ناقشت الندوة النقدية المصاحبة لمهرجان الشارقة للشعر النبطي مسيرة الشاعرين الإماراتيين المكرمين في الدورة التاسعة عشرة، وهما: عوض بن راشد بالسبع الكتبي، وزعل بن عبيد بن سرحان الغفلي، بورقتين نقديتين للباحثين في التراث الشعري النبطي د. فهد المعمري، ود. علي العبدان.
أقيمت الندوة في قصر الثقافة في الشارقة، بحضور عبد الله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، ومحمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، وبطي المظلوم مدير مجلس الحيرة الأدبي، وعدد كبير من الشعراء والمثقفين والأكاديميين والمشاركين في المهرجان.
استعادة مسيرة
واستعاد الباحثان مسيرة “الكتبي” و”الغفلي” منذ النشأة وحتى اليوم، وأضاءا على أبرز محطاتهما الشعرية التي تأثرت بالعديد من المدراس الشعرية التقليدية.
وتناولت الورقتان النقديتان أبرز موضوعات الشاعرين المكرمين وأغراضهما الشعرية المتنوّعة التي تميلُ إلى الوطنية، والغزل، والحكمة، والتدبّر في حال الإنسان.
واستهل د. فهد المعمري حديثه عن نشأة الشاعر عوض بالسبع الكتبي، مشيراً إلى أنه ولد في مدينة العين، “الغنية بالثقافة البدويّة والتي تعتبر موطنًا للعديد من كبار شعراء الشعر النبطي في الإمارات”، قائلاً إن عوض بالسبع أبن قبيلة بني كِتْب الكرام؛ التي أنجبت عدداً من الشعراء، امتداد لتلك السلسلة من الشعراء الذين أضافوا كثيرا في عالم الشعر النبطي الإماراتي.
المدرسة التقليدية
وأشار المعمري إلى تأثير المراحل التعليمية التي مرّ بها بالسبع والتي جعلته في القراءة والكتابة قبل أن يتحول الى مسيرته العملية والتي بدأها في السابعة عشرة من عمره.
وأعتبر المعمري أن تنقل عوض الكتبي بين العمل المدني والعسكري، أكسبه الكثير من العلوم والمعارف، بجانب الأصدقاء، لافتاً أنه كان يميل إلى الشعراء بطبيعته الشاعرية، وكشف عن التقاء بالسبع بشاعر العين الكبير الراحل محمد بن سلطان الدرمكي، حيث تجاذب الشاعران القصائد فيما بينهما، لتتوسع دائرة صداقاته لتشمل الشعراء بالدرجة الأولى.
وذكر الباحث أن الكتبي شارك في العديد من البرامج الإذاعية والتفلزيونية المخصصة للشعر النبطي، وكانت بدايته في سنة 1971 للميلاد وهو في الواحد والعشرين من عمره.
وأوضح ان شعر الكتبي كان تابعا للمدرسة الشعرية التقليدية التي بدأت مبكراً في الإمارات، فتأثرت شاعريته بملامح هذه المدرسة التي تحمل الصفات المشتركة بين شعراء هذه الفترة ، لافتاً أن كتابة الأغنية الشعبية عززت من تواجده في الساحة الفنية، مبيناً أن له ديوان جمع فيه عددا من قصائده التي تزخر بالمفردات الشعبية التي تؤكد على أنه كان ولا يزال ابن بيئته في الشعر، وأطلق على هذا الديون اسم “رايح العود”.
وكشف أن أول قصيدة قالها عوض بالسبع وهو في سن الثالثة عشر من عمره، وهي قصيدة غزلية تتفجر بالعاطفة المشبوبة واللغة المحليّة، ليؤكد على أنه سيزاحم الشعراء الكبار، ويكون له شأن بينهم.
وبعدها قدّم الباحث علي العبدان ورقة بحثية عن زعل الغفلي، مشيراً إلى أن الشاعر الغفلي من شعراء الجيل الثالث للقرن العشرين، حيث بدأ مسيرته الشعرية في نهاية الستينيات، وشارك في ملتقيات وبرامج الشعر الشعبي ويقدّم لها، وكان أحد ضيوف مجلس شعراء الإمارات الشمالية.
وقال العبدان: “اختار بعض المطربين قصائد الشاعر لتلحينها وغنائها بقالب الأغنية الشعبية الإماراتية، مثل الفنان الراحل “أحمد الحّرفي”، وهذا يدل على تميز تلك القصائد بالايقاع المناسب للتلحين والغناء”.
وأبرز العبدان موضوعات الشاعر وأغراضه المتنوّعة، التي تميلُ الوطنية، والغزل، موضحاً “هو على كل حال غرض رئيس في تقاليد الشعر الشعبيّ، وموضوع الحكمة والتدبّر في حال الإنسان، كما يحرص الشاعر على تبسيط وتسهيل لغة الشعر، وتدفق المعاني، مع الحرص على الإيجاز غير المُخِلّ، وتكثر لديه التوصيفات التي لا تحتاج إلى شرح أو توضيح”.
ولفت العبدان أن في لغة الشاعر زعل بن سرحان الكثير من مفردات اللهجة المحلية عربية الأصل، والتي تعود جذورها إلى الفصحى، كما أن أساليبه وتراكيبه اللغوية في قصائده مَزيجٌ بين البداوة والتحضُّر، وهو أمر جيّد في وصل الشعر النبطيّ بين الماضي والحاضر.
تحدث الباحث عن تنوّع أوزان قصائد الغفلي، مركزاً على أن شعره بصفة عامة يدور بين أوزانٍ محدودة، قد تكون الأنسب لموضوعاته وطريقة تعبيره، منها: الردح الممدود (من بحر السريع)، الردح الواقف أو القصير (من بحر المديد)، والمسحوب، مضيفاً “كما يحرص الشاعر على توظيف الجماليات الصوتية للحروف العربية، وجرس الألفاظ، ويستعملها في تزيين وزخرفة مفردات القصائد، وكذلك في تلوين القوافي”.