«الدين المعاملة».. وضع ألف خط وخط تحت هذه العبارة الجامعة الشاملة ويخطئ ألف مرة من اقتصر منظور الدين لديه عند اللحية والجلباب والتردد علي المساجد ونحت علامة الصلاة علي الجباه.. وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول وينصح «الولاة» قبل الذهب للمسئولية في ولايتهم «ادعو إلي الله وانتم صامتون» وتعجب البعض من هذه العبارة فوضح لهم المعني والمغزي قائلاً: اجعلوا أعمالكم تتحدث عنكم اجعلوا تعاملكم مع الناس وانصافكم وعدلكم والمساواة بين العباد هي منهاج عملكم وقد تلقي الف خطبة وتسهب في نظم الكلام فلا تقنع ولا تبرهن وانما فعل واحد علي ارض الواقع يكون ابلغ من الف كلمة والف خطبة وكان الإمام محمد عبده محقاً عندما زار بلاد الفرنجة وشاهد الامانة في المعاملة والصدق في القول والانضباط في العمل والنظافة والنظام في الشوارع بينما نهمل نحن في شوارعنا ونلقي القمامة في عرض الطريق ونسير في الاتجاه العكسي ونري لافتة «ممنوع الانتظار» تسد عين الشمس بينما نركن اسفلها السيارة بلا أدني مبالاة نري الاشارة حمراء فنمرق مسرعين بالسيارات وربما نصدم عابراً أو نقتحم سيارة ملتزمة نذهب إلي الصلاة بينما نحتكر السلع ونبالغ في الاسعار تحت شعار التجارة شطارة نصوم ونصلي ونطلق اللحي بينما نعطل مصالح الناس نري الطوابير امامنا في المصالح والمكاتب الخدمية بينما لا نبالي يسعي كل منا لمد يده في جيب الاخر نكنز الاموال دون مبالاة ولا إنسانية نفعل كل ذلك بينما نصوم شهر رمضان ونصلي الخمس صلوات في جماعة نعيش قمة التناقض العجيب ومنذ بضعة اشهر اجري مركز «جالوب» الامريكي بحثا اقرب إلي استطلاع الرأي عن اكثر الدول تديناً شمل أكثر من 150 دولة في مختلف القارات.. كان السؤال واحداً يتم توجيهه إلي البشر في كل الدول وهو: ماذا يمثل الدين بالنسبة لك وفي اي مرتبة يأتي في حياتك؟ فجاءت مصر في المرتبة الاولي في هذا الاستطلاع وكانت الاجابات في معظمها ان الدين هو اهم شيء في الحياة ويأتي في المرتبة الاولي في حياة المصريين بينما جاءت اجابات المصريين من الدول في مراتب تالية بعد العمل والعلم وجاءت المرتبة الاخيرة في بعض الدول وشيء طيب ان نكون شعبا متديناً مسلمين ومسيحيين لكن الاجمل ان يطابق هذا التدين واقعنا الذي نعيشه فلا قيمة ولا ثمن ولا ثواب لهذا التدين إذا لم يحسن الانسان إلي جاره ويأمن جانبه لا قيمة لهذا التدين وانا استغل تجارتي في التربح علي حساب البشر دون ضوابط او معايير واحتكر السلع واحبس حاجة البشر للتربح دون انسانية او تدين.. لا قيمة لهذا التدين وانا اهمل شرحي في الفصل والمدرسة التي اتقاضي منها راتبي بينما يكون كل تركيزي علي الدروس والسناتر الخاصة لا قيمة للتدين وانا استغل المريض الذي جاءني إلي عيادتي دون رحمة ولا شفقة وابالغ في سعر الكشف دون مراعاة لأي جوانب انسانية.. ولا قيمة لهذا التدين وانا اترك طوابير البشر الذين يقفون امامي في انتظار قضاء حوائجهم أو انهاء اوراقهم وطلباتهم.
>>>
اقول كان محقاً الامام محمد عبده عندما قال علي بلاد الفرنجة رأيت هناك اسلاماً بلا مسلمين بينما لدينا مسلمون بلا اسلام!! إننا بحاجة ماسة إلي التدين الحقيقي الذي يطابق الواقع نحن في حاجة ونحن في بداية الشهر الكريم ان يطابق عملنا وواقعنا صيامنا وقيامنا ويكون شهر رمضان هذا العام مختلفاً فنصوم صوماً ايماناً واحتساباً ويكف التجار عن المتاجرة بمعاناة الناس والتربح علي حساب احتياجهم والتمادي في حبس السلع لرفع الاسعار اننا في حاجة إلي تغيير الخطاب الضميري لكي يدرك كل مسئول انه تقلد منصبه للتيسير علي العباد وليس للتعقيد ولا استغلال النفوذ اننا جميعاً في حاجة إلي ايقاظ ضمائرنا لنراعي الله في كل مناحي حياتنا وتكون اعمالنا وتعاملنا مع الغير هو عنوان التدين.. تكون اعمالنا ترجمة واقعية للتدين الحقيقي.
>>>
وإذا أردت ان تعرف درجة ايمانك.. وتعرف ان تقف يوم القيامة.. امامك اختباران لا احد يعرف نتيجتك ولا يطلع عليها إلا الله وانت قبل غيرك أما الاول فهو الحديث الشريف: «لا يؤمن احدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه» فمن منا يحب لأخيه ما يحب لنفسه هذا هو الايمان الحقيقي؟.. والثانية.. «اقربكم إلي الله يوم القيامة أحاسنكم خلقاً».
فأين تقف انت في عرش الرحمن يوم القيامة؟.. وكم تبلغ درجة ايمانك.. هل تدخل في زمرة المؤمنين ام مجرد انك مسلم في الرقم القومي.. انه مقياس لا يخيب واختبار لا يحتاج إلي مصححين ومراجعين وانما انت وحدك الذي تحدد درجتك انت وحدك الذي تعرف قدر ايمانك حتي وان حججت وعمرت والتحيت وتسوكت.. فبقدر حب الخير لغيرك يكون ايمانك.
>>>
فليكن رمضان هذا العام مختلفاً ونعود إلي الله بصدق ونطوي صفحة الماضي فقطار الحياة لا ينتظر.