فى عصر النهضة كان علماء وفلاسفة الغرب ينظرون لعلماء الإسلام نظرة الإجلال، بل والتقديس.. لأنهم أثروا على الفكر الغربى وغيروا من نظرتهم للفكر الإغريقى الذى توارى خلف الفكر الإسلامى.. لهذا ظلت كتبهم تترجم وتدرس بالعربية زهاء أربعة قرون، وانتهت امبراطوريات، ولكن الإسلام استمر، وهنا الاختلاف الكبير عند قراءة تاريخ العالم، ففى كتاب «العرب والإسلام وأوروبا» قدم مايكل ستيورات مقارنات بفتوحات الإسكندر الأكبر وقيصر ونابليون، وكيف أن كلها انتهت إلى غير ما انتهت إليه الفتوحات الإسلامية، كما أن الإسلام قدم المساواة بين الناس ويستبعد الفكر الإغريقى من الحقوق المدنية، النساء والخدم والأغراب وصغار التجار، فيمكن أن يقال إن فكر مدرسة الإسكندرية- مع عظمته- يمثل مرحلة مهمة فى مسيرة الحضارة الإنسانية، بينما يمثل الإسلام منهجاً شاملاً يتميز بالاستمرار والتجدد مع مرور الزمن.
أن نعرف هؤلاء بأن كتاب «القانون» فى الطب لابن سينا، كان بمثابة إنجيلاً يُدّرس فى الغرب بالعربية، خصوصاً بكليات فرنسا، لاسيما فى جامعة «مونبليه» العريقة.
عندما جاء الصليبيون للمشرق العربى وشاهدوا حضارته، أحسوا بالدونية الحضارية ونقلوا هذه الحضارة لبلدانهم، فانبهر الغرب بها وحاكاها ونقل تراثها العلمى والفكرى وعكف مفكروه وفلاسفته على تمحيصه وتحقيقه، فظهرت أعمالهم كصدى فكرى لعلوم المسلمين، بعدما حررهم الفكر الإسلامى من هيمنة الكنيسة والكهنوت الكنسى وإرهاصاته، كما حررهم من أساطير الإغريق.. واليوم يتهمنا الغرب بالجهل والتخلف.. لذا نقول لهم: إن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يشجع التعليم عملاً وقولاً، فقد كان يطلق سراح الأسرى إذا علّموا بعض المسلمين القراءة والكتابة، حرصاً منه على ذيوع التعليم ونشره بين جمهور المسلمين، ولم يفته صلى الله عليه وسلم أن يجعل للمرأة نصيباً من تعلم القراءة والكتابة، فقد سأل الشفاء العدوية أن تقوم بتعليم زوجه السيدة حفصة القراءة والكتابة، ضارباً بذلك أحسن الأمثال فى وجوب تعليم الفتاة.. مؤكداً بقوله: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة».
وقد خرج صلى الله عليه وسلم ذات يوم فرأى مجلسين، أحدهما فيه قوم يدعون الله عز وجل ويرغبون إليه، وفى الثانى جماعة يعلمون الناس، فقال: «أما هؤلاء فيسألون الله، فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما هؤلاء فيعلمون الناس وإنما بعثت معلماً»، ثم ذهب إليهم وجلس معهم حتى الخلفاء من بعد عصر النبوة، خاصة هارون الرشيد والمأمون كيف كان يجلون الأدباء والعلماء ويغدقون عليهم بالمنح والعطاء.
المطلوب منا اليوم أن نسدى أكبر خدمة فى حياتنا للإسلام، بأن نترجم معانى القرآن ترجمة سهلة إلى اللغات الأجنبية، ونكتب كتباً باللغات الأجنبية عن عظمة الإسلام ومآثره ومبادئه المثالية ومحاسنه ومزاياه حتى نكفر عن تقصيرنا فى الماضى، ويعرف العالم ما هو الإسلام وما مبادئه وينتشر السلام والسعادة، ويزول التعصب الأعمى وتفهم حقائق الإسلام وتقضى على ما ينشر من الباطل والضلال عن الإسلام.