وعن «رجال فيصل».. وسبايدرمان
واسمحوا لى اليوم.. اسمحوا لى أن أكتب عن واحد من الرفاق الذين يتساقطون.. اسمحوا لى أن أكتب عن أيام جميلة عشناها معهم وذكريات تمثل بالنسبة لنا كل الحياة.. وسنوات عشناها نحلم ونحلم بالمستحيل وكنا فيها فى سباق مع الزمن والعمر نحاول أن نحقق كل شىء وأن نجرى ونطير فى آن واحد.
وأكتب عن الأيام التى عشناها معا.. فى السبعينيات فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة حيث كنا من أوائل الدفعات التى التحقت بهذه الكلية التى كانت بالغة التوهج والتألق ومصنع النجومية والشهرة.
لنا هناك مجموعة من الطامحين والمتطلعين للمجد فى مجال العمل الإعلامى بمجالاته الثلاثة الصحافة والإذاعة والتليفزيون والعلاقات العامة والإعلان ولأن الذين برزوا وعرفهم الناس فى مجالات الصحافة نالوا حقهم من الشهرة والانتشار والذين عملوا فى مجال الإذاعة والتليفزيون كانوا نجومًا وأقمارًا فإن الذين عملوا فى مجال العلاقات العامة والإعلان لم يكونوا على نفس درجة النجومية والجماهيرية رغم أنهم كانوا أساتذة فى مهنة الإعلام وصناعًا لحملات لقيادة الرأى العام والتأثير فيه.. وكان معنا الراحل سامى عبدالعزيز.. نموذجًا مختلفًا، نموذجًا فى التحدى فى الخروج على المألوف.. فى الابتكار.. فى التخطيط.. فى الإدارة الحديدية للدمج بين القدرات الأكاديمية البحثية وميدان العمل الواقعى ومتطلباته.
والدكتور سامى عبدالعزيز الذى يكبرنا بدفعتين كان واحدًا من الذين يتوهجون ويلمعون ويجذبون إليهم الأنظار منذ سنوات الدراسة.. كان غير عادى فهو تارة فى الجامعة.. وتارة يصارع الحياة خارجها.. وتارة يشارك فى توجيه وصياغة مستقبل آخرين بإبتسامة الواثق من قدراته لعبور الصعب وتحقيق النجاح.
وقد تلقيت خبر رحيله المفاجىء وأنا خارج البلاد لتعود بى الذكريات التى تروى قصة كفاح رائعة لشاب صمم على أن ينجح فكان له ما أراد.. فالنجاح إرادة.. والنجاح ابداع.. والنجاح فكر والنجاح ثقة فى أنه لا يوجد مستحيل..! والدكتور الصديق سامى عبدالعزيز كان كل هذه الصفات معا.. ابداع وفكر وثقة وإرادة وقدرة على اكتساب الصداقات وتجنب العداوات.. كان مدرسة متنقلة تمنح دروسها فى الحياة لكل من يرغب فى أن يكون له مكان بارز فيها.
وداعًا صديقى.. وداعًا للأيام التى تطير سراعًَا نحو طريق الرحيل.. وداعًا للرفاق من الدفعات الثلاث الأولى فى كلية الإعلام وداعًا لتلاميذ جلال الدين الحمامصى ومحمد محمود شعبان وإبراهيم إمام وعبدالملك عودة وصلاح العقاد وحامد ربيع وعزالدين فودة.. وكل الأساتذة الكبار العظام الذين علمونا والذين كانوا الجيل الأول من أساتذة كلية الإعلام.. عمالقة كانوا.. نجومًا أضاءت أنوارهم الطريق لجيل مازال يبدع ومازال بعض من بقاياه يحاول الصمود.
> > >
والجميع يتحدثون عن «رجال فيصل».. الجدعان فى شارع فيصل الذين تسلقوا الجدران والبلكونات لإنقاذ ثلاثة أطفال حاصرتهم نيران الحريق فى عمارة سكنية بمنطقة «كعبيش» فى فيصل.
وما قام به هذا الشباب ليس غريبًا عن الشارع المصرى فهذه هى صفات شعبنا.. الشهامة والجدعنة هى سر قوتنا وأمننا واستقرارنا.. فالشارع فى مصر يحمى نفسه بنفسه.. العادات والتقاليد والموروث التاريخى لابن البلد هى المقومات الأساسية التى يقوم عليها البنيان القوى للمجتمع المصرى.. فنحن الطيبة ونحن الكرم.. ونحن التعاطف والتكافل والرحمة.. نحن الجسد الواحد فى كل الأزمات.. نحن الجيران والجيرة وابن الحتة.. نحن الصرخة التى إذا انطلقت فإن هناك العشرات والمئات يسارعون إلى الاستجابة لها.. نحن الذين لا يبات لدينا جائع بدون عشاء لأننا لن ننام إذا عرفنا أن هناك من ينتظر المساعدة.. داخلنا الرحمة وفينا كل الخير.
> > >
ولم يكن غريبًا أن يقوم صاحب الورشة من مقعده رغم كبر سنه ويطير كالفراشة ليحتضن بجسده عاملاً لديه لإطفاء النيران التى اشتعلت فى يديه بعد تعرضه لمادة قابلة للاشتعال ثم أشعل بعدها سيجارة وكادت النيران أن تقضى عليه..! صاحب الورشة الرجل كبير السن لم يفكر طويلاً.. كان همه الأول انقاذ الشاب الذى هزته سرعة انتشار النار فى يديه فانطلق يجرى خائفًا مذهولاً.. الرجل وبتلقائية ضم إليه الشاب بسرعة ليخنق النيران ويمنعها من الانتشار.. والرجل لم يفكر فى أن تمتد إليه النيران.. كان همه انقاذ الشاب المذعور.. والرجولة احساس.. الرجولة موقف.. الرجولة قرار.
> > >
بينما هناك من خانوا العهد.. هناك من ليسوا منا.. هناك من ذهبوا لسرقة الآخرين وايذائهم.. وشريط فيديو قامت ببثه قناة تليفزيونية عربية يظهر لصًا يتسلق الجدران على طريقة «سبايدرمان» وينتقل من حائط لآخر بمهارة فائقة وقدرة عجيبة على التسلق فى لحظات بيديه..!! ولكن هذا اللص الذى لم يكن ظريفًا ذهب إلى حيث كانت نهايته.. ذهب ليسرق بيوت جيرانه فى شبرا الخيمة.. ولم يدرك أن هناك من سيراه.. فالجارة لمحته وهو يتسلق فأطلقت الصرخة النسائية المعهودة.. الحقوا حرامى.. وتبعها دون تردد عشرات الصيحات.. حرامى.. حرامى.. وسبايدرمان شبرا الخيمة وجد نفسه محاصرًا بأجراس الخطر التى اطلقها الناس فوقع فى قبضة عشرات الرجال الذين لبوا النداء.. ويا ويله يا سواد ليله مما حدث له بعد ذلك.. اللص كان يفضل «الكركون» ويطلب بنفسه تسليمه للبوليس.. فما حدث له من الأهالى سيجبره على اعتزال المهنة للأبد.. سرقوا منه كرامته إذا كانت لديه كرامة..!
> > >
وأخيرًا:
فليشرق صباحنًا حمدًا بأن لنا ربًا إذا أغلقت الأبواب لا يغلق بابه، وإذا انقطعت جاء مداده، وإذا قست القلوب نزلت رحماته، وإذا ضاقت الأنفس انهمرت بركاته.. وعند الله لا تموت الأمنيات أبدًا، وإذا تولاك الله سخر لك كل شىء ولو كان فى نظرك مستحيلاً.
> > >
> وحيثما وجدت سكينة روحك.. أقم فذاك موطنك..!
> ولا تعامل كل الناس بأسلوب واحد فليس كل المرضى يأخذون نفس الدواء.. وجميعًا.. نحتاج أن نهدأ.