انه العالم الجليل العاشق لتراب مصر ولم يتخيل يوما فى حياته أن يعيش فى أرض خارج مصر فقد عشق اللون الأخضر والقرية والفلاحين ذاب وسطهم.. وهو العالم الجليل الذى ولد وسط حقول هذه الأرض الطيبة بالدلتا فى أول ديسمبر 1934 وقدم خلال حياته العلمية نموذجًا مميزًا للعالم المصرى النبيل الذكى العاشق لوطنه ومبادئه ومات عن عمر 72 عاما يوم 16 أغسطس عام 2006 والملقب بالأديب المتنكر فى صورة «العالم» لم يكن غريبا اختيار الدكتور أحمد مصطفى مستجير شخصية معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ 56 لهذا العام 2025 وسط اهتمام وزير الثقافة د. أحمد فؤاد هنو ورجال الفكر والعلم فهو اختيار أصاب هدفه فى الاحتفال برموز الوطن فى أهم دورة للمحافل الثقافية العربية التى يأتى درتها «معرض القاهرة الدولى للكتاب» ولماذا لا نحتفل بمثل هذه القامة ليعرف جيل الشباب ان أمثال عاشق مصر والأرض والطين لا يغيبون عن الذاكرة.. خاض مشروعه «زراعة الفقراء» والاستفادة من المياه المالحة لزراعة الأرز والقمح وهو صاحب جائزة أفضل كتاب علمى عام 1999 وأفضل عمل ثقافى لعام 2000 فقد كان عطاؤه ثريا فى العلم والأدب وبات اسما عالميا فى الهندسة الوراثية يشار له بالبنان واسما ادبيا مهما فى عالم الشعر الذى اجاده بعد ان اثرى المكتبة العربية بـ 57 كتابا ما بين مؤلف ومترجم فى العلوم والفلسفة والأدب وقدم بأسلوب سهل ممتنع الثقافة العلمية فى مقالات تتحدث عن الجينات والوراثة.. لا أعتقد أن أجد بين جدران قرية الصلاحات القريبة من بنى عبيد فى الدقهلية والتى لا تبعد كثيرا عن قرية «شاوة» قرية عبداللطيف بغدادى عضو مجلس قيادة الثورة نفس هذا العالم الذى عشق الريف من خلال هذه القرية والتى بسببها التحق بكلية الزراعة بعد أن أحب دراسة الاحياء على يد مدرسه «خليل افندي» الذى صنع له بصمة فى حب دراستها وكذلك استاذه عبدالحليم الطوبجى بزراعة القاهرة الذى وجهه لدراسة علم الوراثة ويكون بعد ذلك احد خريجيها قبل أن يعمل لفترة قليلة بالقرب من قريته فى دكرنس بالربعمائة التى لا تبعد كثيرا عن مدينة بنى عبيد فى الاصلاح الزراعى .. وعاد للبحث العلمى مع التحاقه بمركز البحوث ولينال الماجستير عام 58 ومنه إلى أدنبرة عام 60 ليواصل رحلة الدكتوراه التى حاز عليها عام 1963.
كلام كثير حول سيرته الذاتية تحدث فيها المحاضرون بمعرض الكتاب من خلال الندوات التى أقيمت حوله بالمعرض بحضور ومشاركة تلاميذه وأصدقائه والذين زاملوه فى كلية الزراعة أو ساقهم الحظ باللقاء معه فى المجمع اللغوى أو الشعراء الذين قرضوا له قصائد الشعر ومحبيه فى المعرض تستمتع إلى سيمفونية حب وقصائد غزل عفيف وصريح فى حب وعشق عالم مصرى وأديب وفيلسوف جليل توج أبحاثه بالعلم وان الدولة لا تنسى أبداً أبناءها الذين يقدمون لها علمهم بوطنية رفيعة من أجل بناء بلدهم فى أى مجال من المجالات.. هكذا قرأت تظاهرة الاحتفاء بالدكتور العالم من خلال متابعتى للمحاضرات السخية التى كشفت وأزالت الغبار عن سيرته الذاتية المملوءة بالانجاز العلمى والأدبى منذ ان كان تلميذا صغيرا فى قريته الصلاحات وفى الابتدائى والتى كان فيها مشرف الفصل الدراسى والذى يسجل التلاميذ «المشاغبون» بتكليف من مدرس الانجليزى الذى أحبه «شفيع» واللافت ان د. أحمد وشقيقه كانا لا يرتديان الطربوش ويكتفيان بإمساكه فى اليد الأمر الذى جعل والده مدرس اللغة العربية والذى أمده بكتب مصطفى صادق الرافعى والمنفلوطى وبعد ذلك قرأ ليوسف ادريس ونجيب محفوظ يستأذن ناظر مدرسته باعفائه من لبس الطربوش قبل التحاقه بكلية الزراعة التى كانت تضم 240 طالبا فى دفعته وهذا عدد كبير بالنسبة لهذا الزمان المبكر.
ولفت د. مستجير الانتباه أيضاً وهو العالم والأديب فى رده على فوكو ياما عندما قال تعليقا عليه «المشكلة التى يواجهها البشر ليست نهاية الإنسان وانما نهاية الانسانية التى يمكن للبيوتكنولوجيا أن توقفها أو تحد منها» فقد كان على بساطته التى لا تخطئ العين مصريته تحمل فى طياتها الرصانة والسهل الممتنع وبتواضع غير مدعاة وغير منتحل لها لأنه غلفها بالعلم والمعرفة فصار احد رموزنا العربية علما وادبا ومعرفة .
وأذكر عندما التقيته أول مرة فى العاصمة السعودية الرياض مع مجموعة من المفكرين المصريين وكان معنا الصديق الراحل د. جهاد عودة رحمه الله فى المكتب الثقافى المصرى لإلقاء محاضرة .
اكتظت القاعة عن آخرها وكان هو المتحدث الأخير ولم يترك أحد الحضور القاعة فى حى العليا بالرياض إلا بالحوار المفتوح رغم انه كان بالنسبة له يوم طويل فى فعاليات المهرجان الوطنى للتراث والثقافة إلا ان د. مستجير اصر الرد على كل الاسئلة التى طرحت خاصة من الشباب حول الهندسة الوراثية وليلتها ألقى أحد قصائده الشعرية أيضاً.
كنت وانت تجلس اليه تكتشف قامة مصرية وبمجرد الحديث معه تجد نفسك أمام رمز علمى وعالم بقوامه الفارع كالمسلات الفرعونية القديمة كتلك التى رأيناها ونراها فى الاقصر وابوسمبل ودندرة..
عندما نتحدث اليه لابد أن تذهب بخيالك إلى القرية وربما اذا لم يتحدث لا تتخيل انك أمام عالم فذ وفعلا عندما حاورته تجلت المقولة الشهيرة «تحدث حتى افهمك» و»تكلم حتى اراك» هذا هو الرجل العالم الذى ورث نبوغ الفراعنة وهو الذى عاش فى الخارج وتزوج أجنبية حافظ على اللكنة الأصيلة رغم انه يتكلم باللغات ما بين الانجليزية والالمانية والفرنسية والايطالية فهو بتوصيف دقيق «قنديل العلم والوراثة العربي» لا أنكر وأقدم للقارئ النبيل بانطباع شخصى عن هذا العالم الفذ اننى عندما جلست معه فى الرياض وجدت اننى لست فى فندق 5 نجوم بل على «مُصلي» بشاطئ ترعة اوغدير صغير ويظللها شجر «صفصاف» ورائحة الذرة المشوى مع اخواننا المزارعين أو الفول الحراتى فى ربيع مصر وشتلة شجر الأرز حيث الدقهلية محافظته أو شجر الجميز أو البرتقال «البافاوي» وشجر التوت.
والعالم بعد جلوسى معه مرتين ومات بعدها ولم أره لكن هاتفته عدة مرات لظروف السفر.. عالم يدخل قلبك من أول لحظة وانت تصافحه كما كان عالما ذائع الصيت بتجاربه جاءت وفاته اشبه بمليودراما حزينة أمام التليفزيون فى قرية زوجته بريف جبال الالب حيث يشاهد احداث يوليو عام 2006 فى الاعتداءات الاسرائيلية على جنوب لبنان ولم يتحمل العالم النبيل والشاعر مرهف الحس مشاهد قتل الأطفال فأصابته الجلطة ليودع الحياة خارج الوطن الذى أحبه مصر وإلى نشأته وسطور حياته.
النشأة من دكرنس إلى فيينا
ولد الدكتور أحمد مستجير فى قرية الصلاحات القريبة إلى قرية الربعمائة بدكرنس والمجاورة لقريته وأيضاً هى القرية التى عمل بها 55 يوما بعد تخرجه القرى المحيطة بجغرافية بنى عبيد وفى هذه القرى كانت طفولته وتلقى علومه فى مدرسة ابتدائية بالمطرية ومنها إلى الثانوية العامة والجامعة حيث التحق بكلية الزراعة التى أحبها وكان يتخيل انه من طين الأرض الطيبة فى الدقهلية.. ولم ينس مستجير قريته التى ولد بها فى الأول من ديسمبر 1934 وتعمق فى دراساته بالزراعة التى حصل فيها على البكالوريوس عام 1957 ثم حصل على الماجستير فى تربية الدواجن عام 1958 وفى الخارج حصل على دبلوم الوراثة للحيوان من معهد الوراثة فى ادنبرة عام 1961 بعد مراسلته لأستاذ الوراثة روبرتسون وألحقه بالجامعة كما حصل على دكتوراه من معهد الوراثة فى وراثة العشائر عام 63 قبل أن يعود إلى القاهرة ليعمل مدرسا مساعدا فى كلية الزراعة جامعة القاهرة والتى تدرج فى وظائفها الأكاديمية حتى عين عميداً لها 86 – 1995 ليعمل بها بعد ذلك استاذا متفرغا حتى رحيله فى اجازة صيف بالنمسا مع اسرته وأولاده وزوجته النمساوية.
رحلة علم وثقافة
للدكتور مستجير اسهامات كثيرة فى عدد من الأكاديميات والمنظمات والهيئات فقد كان زميلا بالأكاديمية العالمية للفنون والآداب بسان فرانسيسكو 1993 وعضوا بالجمعية المصرية للنقد الأدبى ومجمع اللغة العربية ومقرر قطاع الهندسة الوراثية والتكنولوجيا بالمجلس الأعلى للجامعات وعضو بلجنتى الترجمة والثقافة بالمجلس الأعلى للثقافة ومؤلفاته الأدبية كثيرة فى الشعر والأدب منذ كتب أول قصيدة «وغدا نلتقي» مقدمة فى علم تربية الحيوان 1960 والتحسين الوراثى لحيوانات الزراعة 1980 والنواحى التطبيقية فى تحسين الحيوان والدواجن 86 ودراسته فى الانتخاب الوراثى فى ماشية اللبن.
إنتاج أدبى غزير
مؤلفاته الأدبية سبقت مؤلفاته العلمية ومنها فى الشعر والأدلة الرقمية لبحوث الشعر العربى 1980 والمدخل الرياضى إلى عروض الشعر العربى وأحاديث الاثنين وكتاب فى بحور العلم «جزئين» وعلم اسمه السعادة عام 2002 والقرضة الوراثية وعلم اسمه الضحك وديوان عزف على ناى قديم 1980 وهل ترجع اسراب البط 1989.
كتبه المترجمة
له فى العلوم والترجمة والفلسفة العديد من الاصدارات قصة الكم المثيرة عام 1969 والمشاكل الفلسطينية للعلوم النووية والربيع الصامت 1974 وصراع العلم والمجتمع، صناعة الحياة، التطور الحضارى للانشاد، طبيعة الحياة، البذور الكونية للهندسة الوراثية للإنسان عام 1993، طعامنا المهندس وراثيا، عقل جديد لعالم جديد، عصر الجينات والالكترونيات، السوبر مان، ثلاثة رجال فى قارب، افكار تافهة لرجل كسول.
رفض البقاء فى الخارج
عندما عرضوا عليه فى ادنبرة بعد حصوله على الدكتوراه ان يظل هناك رفض وعلل الرفض انه مرتبط بالوطن والأرض مصر وقال ولا يمكن أن أجد نفسى فى مكان آخر غير مصر فهى بلدى ومكانى ولا فكاك من عشقها وأريد فكاكا.. وعندما سئل عن علاقته بالشعر منذ قابل الشاعر صلاح عبدالصبور وكتب له فى 25 أغسطس 1954 قصيدته «غدا نلتقي» قال له هذا خيال العلماء والحب اساسه العلم.. وهو يصف نفسه بعاشق العلم واعمل فيه انما الشعر فيمنحنى الراحة النفسية .
الخيال والعلم
د. أحمد مستجير كان يرى ان هناك رابطا قويا بين الخيال والعلم وصلة خيال وملكة التخيل تعزو العالم لصنع المعجزات فالشعر والعلم مرتبطان وكلاهما له ملكته والخيال ضرورى للعالم للوصول إلى نتائجه فهو العالم القارئ لا أرسين لوبين واجاثا كريستى وتربى على روايات الجيب وحفظ شعر حافظ ابراهيم ناجى وأحمد شوقى وايليا ابو ماضي.
الزواج
تزوج الدكتور أحمد من السيدة النمساوية عام 1965 بعد قصة حب ولدت ناضجة واتفقا على الزواج بعد عام وأثمر الزواج عن انجاب ثلاثة أبناء مروة الكبرى وهى وريثة والدها علميا حيث لها سبق اكتشاف سرطان القولون والمثانة وعلاج الزهايمر والابنة الثانية سلمى مستجير الحاصلة على الماجستير فى اللغة الالمانية وابنه طارق وهو الابن الأكبر حاصل على الماجستير فى الكمبيوتر.
وكان الدكتور مستجير قد التقى بزوجته أول مرة فى النمسا بفيينا وهى من مقاطعة جبال الالب حيث كانت تعيش فى قرية صغيرة عدد سكانها 800 نسمة وتعارفا وعرض عليها بعد أن تمكن منها كيوبيد الحب وكان ذلك عام 1965 فابتسمت ولم تصدر قرارًا بالرفض أو الموافقة فقط قالت له أزور مصر مع والدى ونرى اسرتك كما رأيت فى النمسا أسرتى ووافق وبعد عودتهما إلى النمسا تزوجا وعاشت معه فى مصر منذ 1965 وحتى وفاته فى 2006 لم يقطعها إلا اجازات الصيف السنوية حيث يقضيانهما فى جبال الالب ويقول عنها اننى عينت عميدا لكلية الزراعة 9 أعوام أما عميدة حياتى فهى زوجتى التى تركت بلدها من أجلى وهى سر نجاحى وظلا معا 41 عاما وكان له أصدقاء فى مصر منهم صديقى المشترك الذى التقيته ايضا وكثير فى الرياض المفاوض الدولى د. حسن وجيه وكان من اصدقائه ايضا د. أحمد شوقى ود. أحمد آمن ود. فاطمة البودي.
عائلة مستجير 7 إخوة
الدكتور مستجير ينتمى إلى أسرة من الدقهلية له 7 أشقاء بينهم شقيقه محمود الحاصل على الدكتوراة من المانيا والعاشق ايضا للثقافة ومحمد الاقتصادى بالأمم المتحدة والذى عمل لفترة فى اذاعة مونت كارلو والمحاسب مصباح وشقيقتهم عايدة.. وكان من أصدقائه المقربين كثيرون يفدون على دوار العمدة شقتهم القريبة من عمر أفندى الحجاز وعين شمس وفيها كان يزورهم عدد من الفنانين بينهم صلاح السعدني.
ومستجير كان عاشقًا لشقة الدقى التى عاش فيها وانجز كتبه وتراجمه.. وفى عمادة كلية الزراعة قدم مشروعين مهمين الأول مركز الهندسة الوراثية أول مركز لذلك فى الجامعات المصرية ومن خلال المركز قدم مشاريعه الأول عن التهجين الخضرى غير الجنس يدمج الخلايا والزراعة بالمياه المالحة لمحاصيل الأرز والقمح والمشروع الثانى حول الجاموس وانتاج الألبان وكان يومه يبدأ عبر مكتبه بالجامعة وعادة كان يحضر اليه فى الثانية صباحا وهو يقطن قريبا منه فى الدقى وكان يرجع لمنزله مع الثانية بعد الظهر لينام قليلا قبل أن يهجع إلى صومعته الخامسة مساء ويعيش بين الكتب فى هذا المكتب «الصومعة» حجرة مملوءة بالكتب وسط جهاز الكمبيوتر الخاص به فى 24 شارع الحسين بالدقي.
دوار مصر الجديدة
كان لشجرة العائلة دوار يعيشون فيه فى مبنى فى مصر الجديدة بمنطقة قريبة من نادى الشمس وشارع جسر السويس وممتد من شارع الدكتور عبدالحميد بدوى وهو منزل شقيقه محمود وفى الدوار الذى تحس انك فى المنصورة أو قرية الصلاحات أو الربعمائة يزورها دوما عبدالعزيز مخيون وصلاح السعدنى وغيرهم من اسرة مستجير وأصدقائهم.
تأثره بوالده كامل الكيلانى
والده استاذ اللغة العربية ومدرسها قدم له كتب الشعراء والأدباء ومن هنا أحب القراءة والعلم وكان والده قارئا مهما فى منزل مملوء بالكتب.. ووالد وكتب صديق والده كامل الكيلانى الذى زوده بعشرات الكتب.
خطاب إنسانى لأحمد ماهر
حيث كان فى سن العاشرة من عمره وبينما مدرسه شفيق افندى يوبخ احد الزملاء له واسمه يوسف وقال لزميله «روح موت» وبالمصادفة مرت 3 أيام لم يحضر يوسف للمدرسة وجاء الخبر الحزين فى اليوم الرابع ان يوسف توفى مما ترك فى قلب الطفل احمد مستجير حزنًا كبيرًا وراح فى نوبة بكاء طويلة موجها اتهامه للمدرس الذى يحبه بأنه قتل زميله يوسف.. وكتب رسالة إلى رئيس الوزراء أحمد باشا ماهر بهذا الأمر وفشلت محاولات ناظر المدرسة توفيق أفندى عفيفى فى اقناعه بما حدث.
استقالته من العمل بالزراعة
كان مستجير حبيبا للفلاحين ويحب الأرض حبا جارفًا وانحاز منذ صغره للأرض الريفية ويعيد تفوقه فى الزراعة بعشقه للون الأخضر عشق الرومانسية بداخله.. وكان يرى الأطفال وهم يجمعون القطن فى محافظته التى كانت تشتهر به وكان يقرأ فى عيونهم صورة مصر وتصديرها للقطن وغناؤهم «نورت يا قطن النيل».. وأثناء اشرافه على المزارع لفت نظره طفل يجمع القطن فى الحقل وفى عيونه حزن فأعطاه «قرشين صاغ» ورأه مفتش الزراعة القادم من القاهرة وعرف بما قام به مستجير «المهندس الجديد» ولامه المفتش وأوصاه أن يعامل الفلاحين بـ «قسوة» حتى يخافوا منه وليلتها لم ينم وكتب فى «نوتة معه» هل يستلزم الاستمرار فى الوظيفة قتل الانسان بداخلي.. هل لا ابتسم أمام هؤلاء الأطفال الشقيانين فى الحقول وكان راتبه 15 جنيها.. فسأل نفسه من أجل هذا الرقم «اقتل الإنسان داخلي» وهنا قرر الاستقالة وقد كان بعد 55 يوما ولم ير مفتش الزراعة مرة ثانية.
صلاح عبدالصبور ومستجير
كان من بين أصدقاء مستجير زميل له يعرف بالشاعر صلاح عبدالصبور وتزاملا فى مدرسة الزقاريق الثانوية ووقتها كان حديث الشعراء عن قصيدة صلاح «الملك لك» وهى أول قصيدة من الشعر الحر يطلع عليها مستجير.. وهنا كتب مستجير قصيدة غدا نلتقى وأبدى لصديقه أحمد محمود عز أن يقرأها على الشاعر صلاح عبدالصبور وبخجل التقى به وقرأ عليه القصيدة ويومها قال له عبدالصبور «هذه قصيدة شاعر» فطار فرحا وكتب بعدها ديوانين عزف ناى قديم وهل ترجع أسراب البط.
بذور الشيطان
اعتبر د. مستجير قيام إحدى الشركات الأمريكية بإنتاج بذور عقيمة صالحة للانتاج لكن لا تصلح للاستنباط مرة أخرى بأنها بذور الشيطان لأنها تحرم الفلاح من حقه الطبيعى فى حفظ تقاويه للعام القادم ويجعل الشركة تتحكم فى المستقبل الزراعى للبشر فأطلق عليها «بذور الشيطان» وحذر من زراعتها.
آخر اكتشافاته الجينات والحب
يؤكد بأبحاثه وأحاديثه ان هناك علاقة قوية بين الجينات والزواج والصداقة وان لكل شخص حاسة سادسة تغلفه بصبر بلا رائحة عن طريق «الفيرمونات» وهى رسائل كيميائية كالهرمونات ولكـل انسـان الفيرمـون الخاص به.. وقد اكتشف 25 فيرمونًا فى خلال 5 سنوات وهى فيرمونات بشرية منها 6 مثيرة للفتنة منها فيرمون «الاندروشتينون» الذكرى مما يؤكد علاقة الحب بالوراثة وهذا يعطى تفسيرًا سريعًا للحب من أول نظرة علمياً.
الوفاة
لم يكن الرحيل المفاجئ للعالم الكبير إلا صرخة مدوية فى أوساط العلم بمصر والعالم العربى والعالم.. فبوفاته ودعت مصر عالمها الكبير صاحب المواهب المتعددة أثناء وجوده فى النمسا.. وأتت وفاته مفاجأة لمن يعرفونه ولم يدر فى خلدهم أن يموت بعيدا عن تراب الوطن الذى عشقه ورفض أن يبقى فى الخارج أو يعمل ويترك مصر.. المثقف المستنير.. كان يوم أربعاء وبينما كان كما كتب الكاتب الصحفى منير عامر كان يجلس أمام التليفزيون فى لحظة مأساوية يشاهد مذابح اسرائيل فى لبنان فى يوليو 2006 وامتدت أيامها وأمام الضغط العقلى والقتل والدمار لم يتحمل قلبه أو عقله ما يحدث أمام ضمير العالم وبينما يظل على ألوان الشجر فى جبال الألب فى القرية الواقعة على سفوحه وعدد سكانها لا يزيدون على 800 نسمة وأمام مسلسل الموت فى ذلك الوقت لم يتحمل ودخل فى نوبة اغماء شديدة هرعت الزوجة وطلبت الطبيب الذى وصل بعد دقائق وأمام خطورة حالته تم استدعاء الاسعاف الطائر لنقله إلى أحد أكبر المستشفيات وكان التشخيص انفجار فى شرايين المخ وتم إجراء العمليات اللازمة لكن كان الموت أسرع وتوفى فى هذا المنتجع الصيفى يوم 16 أغسطس 2006 لتفقد عمليه منارة مصر لكن تظل أعماله العلمية والأدبية نبراسا خالدا يحكى قصة ابن الاصلاحات بالدقهلية تتبع اثره من مدرسته فى دكرنس وبنى عبيد والمطرية وكلية الزراعة فى القاهرة تحكى قيمة مصرية ورمز مصـرى للعــالم العبقــرى الذى افتقدناه قبل نحو 19 عاما.. وها هو معرض القاهرة الدولى للكتاب يعيد للذاكرة باختيار شخصية المعرض فى دورته الـ 56 عرفانا وايمانا بما قدمه للعلم والعلماء انه ذاكرة حية: أبدا مستجير يبقى بنظرياته العلمية وشعره وأدبه الذى يخلد مسيرة عالم شامل.
جوائز حصل عليها
جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم والزراعة 1974.
وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1974.
جائزة أفضل كتاب علمى مترجم 1993.
جوائز الإبداع العلمى 1995.
جائزة أفضل كتاب علمى 1996.
جائزة الدولة التقديرية لعلوم الزراعة 1996.
وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1996.
جائزة أفضل كتاب علمى 1999.
جائزة أفضل عمل ثقافى عام 2000.
جائزة مبارك فى العلوم والتكنولوجيا المتقدمة 2001.
أبيات من أول قصيدة كتبها
أخى اعشق وغن وهات الدموع!
وعش فى الحياة
فلا كان عيش كدور القبور!
>>>
ولا تسأل يا صاحبى من أحب؟
ستعشق يا صاحبى واحدة ككل النساء!
ولكنها لن تكون لديك ككل النساء!
سترنو إليها كأصل الجمال
كنبع الجمال
ونفس جذور الجمال هناك بعيدا بجوف الطبيعة
فتنسى المياه وعطر المروج
وتنس السماء وسحر النجوم
وتنسى القمر
أخى انظر إليها وحيَّ الجمال!
وخلَّ الطبيعة أصل الجمال
وهى قصيدة طويلة ختامها:
أنا مثلها.. دايل يا رفيق!
حنوت عليها
قبضت على حفنة فى يدى
وألقيتها فى مياه الغدير
وقلت.. سلاما
غدا ن لتقي!