سوف تبقى معركة شرطة الإسماعيلية.. درساً متجدداً فى وجداننا.. يقفز أمامنا.. كل 25 يناير من كل عام.. ما حدث فى هذا اليوم.. نموذج يدرس.. فى كيفية التلاحم.. بين الشعب والشرطة.. البداية عندما اكتشف الجيش الإنجليزي.. هذه العلاقة بين الفدائيين والبوليس المصري.. لم يتخيلوا أبداً.. ان يقف رجال الشرطة مع الفدائيين.. وان البوليس يفرج عن الفدائيين الذين يتم إلقاء القبض عليهم بمعرفة الجيش الإنجليزي.. المتمركز فى اكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط «معسكر الجلاء» فى مدينة الإسماعيلية.. الأكثر من ذلك.. ان الشرطة كانت تخفى أبناء الإسماعيلية من الفدائيين.. وتعمل على تهريبهم بعيداً عن أعين الجيش الإنجليزي.. وكان الملازم أول الشهيد فريد ندا.. الذى كان يفتح نقطة الشرطة بشارع محمد علي.. كمكان لتمركز العديد من الفدائيين.. وعندما اكتشف الإنجليز ذلك.. هاجموا نقطة الشرطة وتبادل الملازم فريد ندا ومعه عدد من الفدائيين إطلاق النار معهم.. مما أدى إلى سقوط الملازم أول فريد ندا شهيداً.. مسجلاً اسمه فى أعظم سجلات الوطنية وعشق الوطن.. من هنا قررت قيادة القوات الإنجليزية.. نتيجة تصاعد الأعمال الفدائية بالتعاون مع رجال البوليس المصري.. احتلال مدينة الإسماعيلية.. وترحيل قوات البوليس منها.. واعدت لرجال البوليس قطاراً.. ينتظرهم فى محطة سكة حديد الإسماعيلية.. لنقلهم إلى القاهرة.. لابعادهم تماما عن الفدائيين.. وقررت القوات البريطانية الاستيلاء على مبنى شرطة الإسماعيلية.. وهى أعلى سلطة فى المدينة.. عندما تسقط.. فهذا يعنى سقوط الإسماعيلية فى ايدى القوات البريطانية.. وفى فجر يوم الجمعة 25 يناير 1952.. انطلقت من معسكر الجلاء بالإسماعيلية.. قوات الجيش البريطانى المسلح بأحدث أنواع الأسلحة واعتاها.. دبابات السنتوريوم الإنجليزية ومدافع الهاونز الثقيلة.. لتحاصر مبنى البوليس الرئيسى بشارع محمد علي.. وهو المبنى الذى حل محله.. مبنى مديرية أمن الإسماعيلية حاليا.. وقف الجنرال «لواء» ارسكين قائد القوات الإنجليزية وفى يده مكبر صوت.. يطلب من قوات شرطة الإسماعيلية.. التسليم والخروج من المبنى والتوجه إلى محطة السكة الحديد.. رفض النقيب مصطفى رفعت قائد قوات البوليس التسليم.. بناء على تعليمات من وزير الداخلية فى ذلك الوقت فؤاد سراج الدين.. الذى طلب عدم التسليم.. بعد مكالمات تليفونية بينه وبين النقيب مصطفى رفعت.. وهنا بدأت القوات الإنجليزية.. دك مبنى البوليس بنيران المدافع والدبابات.. واستبسل رجال البوليس فى الدفاع عن مبنى البوليس.. بأسلحتهم البدائية التى هى عبارة عن بنادق «لى انفيلد».. التى استخدمت فى الحرب العالمية الثانية.. واستمرت المعركة طوال اليوم.. دون تسليم الشرطة.. وهنا حدث التلاحم بين الفدائيين ورجال البوليس.. حيث تسلل أبناء الإسماعيلية من الفدائيين لدخول مبنى البوليس من الأبواب الخلفية.. وانضموا إلى اشقائهم من رجال البوليس.. وأصيب رجال البوليس واستشهد منهم 50 بطلاً فى أعظم معارك الشرف والرجولة.. ورفض الجيش الإنجليزى السماح لدخول سيارات الإسعاف لمبنى البوليس.. وعندما عادت السيارات إلى مقرها.. قفز سالم القاضى مدير إسعاف الإسماعيلية.. ليقود سيارة الإسعاف بنفسه.. وهنا قفز معه عدد من الفدائيين وهم يحملون أسلحة وذخائر لأشقائهم رجال البوليس.. وعندما رفضت قوات الجيش الإنجليزى مرور سيارة الإسعاف.. محاولين تفتيشها.. هنا انطلق سالم القاضى بالسيارة باقصى سرعة.. حتى لا يكتشف الجيش الإنجليزى ما بداخل السيارة.. وبسرعة اطلقت القوات الإنجليزية النار على الإسعاف.. ليصاب البطل سالم القاضى فى يده اليمني.. وبالرغم من ذلك لم يتوقف ووصل إلى داخل مبنى البوليس ويده تنزف دما.. وكان سالم القاضى يردد دائماً بأن هذه الإصابة احدثت عاهة مستديمة فى يده.. وهى أعلى وسام حصل عليه فى حياته.. وهو الذى حصل على وسام من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. تقديراً لدوره البطولي.. والتحم الجميع من فدائيين وبوليس وإسعاف.. فى الدفاع عن مدينة الإسماعيلية.. وأمام نفاد الذخيرة من رجال البوليس الأبطال.. خرج مستسلما كل من اليوزباشى «نقيب» مصطفى رفعت ومن خلفه اليوزباشى «نقيب» عبدالمسيح مرقص والملازم أول فؤاد الدالى الذى أصيب فى رأسه.. ليعود بعد ذلك للعمل فى الإسماعيلية وهو برتبة لواء.. ليصبح اللواء فؤاد الدالى حكمدارا لشرطة الإسماعيلية.. وهنا وقعت المفاجأة.. حيث وقف أمامهم اللواء ارسكين.. مؤدياً التحية العسكرية لهم.. فى واقعة تكاد تكون الأولى من نوعها.. جاء ذلك اعترافاً وانبهاراً بالشجاعة النادرة لصمود واستبسال رجال شرطة الإسماعيلية.. أمام قوات أكبر إمبراطورية فى العالم فى ذلك الوقت.. وبقى أن أقول.. إن معركة شرطة الإسماعيلية.. ستبقى درسا متجدداً فى وجداننا مدى الحياة.