بعد عقود من السنوات على وعد بلفور عام 1917 والنكبة الفلسطينية عام 1948، يكرر التاريخ نفسه ولكن فى زمن آخر وبشخصيات مختلفة.
فمثلما كان مصطلح النكبة يشير إلى المأساة الإنسانية المتعلقة بتشريد وتهجير الشعب الفلسطينى خارج دياره، تكرر اسرائيل نفس الأحداث فى قطاع غزة ولكن بشكل أكثر دموية وعنفاً، كما بدأت منذ أكثر من أسبوع فى استنساخ هذا المشهد الدموى فى الضفة الغربية.
وكانت أحداث النكبة، قد شملت إحتلال معظم أراضى فلسطين من جانب الحركة الصهيونية، وطرد اكثر من 750 ألف فلسطينى وتحويلهم إلى لاجئين، كما تضمنت النكبة عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من 500 قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية، وهذا المشهد بالفعل يحدث الآن على أرض الواقع.
نفس الحال عندما وعد من لا يملك (وزير خارجية بريطانيا العظمي، آرثر بلفور) اليهود بمنحهم وطنا قوميا فى فلسطين عام 1917، هذا الوعد يعيد نفسه ولكن بطريقة أخرى الان بعد أن استخدمت الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو سياسة الأرض المحروقة فى قطاع غزة.
بدأ مجددا الحديث عن تهجير الفلسطينيين قسرياً إلى مصر والأردن، بحجة ً أن القطاع أصبح لا يصلح للعيش بعد أن دمره جيش الاحتلال بالأسلحة التى منحتها الولايات المتحدة لهم.
كرر المبعوث الامريكى للشرق الاوسط ستيف ويتكوف نفس الكلام بأن قطاع غزة ليس به ماء ولا كهرباء و لا أى بنية تحتية، واصفاً حجم الدمار بأنه مذهل فى اشارة غير مباشرة على مقترح الترحيل وذلك وفق ما ذكره موقع أكسيوس الأمريكي.
وتتواصل ردود الأفعال حول التهجير ونقل الشعب الفلسطينى قسرا إلى الأردن ومصر التى تلقى حالة من الاستهجان فى المجتمع الدولى ومن بينها اصوات من داخل اسرائيل نفسها.
أكد مصدر سياسى إسرائيلى أن كلام التهجير ليست مجرد زلة لسان بل جزء من مخطط مدروس يجرى تداوله بجدية فى البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميريكية.
وقال عميت سيجال، المعلق السياسى فى «القناة 12» للتلفزيون الإسرائيلي، المعروف بعلاقات وطيدة مع مكتب نتنياهو وغيره من المسؤولين فى حكومة اليمين المتطرف، إن مسؤولين إسرائيليين رفيعى المستوى أكدوا علمهم بهذه الأفكار، وقالوا إن «الحديث يجرى عن خطة واسعة النطاق تتحدث عن نقل مؤقت أو دائم إلى الأردن ومصر».
وأعلن مكتب رئيس الوزراء أن نتنياهو سيتوجه إلى واشنطن هذا الأسبوع ، وسيلتقى ترامب الثلاثاء القادم.
وانتقدت ايضا صحيفة هآرتس، فكرة التهجير ، معتبرة ذلك أمراً مستحيلاً.
قال حاييم ليفنسون، أحد كتاب هآرتس البارزين، إن مسألة ترحيل الفلسطينيين على أرض مصر والأردن لن تلقى سوى الرفض بكل إصرار.
وتوقع ليفنسون أنه إذا تم الاصرار على التهجير ، فإن ذلك بحسب رؤيته قد يدفع القاهرة إلى قرارات خطيرة، يجعلها تحدد مصير تعاونها مع الولايات المتحدة، كما سيضع معاهدة السلام مع إسرائيل على المحك.
وأضاف أيضاً أن رؤية ترامب ستؤثر سلباً على العلاقات بين الولايات المتحدة وجميع الدول العربية، التى تعتبر حليف استراتيجى لواشنطن.
وكان قد انتقد فى وقت سابق، السيناتور الجمهورى ليندسى جراهام، اقتراح ترامب الذى صرح به لوسائل الإعلام الأمريكية مؤخراً.
وعلق جراهام لشبكة سى إن إن الإخبارية أنا لا أعرف حقًا .. ماذا يقصد الرئيس ترامب.
وأضاف جراهام أن فكرة ترحيل الفلسطينيين إلى مكان آخر، أمر غير قابل للتطبيق تماماً.
فى الوقت نفسه، رفضت مؤخرا الحكومة الألمانية هذا المخطط، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية إن برلين تتشاطر وجهة نظر الاتحاد الأوروبى والشركاء العرب والأمم المتحدة بأن السكان الفلسطينيين لا ينبغى طردهم من غزة.
كما أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أن، توطين سكان غزة فى مصر والأردن يتناقض مع مبدأ التعايش السلمى بين دولتى إسرائيل وفلسطين. واعتبرت باريس أن أيّ تهجير قسرى لسكان غزة «غير مقبول».
من جانبه، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن «الجامعة تقف بشكل قوى فى مساندة الموقف المصرى والأردنى الرافض للأفكار التى يتم الترويج لها بخصوص تهجير الفلسطينيين.
وقال أبو الغيط، فى تصريحات صحفية إن الموقف العربى لا يساوم فى مسألة تهجير الفلسطينيين من أرضهم ، مؤكداً أن الاصطفاف العربى المساند لموقف مصر و الأردن واضحا ولا لبس فيه.
و كان قد بدأ تدفق عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال غزة، المنطقة الأكثر تدميراً فى القطاع، حيث أعلنت الحشود الضخمة العائدة إلى ديارهم بتحدٍ واضح أنهم لن يطردوا من أراضيهم.
وأعلن المكتب الإعلامى لحركة حماس، أن أكثر من 400 ألف شخص، عادوا إلى منازلهم فى شمال القطاع، منذ بدء سريان وقف اطلاق النار وحتى الآن.