موضوعات للانطلاق منها نحو تصحيح أوضاعهم أمام دوائرهم بالهجوم على الأفكار الكبرى بضراوة محاولين استعادة جماهيريتهم خاصة امام دوائرهم الضيقة من الممتعضين وأصحاب المصالح.
>>>
وهنا أود التأكيد على نقطة فى غاية الأهمية وهى ان الكثيرين يعتبرون حرية التعبير مطلقة وتمكنك من قول أى شيء وكل شيء عن أى شيء دون ضوابط حتى ولو كانت الدولة وأفكارها ومبادئها هى الضحية، بيد أن قول الحقيقة والدفاع عن الحق بات مراً فى وقت اختلط فيه الحابل بالنابل وصار الحق وجهة نظر، فمن يدافع عن الدولة ومشروعها الوطنى يهاجم بعنف من البعض فى الداخل والخارج ويتهم بما ليس فيه فقط لأنه يعرض الحقائق ويعبر عن رأيه، هنا تظهر كتائب الابتزاز التى تضافرت أدواتها من أجل تحقيق هدف واحد هو التشكيك والتشويه لكل ما هو وطنى دون فرز، لكن الاحتفاء بكل الآراء المعارضة بشكل مطلق واحتضانها وتدليلها على حساب الآراء المؤيدة – فى تقديرى – جريمة فى حق المشروع الوطنى وكل ما قيل عنه من قبل سواء على لسان الرئيس أو الإعلام المصري، ولا أريد ان أزيد حتى لا تحمل كلماتى أكثر من المقصود.
>>>
المقصود هنا هو البحث عن حالة التجرد المفقودة والتعامل مع المشهد بعيداً عن أحكام الدوائر الضيقة الضاغطة على الجميع، وليس هناك ختام لهذه الكلمات إلا هذه الروشتة السحرية.
«اعص هواك» والسلام.