مع كل «حدث فارق» يقع فى «المنطقة» أو الإقليم أوحتى فى أى مكان فى الكرة الأرضية.. تزداد قناعتى وتمسكى باعتقادى «القديم».. وهو أن «التاريخ» واحد من أبرز وأهم أسلحة الدفاع والحفاظ على «الأمن القومى».. ففى زمن «السوشيال ميديا».. والذكاء الإصطناعي.. وحروب «الفضاء الإليكتروني».. أنظر إلى «التاريخ» باعتباره «قاعدة مركزية» من قواعد الوعي.. قاعدة يمكن عن طريقها الإنطلاق بكل براعة من أجل التصدى لكافة «الهجمات الناعمة» التى تستهدف بشكل أو بآخر ركائز وثوابت الشعب والأمة.. التاريخ هو بالفعل تجربة الماضى ودرس الحاضر وبوصلة المستقبل.
تحتفل مصر هذه الأيام بمرور ثلاثة وسبعين عاماً على «معركة الإسماعيلية».. تلك المعركة التى خاضها رجال الشرطة ضد قوات «الاحتلال الإنجليزي» فى الخامس والعشرين من يناير «1952» وصارت بعد ذلك «عيداً» للشرطة.. بهذه المناسبة رحت أقلب صفحات التاريخ.. تاريخ الشرطة.. وأحاول أن أتوقف عند بعض المحطات.. مصدرى فى ذلك موسوعتان.. الأولى هى موسوعة «البوليس والشرطة فى مائة عام».. والثانية «الشرطة المصرية عبر التاريخ الوطني».. من هاتين الموسوعتين نعيش اليوم إن شاء الله سبحانه وتعالى مع بعض المحطات التاريخية التى شهدتها مصر.
«معركة الإسماعيلية».. معركة يعرفها «التاريخ المصري» جيداً.. لأنها تشير إلى محطة مهمة من محطات الكفاح ضد «قوى الاستعمار».. بدايات المعركة كما تقول أوراق التاريخ تعود إلى عام «1951» وبالتحديد عندما قررت الحكومة المصرية إلغاء المعاهدة التى تم إبرامها مع بريطانيا والمعروفة تاريخيا بمعاهدة «1936».. ووفقا لما ترويه الأوراق فإن الوضع على الأرض كان شديد التعقيد.. القوات العسكرية البريطانية كانت متمركزة فى منطقة القناة وما حولها.. وكانت أعداد ضخمة من العمال المصريين يعملون فى المعسكرات البريطانية.. وكان القائمون على توريد الأغذية والخضر وغير ذلك إلى تلك المعسكرات هم من المصريين.. وعقب إلغاء المعاهدة مع بريطانيا امتد شعور وطنى جارف داخل كل هؤلاء المصريين جميعا.
وتضيف أوراق التاريخ أنه «فى هذه الأجواء» قرر العمال المصريون ترك أماكن عملهم فى معسكرات الإنجليز كما أوقف الموردون عمليات توريد السلع إلى تلك المعسكرات.. وتعرضت قوات الاحتلال الإنجليزى نتيجة لذلك إلى موقف شديد الحرج.. فما كان أمام هذه القوات إلا أن تضغط على الحكومة المصرية لكى تتراجع عن موقفها.. فى نفس الوقت قامت قوات الاحتلال بمهاجمة المدنيين وإطلاق الرصاص على الأفراد والمنازل وإلقاء القنابل.. ونظرا لحساسية الموقف فى ذلك الوقت وعدم إعطاء الإنجليز ذريعة لإعادة إحتلال القاهرة والمحافظات الأخرى حيث أنهم كانوا متمركزون فى منطقة القناة.. تقرر أن يتحمل عبء الدفاع عن القناة «رجال الشرطة المصرية» من بلوكات النظام.. وتقول الأوراق إنه خلال أيام معدودة التحم الشعب بالشرطة وخاضوا معا معارك حربية ضد القوات البريطانية.. واستمر الحال لأشهر قبل أن يصر الإنجليز على إخراج جنود بلوكات الشرطة من منطقة القناة من أجل إنهاء مقاومتهم المسلحة ورفع الغطاء المادى والمعنوى عن «الفدائيين» والأهالى الذين كانوا يوجهون ضربات نوعية ضد قوات الاحتلال.
وتروى الأوراق أن قوة عسكرية بريطانية مسلحة بالدبابات والمصفحات والمدافع حاصرت ثكنات بلوكات النظام ومبنى محافظة الإسماعيلية وأرسلت هذه القوة انذارا طلبت فيه خروج قوات الشرطة بدون سلاح ومغادرة منطقة القناة.. رفض رجال الشرطة هذا الإنذار البريطانى وعزز موقفهم هذا تأييد وزير الداخلية فى ذلك الوقت فؤاد سراج الدين ومطالبته لهم بالمقاومة وعدم الاستسلام.. وفى الخامس والعشرين من يناير «1952» وبعد مقاومة تاريخية من أبطال الشرطة.. اقتحمت الدبابات الانجليزية ثكنات بلوكات النظام.. وظل الأبطال الآخرون «المحاصرون» فى مبنى المحافظة يدافعون حتى نفدت ذخيرتهم.. ثمانمائة من رجال الشرطة داخل ثكنات بلوكات النظام.. وثمانون آخرون بمبنى المحافظة.. جميعهم لا يحملون سوى البنادق.. قاوموا على مدى ساعتين جيشاً من قوات الانجليز.. سبعة آلاف بريطانى على متن الدبابات والمصفحات والمدافع.. لقد سجل أبطال الشرطة فى «معركة الإسماعيلية» بدماء خمسين شهيداً وثمانين جريحاً «ملحمة» أجبرت قادة «الإحتلال الإنجليزي» آنذاك على الوقوف تقديرا واحتراما لبسالة ومقاومة المصريين.
من بين ما أوردته موسوعة «البوليس والشرطة فى مائة عام» ما قاله كل من الرئيسين محمد نجيب وجمال عبدالناصر عن «معركة الإسماعيلية» التى سطرها رجال الشرطة حيث نقلت الموسوعة بعضا مما قاله كل من نجيب وعبدالناصر عن تلك المعركة.. وكان مما سجلته الموسوعة على لسان الرئيس محمد نجيب كلمة قالت إنه ألقاها فى أحد الاحتفالات.. وهذا نص بعض ما جاء فيها «أبنائى وإخواتى ضباط وجنود البوليس.. إننا نحتفل اليوم بذكرى شهدائنا الأبطال.. الذين سجلوا لمصر مجداً وعظمة وفخراً.. فى كل يوم تظهر لنا الأيام مثلاً جديداً يضربه المصرى فى البطولة والشجاعة والتضحية.. وإننا إذا رجعنا إلى المثل الذى نحتفل به اليوم فلا نجد له مثيلا.. نفر قليل من المؤمنين من أبطالنا ضحوا إلى آخر نسمة من أرواحهم فى سبيل الوطن أمام قوات تفوقهم قوة وعتادا وعددا.. وكفاهم فخرا أن واحدا منهم لم يتزحزح عن مكانه أو يتخل عن موقعه.. فعلينا ألا ننسى شهداءنا.. وقد سبقهم غيرهم من الشهداء فى فلسطين وفى غيرها من الميادين.. إنهم جميعا كانوا الطليعة لحركتنا المباركة.. كانوا نواتها التى بدأت تضع لنا الأسس.. فحذونا حذوهم وسرنا على سنتهم.. فعلى أرواحهم وأرواح شهداء البوليس والجيش والشهداء جميعا نقرأ الفاتحة.
وقال الرئيس جمال عبدالناصر «إننا كنا نرقب دائما أيام القتال.. كيف كان يكافح رجال البوليس العزل من السلاح.. رجال الامبراطورية البريطانية المسلحين بأقوى أسلحة.. وكيف صمدوا ودافعوا عن شرفهم وشرف الوطن.. كنا نرقب كل هذا وكنا نحس فى نفس الوقت أن الوطن الذى يوجد فيه هذا الغداء وتوجد فيه هذه التضحية لابد أن يمضى قدما إلى الأمام.. لابد أن ينتصر.. لقد راقبنا معركة الإسماعيلية وكنا نتلظى فى الجيش.. كنا نريد أن نفعل شيئا ولكننا فى تلك الأيام لم يكن لنا حيلة ولكن كان هذا يدفعنا إلى الأمام وذلك بدفاعكم واستشهادكم فى الإسماعيلية».
من «المحطات» التى تناولتها موسوعة «البوليس والشرطة فى مائة عام» أيضا مسألة لقب «وزير الداخلية» متى ظهر هذا اللقب ومن أول من حمله؟.. حيث كان اللقب السابق الذى يطلق على من يتولى هذا المنصب هو «ناظر الداخلية».. كما ذكرت الموسوعة أسماء وزراء الداخلية الذين تقلدوا المنصب فى «القرن العشرين».. تقول الوثائق إن لقب «وزير الداخلية» كان أول استخدام له فى مصر بعد الحرب العالمية الأولى وإعلان بريطانيا الحماية على مصر وقيامها بإجراء بعض «التغييرات» فى المناصب السياسية والمسميات.. وكان اللقب المعروف قبل ذلك لمن يشغل هذا المنصب هو «ناظر الداخلية».. وتشير الوثائق إلى أن أول من حمل لقب وزير الداخلية بعد سريان العمل بالمسمى الجديد كان حسين باشا رشدى وكان ذلك فى العقد الثانى من القرن الماضي.. وتشير الوثائق أيضا إلى أن عدد الذين شغلوا منصب وزير الداخلية خلال القرن الماضى بلغ ستة وأربعين وزيرا.. كان من بينهم سعد زغلول.. المفكر أحمد لطفى السيد.. عبدالخالق ثروت.. مصطفى النحاس.. محمد محمود.. محمد فؤاد سراج الدين.. وجمال عبدالناصر.
فى موسوعة «الشرطة المصرية عبر التاريخ الوطني».. هناك العديد من الإشارات حول الدور الذى قامت به الشرطة «فيما يتعلق بالجبهة الداخلية» عندما تعرضت مصر لتهديدات وتحديات على جبهتها الخارجية.. من هذه الإشارات دور الشرطة فى الجبهة الداخلية خلال تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثى على مصر فى عام «1956».. تقول أوراق الموسوعة: إن الثابت أن قوات الشرطة حددت هدفها فى تأمين قرار تأميم القناة وذلك بإعلان حالة الطوارئ وتأمين الجبهة الداخلية ومواجهة المخططات المعادية ورفعت درجة الاستعداد الأمنى فى مدن القناة.. كما قامت أجهزة الأمن فى ذلك الوقت بإجراء عدة تقديرات للموقف وكانت الخطوة الأولى فى حصر مصادر التهديد من العناصر ذات النشاط الخطر من الجنسيات المختلفة المقيمة بالبلاد خاصة منطقة القناة.. وقبل العدوان الثلاثى كان لدى أجهزة الأمن قوائم بالعناصر الأجنبية المحتمل تحركها وقيامها بأعمال تخريبية.
وتروى أوراق الموسوعة أيضا أنه: بعد «قرار التأميم» بدأت الشرطة تستعد لمواجهة العدوان المحتمل على بورسعيد وذلك عن طريق قيامها بالتأمين وتعبئة الشعور الوطني.. كما وفرت السلاح والذخيرة والمؤن ودربت فرق المقاومة الشعبية وتعاونت مع المنظمات الفدائية.. وذكرت الأوراق واقعة سجلها بعض رجال الشرطة الذين عاصروا تلك الفترة: فعندما حاولت مجموعة من قوات العدوان الثلاثى الهبوط بالمظلات عند كوبرى الجميل ببورسعيد تصدى لهم جنود بلوكات الأمن بشرطة المحافظة الباسلة والذين كانوا يقومون بحراسة الكوبرى ..كان عدد جنود الشرطة فى هذه «الواقعة» وفقا لما تقول الموسوعة «مائة وخمسين» جنديا.. تصدوا لقوات العدوان وقتلوا منهم عددا كبيرا كما استشهد من رجال الشرطة الكثير.. كما تشير أوراق الموسوعة إلى أن وزارة الداخلية فى ذلك الوقت قامت بتدريب جميع القوات العاملة فى الشرطة خاصة قوات الأمن بالمحافظات على استخدام الأسلحة الأوتوماتيكية وعلى العمليات الفدائية والحرب داخل المدن.. ومن الأرقام التى ذكرتها الموسوعة فى ذلك أنه تم تدريب أكثر من ستين ألفا من الضباط والجنود والخفراء.. بالإضافة إلى تدريب أكثر من أربعين ألف مواطن على الأعمال الفدائية لمواجهة «العدوان الثلاثي».
وتقول موسوعة «الشرطة المصرية عبر التاريخ الوطني» إن رجال الأمن كان لهم دور أيضا فى التصدى للآثار التى خلفتها أحداث «1967» حيث تذكر أوراق الموسوعة: أن أجهزة الشرطة فى تلك الفترة تحددت مهامها فى تأمين الجبهة الداخلبة ومواجهة الشائعات التى تستهدف سلامة البناء الاجتماعي.. وأنه خلال قيام رجال الشرطة بالقيام بواجبهم فى إنقاذ المدنيين من المواطنيين الذين انهالت عليهم منازلهم بعدما قامت إسرائيل بالعدوان على العمق المصري.. خلال قيام رجال الشرطة بواجبهم استشهد عدد منهم أثناء عمليات الإنقاذ وعمليات إطفاء الحرائق التى أشعلها قصف الطيران الإسرائيلى للمدنيين.
وخلال «ملحمة النصر» فى العاشر من رمضان 1393 «السادس من أكتوبر 1973» كان للشرطة دور تاريخى فى الجبهة الداخلية.. فوفقا لما جاء فى الموسوعة فإنه: عندما استشعرت أجهزة الشرطة أن الحرب واقعة لامحالة بين مصر وإسرائيل.. بدأت الاستعداد وتحددت مهام الشرطة فى سبعة مهام.. تأمين الجبهة الداخلية.. التصدى للأنشطة الأجنبية التى تستهدف المصالح العليا للبلاد وكذلك التصدى للشائعات.. أعمال الدفاع المدني.. تدريب وتنشيط المقاومة الشعبية.. تأمين خطوط المواصلات.. تأمين توفير المواد الغذائية ومواجهة محاولات التلاعب بالسلع الغذائية.. وتوفير الأمن والأمان وبث الطمأنينة ببن الشعب.
وعندما انطلقت شرارة الحرب.. وفقا لما تقول الموسوعة.. وقفت أجهزة الشرطة بكافة قطاعاتها لتأدية مهامها الوطنية فى الجبهة الداخلية.. من بين «الصور» التى نقلتها موسوعة «الشرطة المصرية عبر التاريخ الوطني» عن الدور الذى قام به رجال الشرطة فى ملحمة العاشر من رمضان «السادس
من أكتوبر».. تلك الصورة التى قالت فيها: إنه عندما تأكدت قوات الشرطة أن العدو الإسرائيلى خرق قرار وقف إطلاق النار ووصل إلى مشارف السويس.. عقد ضباط الشرطة اجتماعا بمبنى «قسم الأربعين» فى الثالث والعشرين من أكتوبر «1973» وضعت فيه خطة التصدى للعدو ووسائل منعه من اقتحام السويس.. وعقد رجال الشرطة العزم على التلاحم مع رجال المقاومة الشعبية ومواجهة دبابات العدو.. هذا بالإضافة إلى دعوة رجال الشرطة لجميع المواطنين بمشاركتهم للتبرع بالدم لضحايا «العدوان الإسرائيلي».
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.